بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال: (قدم زعيم المعارضة الكينية اودينقا الاثنين: "22/8/2022" طعناً رسمياً أمام المحكمة العليا على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها منافسه ويليام روتو نائب الرئيس المنتهية ولايته وذكرت وكالة اسوشيتد بريس أن اودينقا سلم صباح اليوم أوراق الاعتراض إلى المحكمة العليا التي يتوجب عليها الرد خلال 14 يوما حسب القانون... 22/08/2022، وكالة الأناضول). وكان قد أعلن يوم 15/8/2022 عن فوز وليام روتو على خصمه أودينغا بفارق ضئيل في الانتخابات الرئاسية التي جرت في كينيا يوم 9/8/2022... وفي هذه الحملة الانتخابية بدا الرئيس السابق كينياتا معارضا لنائبه وليام روتو، ومؤيدا لخصمه زعيم المعارضة أودينغا بعدما جرت المصالحة بينهما. فهل كانت هذه لعبة من كينياتا ليظهر أنه مؤيد لخصمه أودينغا ومعارض لنائبه روتو حتى يؤمِّن فوز نائبه ضد خصمه؟ وما سر تحركات أمريكا تجاه كينيا؟ وهل هناك صراع بينها وبين بريطانيا؟
الجواب: لتوضيح الجواب على التساؤلات أعلاه نستعرض الأمور التالية:
1- إن اهتمامنا بكينيا هو باعتبارها جزءاً من منطقة القرن الأفريقي التي تعتبر منطقة إسلامية ذات أهمية استراتيجية واقتصادية، فأكثرية أهل المنطقة من المسلمين وكانت تحكم بالإسلام، وهي بلدان مرتبطة بعضها ببعض فأكثرها وقع تحت نير الاستعمار البريطاني. وكانت كينيا مرتبطة بسلطان زنجبار المسلم إلى أن وقعت تحت حكم الاستعمار البريطاني نهاية القرن التاسع عشر. ورغم نيل كينيا الاستقلال منذ نهاية عام 1963 إلا أنه شكلي، حيث تظهر تابعيتها لبريطانيا بواسطة العملاء، فتعاقب على حكمها عملاء تابعون لبريطانيا من جومو كينياتا منذ الاستقلال الشكلي حتى عام 1978 إلى دانيال أراب موي حتى عام 2002، إلى مواي كيباكي حتى عام 2013، إلى أن وصل الأمر إلى أوهورتو كينياتا ابن الرئيس الأول جومو كينياتا. وفاز مرة أخرى في انتخابات عام 2017. فبريطانيا تصنع العملاء على عين بصيرة من الآباء إلى الأبناء وعلى أيدي الحكام العملاء الذين لا يمكِّنون أحدا إلا إذا كان عميلا على شاكلتهم ومن جنس تابعيتهم وولائهم للمستعمر نفسه...
2- لقد تمكنت أمريكا من كسب عملاء من المعارضة، وخاصة أودينغا الذي تعتبر قبيلته القبيلة الثالثة في البلد، ولهذا بدأت تشهد البلاد صراعا استعماريا سياسيا يأخذ طابعا قبليا. وأحزابها تعتبر قبلية، وتنال تأييدها من أتباع قبيلتها عموما، فالانتماء القبلي هو الرابط بين أعضاء الحزب الواحد. فكلما جرت فيها انتخابات سالت فيها الدماء احتجاجا على نتائجها تعصبا لابن القبيلة. ووليام روتو الرئيس الجديد الذي أعلن عن فوزه في الانتخابات الأخيرة ينتمي إلى قبائل الكالينجين التي ينتمي إليها الرئيس السابق دانيال أراب موي، ويتفاخر روتو بأنه تتلمذ على يد هذا الرئيس السابق حيث انتمى إلى حزبه منذ عام 1992.
