في الانتخابات الأخيرة حصل زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو على تزكية 64 عضواً في الكنيست لتشكيل الحكومة الجديدة في كيان يهود، وسيكون لهذه الانتخابات وتشكيلة الحكومة تداعيات داخلية وخارجية وإقليمية ودولية.
وستكون هذه أبرز نقاط المقال:
أولاً: لقد حصل اليمين على أغلبية مريحة تجعله قادراً على تشكيل حكومة مستقرة نوعاً ما، وهذا يدل على أن هناك تحولاً كبيراً داخل كيان يهود نحو اليمين والتطرف؛ إذ حصل حزب الليكود بزعامة نتنياهو على 32 مقعداً، والصهيونية الدينية برئاسة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير على 14 مقعداً، وحزب شاس على 12 مقعداً، وحزب يهودوت هتوراه على 9 مقاعد. في الوقت الذي خسر فيه اليسار والأحزاب العلمانية مكانتها داخل كيان يهود، ومن هنا ندرك أن نتنياهو كان مدركاً لطبيعة التحول عند يهود، فركب ظهر اليمين لإدراكه لقوة هذا اليمين بالرغم من التناقض داخله واختلافاته.
ثانياً: هناك حالة استقطاب حاد وقوي داخل كيان يهود، إذ هذه خامس انتخابات خلال أقل من 4 سنوات، وسابقاً كانت الانتخابات وكثرتها وسقوط الحكومات تابع لمدى الضغط الدولي وخاصة الأمريكي على الكيان لاستحقاقات مرحلة سياسية معينة واتفاقيات دولية تتعلق بما يسمى حل الصراع، لكن الذي جَد الآن ليس هو البعد الدولي بل هو الاستقطاب الحاد والكبير في كيان يهود بين اليمين المتطرف بكل أطيافه وتناقضاته، وبين الآخرين بكل أطيافهم وتناقضاتهم. والدليل على حدة هذا الاستقطاب هذه الانتخابات الخامسة في فترة قياسية، واتهام الآخرين بالخيانة والتهديد بالقتل، بل وفوز قتلة رابين بالانتخابات والتي كانت سابقة خطيرة آنذاك، فكيان يهود يتشابه نوعاً ما مع المجتمع الأمريكي في الانقسام وحدة الاستقطاب الداخلي وطبيعة الشعارات الداخلية المستندة إلى أحلام اليمين المتطرف في صياغة كيان وفق تعاليم معقدة وأحلام تعادي الجميع حتى من بني ديانتهم، فمثلاً مولي فاليغ مديرة المدرسة الدولية في كلية أورانيم، وعالمة الاجتماع السياسي، أكدت أن "مستقبل المجتمع (الإسرائيلي) في ظل هذه النزاعات الداخلية تم تهميشه لسنوات عديدة بسبب إلحاح قضايا الأمن على باقي شؤون الدولة، وحتى عندما كان صناع القرار يبحثون في مناقشة جوهر المجتمع (الإسرائيلي)، اتضح أن الحل الذي ابتكروه كان مخطئاً، لأنه قام على فرضية بوتقة الانصهار التي لا يمكن أن تجمع كل المكونات المختلفة للمجتمع (الإسرائيلي) في كيان واحد متجانس، وبدلاً من القضاء على الانقسامات الاجتماعية، عمل هذا النموذج على تعميقها، لأن نموذج الانصهار قام في أسوأ الحالات على الافتقار للخطاب، والإملاء من الأعلى، وفي أفضل الأحوال خطاب المواجهة، الذي أسس مفاهيم العنف الداخلي والانفصال بين (الإسرائيليين) أنفسهم، بدل اعتماد نموذج التعددية".
وذكر تامير باردو الرئيس السابق لجهاز الموساد، في محاضرة بكلية نتانيا أنه: "بينما كثر الحديث عن التهديدات الكبيرة التي تحوم فوق (إسرائيل) فإن التهديد الأكبر يتمثل بنا نحن (الإسرائيليين)، بظهور آلية تدمير الذات التي جرى إتقانها في السنوات الأخيرة، تماماً مثل أيام تدمير الهيكل الثاني، ما يستدعي منَّا وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة عدم العودة، لأن (إسرائيل) تنهار ذاتياً، صحيح أنها غنية وميسورة لكنها ممزقة ونازفة والمخاطر لا تنقضي، وبعد قليل ستعمل آلية الإبادة الذاتية المتمثلة في الكراهية المتبادلة".
أما الملف الخارجي الدولي والإقليمي: فكيان يهود لا يفكر نهائياً حالياً بأي تسوية سلمية كما يزعمون ولا بما يسمى حل الدولتين الذي ينطق به قادة العالم مع موته واقعياً وعملياً، بسبب عقلية وطبيعة يهود والتي بينها لنا رب العزة: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً﴾، فمثلاً على الملف الإقليمي يرى هذا اليمين أن الأردن هي الوطن البديل، فبالنسبة لنتنياهو لا يمكن أن يتم حلّ قضية فلسطين إلا على حساب الأردن، وهو ما يُعرف بالخيار الأردني.
أما العلاقة مع أمريكا فلن تكون جيدة نهائياً سواء الديمقراطيين أو الجمهوريين، إن كان نتتياهو سيلعب على وتر الانقسام الأمريكي بشكل كبير؛ لا بل سبق له هذا في زمن أوباما الذي تحداه في عقر داره وخطابه الشهير في الكونغرس الأمريكي وتحدي الاتفاق النووي، فعلى رأس اهتمامات الحكومة المقبلة موضوع الملف النووي بشكل كبير، وأمن يهود وضرب الفصائل وإضعاف السلطة، إلا في مجال قهر الناس، وحماية ورفض حتى لقاء رائد التنسيق الأمني وسلطة دايتون، ودفن مشروع حل الدولتين نهائياً، وحتى على مستوى الحزب الجمهوري فإن ترامب أعطى نتنياهو أكثر مما يتوقع مقابل صفقة، فما كان من يهود إلا أن أخذوا كل شيء منه ثم انقلبوا عليه وأسقطوا الحكومة بلعبة الانتخابات، فقد شن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هجوما لاذعاً على بنيامين نتنياهو، متهما إياه بـ"عدم الولاء". وأوضح ترامب أنه غضب من الطريقة التي هنأ بها نتنياهو الرئيس جو بايدن بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وأعرب عن اعتقاده بأنه أنقذ كيان يهود من "الدمار". غاضباً على نتنياهو بسبب الموضوع لدرجة أنه فكر بالإعلان عن دعم علني لخصمه في الانتخابات في ذلك الوقت بيني غانتس. وذكر كوشنر، بحسب "هآرتس" أن غضب الرئيس الأمريكي في حينه نبع من قرار نتنياهو استغلال إطلاق "صفقة القرن"، الخطة السياسية للإدارة الأمريكية، والذي أُقيم في البيت الأبيض في شهر كانون الثاني/يناير 2020، للإعلان عن نيته فرض القانون (الإسرائيلي) على المستوطنات، بصورة تتناقض مع موقف الإدارة.
وختاما نقول: إن كيان يهود يسير إلى حتفه بقدميه، بدليل هذه التحولات الداخلية وموقفها من أعقد الملفات والسير نحو الهاوية والضعف، لكن لن يتم القضاء عليها بل أقصى ما يمكنهم محاولة لجمهم وبقاء الأمور على ما هي عليه أو التهديد بتقليل الدعم، أما مسألة القضاء عليهم فهي شرف لدولة الخلافة القائمة قريبا بإذن الله لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾، وقوله ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ».
رأيك في الموضوع