بلغت الأزمة المالية اليونانية ذروتها وسيطرت على الأخبار المالية، ومع فشل اليونان في التوصل إلى اتفاقية لإنقاذ الديون مع الدائنين الأوروبيين، فقد أصبح خروجها من منطقة اليورو واليورو نفسه أكثر احتمالا. ومع أن خروجها من منطقة اليورو سيكون له تأثيرات ومنها الرجوع إلى العملة القديمة وهي (الدراخما) والمشاكل المصاحبة لذلك، ولكن أهمية هذا التأثير تكمن في أنه قد يمتد إلى أوروبا وخصوصا الدول المديونة فيها مثل البرتغال وإسبانيا وإيطاليا والتي قد تحذو حذو اليونان. ومع أن اليونان تشكل فقط 2 بالمئة من حجم الاقتصاد في منطقة اليورو، إلا أن تأثيرها من الممكن أن يكون أعظم بكثير.
الحقائق:
- يبلغ الدين اليوناني 242 بليون يورو.
- تبلغ الفوائد المترتبة على اليونان لغاية الآن إلى البنك المركزي الأوروبي 3.5 بليون يورو.
- تبلغ الفوائد المترتبة على اليونان لصندوق النقد الدولي لغاية الآن 1.5 بليون يورو.
- تبلغ قيمة حزمة المساعدات الأوروبية المعروضة لليونان (مع تقديم اليونان للمزيد من التقشف) 7.2 بليون يورو.
- تطالب اليونان بشطب ديونها وتريد تجنب المزيد من المديونية.
المطالب:
يطالب مثلث (صندوق النقد الدولي، البنك المركزي الأوروبي، والمفوضية الأوروبية) اليونان بإجراءات تقشفية إضافية، وخفض المعاش التقاعدي وزيادة الضرائب، والتقليل من الإنفاق الحكومي وخصخصة المزيد من القطاع العام. رفضت الحكومة اليسارية - التي تم انتخابها بسبب أنها ستقف ضد المزيد من الإجراءات التقشفية - مطالب المثلث. هذه المواجهة هي أمر طبيعي نتيجة لسيطرة الأجهزة المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي، على الدول بسبب ديونها. وبدلا من شطب الديون المستحقة على اليونان منذ أزمتها الأولى عام 2010، تطالب القوى المالية بإيقاع اليونان بالمزيد من الديون، مع حماية حقوق حملة السندات اليونانية مهما كان الثمن.
ديون اليونان بالنسبة للناتج الإجمالي المحلي تبلغ 180 بالمئة (عادة تُعتبر نسبة 100 بالمئة خطرا على البلد)، والاقتصاد اليوناني لا يستطيع تحمل مستوى الدين هذا. صندوق النقد الدولي يرفض التزحزح عن موقفه في فرض المزيد من الإجراءات التقشفية، ولكنه يريد من أوروبا تقديم المزيد من المساعدة في دفع الديون. وتقول أوروبا إنه من الممكن التحدث عن تقديم المزيد من المساعدات في دفع الدين ولكن فقط إذا ما وقّعت اليونان على إدخال قائمة من "الإصلاحات". أما بالنسبة لليونان فإنها تطالب بالعكس، المساعدات أولاً ثم إدخال إصلاحات. لأن الاتحاد الأوروبي وعد عام 2012 بمساعدات في مجال الديون ولكنه لم يفِ بها.
إن السياسة الحالية للمثلث المذكور تقتضي عدم سداد الدين اليوناني أو شطبه، وإنما إبقاء اليونان تحت عبودية الدين بشكل دائم. وهذا يكشف زيف "تضامن العائلة الاوروبية" ويدل على فساد العقلية الرأسمالية المتوحشة التي لا ترحم أفراد "عائلتها"
الحلول؟:
إذا لم توافق اليونان على المزيد من الديون مع إدخال إجراءات تقشفية أكبر وخصخصة أوسع للقطاع العام، فإنها ستواجه التخلف عن سداد الديون والخروج من منطقة اليورو. وهذا سوف يخلق مخاضاً عسيراً في تأسيس عملة جديدة منخفضة القيمة، وإعادة بناء العلاقات مع أوروبا، التي تعتبر شريكاً تجاريا قويا، بما فيها السياحة.
إن الشعب اليوناني لا يريد مواجهة المجهول إذا ما خرج من منطقة اليورو، ويفضل إبقاء اليورو، ولكن هذا الأمر يبدو مستحيلاً... من الصعب على اليونان البقاء في منطقة اليورو وفي الوقت نفسه المحافظة على مظهر السيادة على البلاد نتيجة لتدخل القوى المالية في شؤون اقتصاد اليونان من أجل ضمان سداد الديون. من المثير للاهتمام أن حلول صندوق النقد الدولي لم يتم تبنيها من قبل الولايات المتحدة، على سبيل المثال، التي تعاني أيضاً من المديونية والعجز المزمن. وهذا أبلغ مثال على ما جاء في الحديث الشريف: "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". فرأس الإجرام وزعيم العصابة الرأسمالية (أمريكا) لا تجد من يضع حدّا لإجرامها ونهبها لثروات العالم، أما شعب اليونان فعليه أن يكتوي بنار مصاصي دماء الناس من أصحاب الرساميل.
الخلاصة:
يجب ألا ننسى حقيقة أن اليونان والعديد من الدول الأوروبية واقعة بالديون الضخمة، وهي خاضعةٌ لسيطرة صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي وغيره من البنوك، نتيجةً لاختيار الحكومات المتعاقبة وباستمرار زيادة المصاريف على حساب الميزانية. إن حكام تلك البلاد يختارون الطريق الأسهل من أجل إعادة إنتخابهم للبقاء في السلطة عوضاً عن القيام بما هو ضروري لشعوبهم، بالإضافة لهذا فلا يعتبر استبدال عملة هشة أخرى مثل (الدراخما) باليورو (العملة المسيطرة) ولا تكون مغطاة بالذهب والفضة أو أحدهما، لا يعتبر دواءً "ناجحاً" لأنها ستكون عرضةً لنقص الانضباط الحكومي نفسه.
إن خروج اليونان من منطقة اليورو وفشلها في تسديد ديونها، سوف يفتح الطريق لدول أخرى في منطقة اليورو للسعي، على الأقل، في إعادة المفاوضات لدفعات الديون وبرامج التقشف، أو الأسوأ مواجهة خطر انهيار مشروع اليورو مع حدوث المزيد من التخلف في سداد الديون. ولا يجب تجاهل مغازلة روسيا لليونان لاحتوائها إذا ما خرجت عن الصف الأوروبي، وخصوصاً أن هناك صفقة أنبوب الغاز الروسي يجري التخطيط لها...
بقلم:
جمال هاروود
رأيك في الموضوع