3- أعلن عن النتائج الرسمية بفوز روتو بهامش ضئيل حيث حصل على 50,5% بينما حصل أودينغا على 48,8% من أصوات الناخبين. ويلاحظ أن هناك انقساما في لجنة الانتخابات العليا، فقال رئيس المفوضية للانتخابات وافولا تشيبوكاتي: "لقد قطعنا الرحلة التي تضمن حصول الكينيين على انتخابات حرة ونزيهة ذات مصداقية، ولم تكن رحلة سهلة" بينما قالت نائبته جوليانا تشيريرا "لا يمكننا تبني النتائج التي سيتم الإعلان عنها بسبب الطبيعة غير الشفافة لهذه المرحلة الأخيرة من الانتخابات العامة" (بي بي سي 15/8/2022). وقد رفض أربعة من الأعضاء السبعة للجنة الانتخابية نفسها الاعتراف بهذه النتائج ما يثير الشكوك بحصول التزوير. وقد خرجت مظاهرات تحتج على النتائج. وقال أودينغا: "لتجنب الشك، أود أكرر أننا نرفض رفضا تاما ودون تحفظات النتائج الرئاسية التي أعلنها أمس السيد تشيبوكاتي" (الأناضول 16/8/2022) وقد تقدم إلى المحكمة العليا بالطعن رسميا أمام المحكمة العليا. فذكرت وكالة أسوشييتد برس الأمريكية أن "أودينغا سلم صباح اليوم (يوم 22/8/2022) أوراق الاعتراض إلى المحكمة العليا التي يتوجب عليها الرد خلال 14 يوما حسب القانون". وإذا قبلت المحكمة الطعن فستعاد الانتخابات خلال 60 يوما حسب القانون، وهذا غير مستبعد حتى يتم إسكات المعارضة لأن الفارق ضئيل جدا بين الطرفين ولأن لجنة الانتخابات منقسمة، وحتى لا تحصل أعمال عنف واضطرابات لا تحمد عقباها، فتجعل لدى المعارضة الأمل في كسب جولة الإعادة إذا تم الإعلان عن ذلك أو يتم الاتفاق على صيغة تصالحية بين الطرفين بأن تُعطى لأودينغا رئاسة الوزراء بعد استحداثها مرة أخرى!
4- فكما هو معتاد، فإن المعارضة تدّعي تزوير الانتخابات عندما تخسرها، وخاصة في كينيا عندما تكون هذه المعارضة أمريكية والفائز فيها من عملاء الإنجليز، وكذلك يحدث العكس في بلاد أخرى يسيطر عليها عملاء الأمريكان. لأن كل فريق يريد الفوز بأية طريقة ويستخدم نفوذه عندما يكون في الحكم. وقد حصل في انتخابات عام 2007 أن ادّعى كل طرف كسب الانتخابات، فبدأت الاشتباكات بين طرفي الصراع فسالت الدماء وقتل نحو 1200 شخص وشرد مئات الآلاف من مناطق سكناهم بسبب الهجمات القبلية. ولكن في هذه الحال فإن الدهاء الإنجليزي لعب دورا لوقف المعارضة، فنصب فخا بإعطاء أودينغا منصب رئيس الوزراء وبقي كيباكي رئيسا للدولة، بيده كافة الصلاحيات، ووضع عراقيل في ممارسة صلاحيات رئيس الوزراء. ولكن كينياتا الذي أعلن عن فوزه في انتخابات 2013 قام وألغى منصب رئيس الوزراء ليتفرد بالسلطة. وفي انتخابات 2017 حدث أن ادّعت المعارضة التزوير وطالبت المحكمة العليا بإعادة الانتخابات فأعيدت الانتخابات في تشرين الأول/أكتوبر 2017 وقاطعتها المعارضة وأعلن عن فوز كينياتا ونائبه وليام روتو. مع العلم أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تدخل في الأمر باعتباره من أصول كينية! ودعا إلى الهدوء وقبول نتائج الانتخابات، لأنه كان يعرف أنه لو جرت الانتخابات فسوف يفوز فيها عملاء الإنجليز مرة أخرى، لأنهم ما زالوا متحكمين في الدولة، ولهذا أراد أن تكون له منَّة على حكام كينيا حتى يصبح تأثيره عليهم أقوى وبذلك يعزز نفوذ أمريكا في كينيا ويمارس الضغوطات حتى يتمكن عملاؤها في المستقبل من الوصول إلى الحكم. ولكن بريطانيا بعملائها تراوغ في كل مرة حتى تحافظ على نفوذها المهدد في كينيا، فتحايل عميلها كينياتا كأنه يوادّ عميل أمريكا أودينغا وجعلت عميلها روتو يفوز.
