ضربت السيول والفيضانات كثيراً من مدن السودان، شرق البلاد وغربها، جنوبها وشمالها، ولم ينج منها إلا القليل، وتناقلت وسائل الإعلام المحلية والدولية، المقروءة منها والمسموعة والمرئية، تلك المأساة ونقلت بعضها صور الأضرار والدمار الذي أصاب كثيراً من البنى التحتية لتلك المناطق المنكوبة فعزلتها، حيث اجتاحت السيول والأمطار أكثر من 90% من المساحات المزروعة خلال هذا الموسم الصيفي، وهناك أرقام أولية أوردتها صحيفة أخبار اليوم السودانيه بتاريخ 23 آب/أغسطس ٢٠٢٢م، قدرت حجم الخسائر في المنازل وأن ٢١٨٩٤ منزلاً، تدمرت بالكامل، و٩١٩٤٠ تدميراً جزئياً، و٨٠ حالة وفاة ومئات الإصابات. وفي تقرير للمركز القومي للأرصاد، فإن مدينة المناقل في ولاية الجزيرة بوسط السودان، تدمرت فيها عشرات الأفدنة المزروعة ومئات المرافق العامة، والمتاجر والبساتين، و٥٤ قرية وصلتها السيول، وهناك مدن أخرى تأثرت بهذه السيول والفيضانات.
لقد أصبحت آلاف الأسر تفترش المياه، وتلتحف السماء، فلا طعام ولا مياه صالحة للشرب، ولا صرف صحي، والأخطر من هذا وذاك، اختلاط هذه المياه بمخلفات التعدين في عدد من ولايات السودان.
هذا هو حال أهل السودان؛ آلاف الأسر بلا مأوى، ولا طعام ولا دواء، حتى إن أهل البلد المشهورين بالطيبة لم يجدوا ما يقدمونه للمتضررين بسبب انقطاع المناطق المنكوبة، والوضع الاقتصادي، وارتفاع الأسعار الجنوني، وضيق العيش الذي يعاني منه الجميع، ناهيك عن أن الحكومة الانتقالية لا تهتم بمعالجة آثار السيول والفيضانات ولا غيرها مما يحتاجه الناس من مأكل وتطبيب وغيرهما بسبب سوء الرعاية فلم يبق إلا البكاء والحزن على ما وقع على الناس.
وإزاء الوضع المتدهور والتفاقم المتصاعد للأوضاع، فإن أقصى ما قامت به الحكومة الانتقالية الهزيلة، أنْ شكّل عبد الفتاح البرهان لجنة عليا لدعم المتأثرين من السيول والأمطار، وذلك لأن النظام الرأسمالي الذي ابتليت به الأمة لا يلقي للرعية بالاً، فقد حول الحكام من أمراء يسوسون الناس، إلى وحوش بشرية القوي يأكل الضعيف، فأطراف النزاع على السلطة في السودان، كل فريق منهم مشغول بتلميع نفسه؛ فالمدنيون همهم كيف يوقعون العسكر في مضايقات تطيل الفترة الانتقالية، ليتمكنوا من إيجاد تأييد لهم من الشارع، والعسكر بتعدد مراكزهم (الجيش، الدعم السريع، الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام)، كل منهم يصارع لتثبيت نفسه، وهنا تنعدم الرعاية وتضيع الرعية، طالما كل فريق يعمل لصالح أسياده وداعميه الأوروبيين أو الأمريكان. وكل ما فعلته الحكومة أن تقدمت ببعض الخيام وبعض الطعام، تبرعت بها بعض دول الخليج، وهذا نفسه لا يعالج قضية السيول والفيضانات، وإنما ذر للرماد في عيون الناس، ولا هو حل للمشكلة، فهو لا يجبر لهم ضرراً، ولا يغنيهم عن مسكن تضرر، والحكومة تعلم ذلك، والجهات المانحة هي الأخرى تعلم ذلك، والمتضررون أشد علما بحالهم، فالناس في العراء، والسيول والفيضانات تزداد يوما بعد يوم والحكومة تتفرج وتكثر من العويل، مثلها مثل العامة وكأنها غير معنية بالمعالجة، رغم لجوء المتضررين إليها وهو الحق، ولكن الحكومة نفسها تلجأ للعامة وهو الأمر المستغرب!
إن هؤلاء الحكام كأنهم لم يقرؤوا سيرة القائد الأعظم محمد رسول الله ﷺ، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِيُّ ﷺ وَقَدْ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُول: «لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا» ثُمَّ قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْراً أَوْ قَالَ إِنَّهُ لَبَحْرٌ». فهو ﷺ يعلم أمته وخاصة القادة منهم كيف يكون القائد يقظاً حريصاً على أداء مهامه. وفي عام المجاعة يخاطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بطنه لما قرقرت من الجوع فيقول لها: "قرقري أو لا تقرقري والله لن تطعمي لحما حتى يطعمه فقراء المسلمين"، ويقول فيما يتعلق بأمر المسؤليات العامة: "والله لو عثرت بغلة في العراق لخفت أن يسألني الله عنها لم لم تسو لها الطريق"! هكذا هي القيادة في الإسلام.
فقد حدد الإسلام المسؤوليات العامة الواجبة على الحاكم تحديداً واضحاً لا يدع أي مجال للبس أو إبهام. فقد بين مسوؤلية الحاكم بالنسبة لعلاقته بالرعية، روى مسلم عن معقل قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ الْجَنَّةَ»، وهذه المسؤوليات العامة قد ضمن الإسلام قيام الحاكم بأعبائها ضماناً تاماً بالتوجيه والتشريع.
ففيما يتعلق بالمياه فقد أمر الإسلام بالاستفادة منها، فتقوم دولة الخلافة، استجابة لأمر الله، بتشييد السدود لتوليد الكهرباء، ومخازن لمياه الشرب، وحصد مياه الأمطار للاستخدامات المتعددة. أما في ظل الأنظمة الرأسمالية فقد أصبحت الأمطار نقمة يخاف الناس موسم هطولها، لغياب الراعي الجنة الذي يحتمون به في الشدائد والمحن.
ولكن صبراً أمة الإسلام، صبرا يا من وقع عليكم الضرر؛ صبراً فدولة الخلافة دولة الرعاية عائدة قريباً بإذن الله لتزيل عنكم كل ما تعانونه في هذه السنوات العجاف التي سادت فيها الأنظمة الرأسمالية البشعة، فتعود لكم الطمأنينة وتكونوا خلفاء الأرض بحق فتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وتأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر، فكونوا من العاملين الصادقين لإقامتها.
بقلم: الأستاذ محمد الحسن (أبو علم) – ولاية السودان – القضارف
رأيك في الموضوع