5- إنها المرة الخامسة التي يعلن رايلا أودينغا عن ترشحه للانتخابات الرئاسية ويخوضها ويخسر فيها. وقد رشح نفسه سابقا أربع مرات عام 1997 و2007 و2013 و2017 ولكن عملاء الإنجليز المسيطرين على الساحة السياسية في كينيا لم يمكنوه من الفوز. وكان يأمل أن يخلف أوهورو كينياتا التي انتهت فترتاه الرئاسيتان ولا يمكنه الترشح لولاية ثالثة بناء على الدستور. وقد قام أودينغا وصالح كينياتا بعدما صافحه في 9 آذار 2018 بعد أشهر من الصدامات الدامية بين أنصارهما وعدم اعترافه بفوز كينياتا وإعلان نفسه رئيسا لكينيا وبهذه المصافحة أعلنا عن نهاية الانقسامات بينهما والاعتراف برئاسة كينياتا. وقد أثنى أودينغا على كينياتا لما "يتمتع به من شعور بالوطنية في بدء الحوار الذي أدى إلى المصافحة". وظن البعض أنهما قد توصلا إلى صفقة اتفاق ينص على أن يخلف أودينغا كينياتا أو أن أودينغا تحول لعمالة الإنجليز! ولكن كينياتا وعملاء الإنجليز لم ينخدعوا بهذه المصالحة، بل سخروها لحسابهم. لقد لعب كينياتا لعبة أثناء الحملة الانتخابية بأن أظهر أنه يؤيد أودينغا قائلا "إن روتو لا يستحق تولي أرفع منصب في البلاد ولا ينبغي توليه" فرد روتو قائلا: "إن كنياتا يريد أن يخلفه أودينغا لأنه يرغب في رئيس دمية" (بي سي سي 16/8/2022)
6- ومن المعلوم أن حزب روتو اندمج مع حزب كينياتا عندما اتفقا عام 2012. ومن ثم توسع حزبهما الحزب الحاكم حزب اليوبيل ليتشكل من اندماج 11 حزبا في 8/9/2016 ليخوض انتخابات عام 2017 وترأسه كينياتا بعدما كان تحالفا سياسيا عام 2013 لدعم كينياتا في حملته الانتخابية. وروتو كان حليفا ونائبا له في الفترتين، وكان من مؤيدي عميل الإنجليز العريق الرئيس السابق دانيال أراب موي وكان يحشد الشباب من أجل تأييده، فنال رضاه وبدأ بترفيعه في مناصب حكومية. وقد شغل مناصب وزارية كوزير الداخلية ووزير الزراعة ووزير التعليم العالي. واتهمته الجنائية الدولية مع كينياتا بارتكاب جرائم عامي 2007 و2008 وقد برأتهما المحكمة التي تتحكم فيها أوروبا، فبرأت كينياتا عام 2014 وبرأت روتو عام 2016 ليخوضا معا انتخابات عام 2017 ويعلنا فوزهما فيها، كينياتا رئيسا وروتو نائبا له. ولهذا فإن روتو من عملاء الإنجليز العريقين فلا يظن أنه سيُستغنى عنه بهذه السهولة ويستبدل به أودينغا عميل أمريكا وفق ذلك الاتفاق إلا أن تكون خديعة مدبرة من دهاء الإنجليز!
7- قام كينياتا بزيارة لبريطانيا ما بين يومي 26-29/7/2021 واجتمع مع رئيس وزرائها جونسون وأعلن عن أن هدف الزيارة "تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين كينيا وبريطانيا" ووقع الطرفان اتفاقية تعاون دفاعي جديدة لمدة خمس سنوات. وأعلن عن أن الاتفاقية تهدف "إلى تعزيز وتقوية التعاون بين البلدين في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة في شرق أفريقيا" (بي بي سي البريطانية). ولم تفعل بريطانيا كما فعلت أمريكا وأثارت موضوع وثائق باندورا وقضايا حقوق الإنسان وقضايا الفساد عند زيارة كينياتا لها، لم تفعل ذلك بسبب ولائه وتابعيته لها! علما أن لبريطانيا قاعدتين عسكريتين في كينيا بموجب اتفاقية بين البلدين، إحداهما قريبة من نيروبي العاصمة الكينية، ومهمتها المساعدة في استقرار الحكم في كينيا لصالح النفوذ البريطاني والتحرك منها إلى مناطق أخرى لحماية هذا النفوذ، والأخرى في شمال كينيا ومهمتها تدريب القوات البريطانية التي تعد لتحارب في مناطق صحراوية وشبه صحراوية. وتتدرب القوات البريطانية في مساحة أراض تساوي أربعة أضعاف ما يستخدمه الجيش البريطاني في بلده بأسلحة وذخيرة حية تحاكي حالة حرب حقيقية. وقد ذكرت تقارير إعلامية أن القوات البريطانية التي قاتلت في أفغانستان كانت قد تدربت في هذه القاعدة بكينيا. ولهذا تولي أمريكا أهمية أخرى لكينيا لوجود هذه القواعد الإنجليزية، حيث تعمل على تصفيتها من هناك.
8- ويبدو أن بريطانيا خلال زيارة كينياتا لهم قد طلبوا منه أن يرتب زيارة إلى أمريكا لإظهار التودد معهم وتأكيد المصالحة مع أودينغا حتى لا تقوم أمريكا مستقبلاً بأعمال (تشويش) للانتخابات القادمة، ولذلك كان التخطيط لزيارة أمريكا، وهكذا كانت تلك الزيارة بعد نحو شهرين من زيارته لبريطانيا، واستقبل الرئيس الأمريكي بايدن الرئيس الكيني أوهورو كينياتا يوم 14/10/2021 وهو أول رئيس أفريقي يستقبله الرئيس الأمريكي. وقد ذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي أن الرئيسين سيناقشان العلاقات الثنائية الصلبة وكذلك "الحاجة إلى الشفافية والمحاسبة في الأنظمة المالية المحلية والدولية" وقد ورد اسم كينياتا في "وثائق باندورا" التحقيق الذي أجراه الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين وجاء فيه أن كينياتا الذي يؤكد عزمه على محاربة الفساد يملك بشكل سري مع ستة أفراد من عائلته شبكة مؤلفة من 11 شركة أوفشور إحداها تملك أسهما تقدر قيمتها بثلاثين مليون دولار. وردا على هذه المعلومات أضافت ساكي قائلة "إن الرئيس لطالما ندد بالتفاوتات (بالتجاوزات) في النظام المالي الدولي. وهذا لا يعني أننا لن نلتقي الأشخاص الذين نختلف معهم. هناك عدد من المواضيع التي لدينا مصلحة في العمل عليها مع كينيا وهذا سيكون الهدف الرئيسي (للاجتماع بين الرئيسين). وإن الرئيسين سيناقشان جهود الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ودفع السلم والأمن قدما وتسريع النمو الاقتصادي والتعامل مع تغير المناخ" (فرانس برس 14/10/2021). فحاولت أمريكا استعمال أوراق الضغط على كينياتا حتى يعلن تأييده لمرشحها أودينغا، وقد قام بذلك فظهر أنه مؤيد لأودينغا، ولكن هذا التأييد لم يكن جادا، وإنما نفاقا حتى يغطي على فضائحه فلا تقوم أمريكا بإثارتها والتشهير به، فكان من الصعب أن يترشح لولاية ثالثة وقد لوحت أمريكا بمعارضتها لمثل ذلك... وقد قام وزير خارجية أمريكا بلينكن يوم 17/11/2021 بزيارة لكينيا ضمن جولة أفريقية له شملت أيضا نيجيريا والسنغال استمرت أسبوعا. وقال وهو في العاصمة النيجيرية: "إن الحكومات أصبحت أقل شفافية. وإن هذا يحدث في جميع أنحاء أفريقيا يتجاهل القادة حدود الولاية، ويزورون أو يؤجلون الانتخابات، ويستغلون المظالم الاجتماعية لكسب السلطة والحفاظ عليها، واعتقال شخصيات المعارضة وقمع وسائل الإعلام والسماح للأجهزة الأمنية بفرض قيود الوباء (كورونا) بوحشية" (الشرق الأوسط 21/11/2021).
والحال كذلك، كانت قواعد حزب كينياتا تعمل على حشد التأييد لروتو، وذلك باتفاق داخلي في الحزب بين العملاء الذين يدركون اللعبة فانتخبوا روتو رغم تظاهرهم بمعارضته.
9- إن كثيرا من الدول الأفريقية الواقعة تحت النفوذ الأوروبي ومنها كينيا والسنغال تعمل على التقوي بالصين في مواجهة أمريكا التي تعمل على بسط النفوذ فيها. فالسنغال الواقعة تحت النفوذ الفرنسي تعزز علاقاتها مع الصين. فاستضافت منتدى التعاون الصيني الأفريقي في عاصمتها دكار ما بين يومي 29 و30/11/2021 وقالت وزيرة خارجية السنغال أيساتا تال سال "لدينا دبلوماسية سيادية لا نستبعد منها أحدا" بينما يبقى نفوذ أمريكا في أفريقيا محدودا مقابل النفوذ البريطاني والفرنسي فتعمل على تعزيزه بمختلف الوسائل وتعمل على منافسة النفوذ الصيني الاقتصادي الذي تتقوى به بريطانيا وفرنسا لتحصين عملائها في أفريقيا. ومؤخرا قام عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي بزيارة لكينيا يوم 6/1/2022، واجتمع مع الرئيس كينياتا الذي قال: "إن الصين ليست فقط صديقة مخلصة لكينيا ولكنها أيضا شريكة تنموية للتعاون الوثيق... وإن إنجازات التنمية في كينيا لم تكن لتتحقق بدون الدعم القوي من جانب الصين... وإن كينيا على استعداد لمواصلة تعميق التعاون متبادل المنفعة مع الصين لتحقيق التنمية المشتركة" بينما قال وزير خارجية الصين وانغ يي "ترغب الصين في تعزيز التعاون الشامل مع كينيا لمساعدتها على تعزيز قدرات التنمية الذاتية وتسريع التصنيع وتعزيز التضامن والتنسيق معها في الشؤون الدولية ومتعددة الأطراف" وقدم وانغ "مبادرة التنمية السلمية في القرن الأفريقي" وقال كينياتا "المبادرة تلبي الحاجات الملحة لدول القرن الأفريقي وإن كينيا توافق على لعب دور في هذا الصدد" (شينخوا 6/1/2022). وهذا كله يزعج أمريكا التي تعمل على ضرب النفوذ الأوروبي في أفريقيا كما تعمل على الحد من قوة الصين المتنامية.
10- والخلاصة أن النفوذ البريطاني ما زال قويا في كينيا وأغلب اللاعبين السياسيين من عملائها، وتوحدهم عندما تدعو الحاجة كما تفرقهم عندما يستدعي الأمر ذلك. فإذا كان لا بد من الاتفاق بين عملائها وعملاء أمريكا ومن ثم تتقاسم معهم السلطة مع إمساكها بزمام الأمور فإنها تفعل وتوعز إلى عملائها ليقوموا بالمصالحة ويعقدوا اتفاقا بهذا الشأن. وإذا تمكنت من تثبيت عميلها روتو في الحكم وتمكنت من إسكات المعارضة فعندئذ لا توعز إلى عميلها بفعل ذلك، فهم رهن إشارتها وطلاب سلطة لا غير على شاكلة عملاء أمريكا. وهذا دأب العملاء في كل بلد. وأما أمريكا فسوف لا تترك الساحة وستعمل على تعزيز نفوذها في كينيا، ولا يهمها إسالة الدماء والفوضى والاضطرابات فيها وفي غيرها من البلدان الأفريقية، وهي تعمل بمختلف الوسائل والأساليب، سواء أكانت اقتصادية أم سياسية أم على المستوى الأمني والعسكري، فتعمل على كسب العملاء في هذين القطاعين تحت مسمى الاستثمار الأمني والمساعدة في تدريب الجيش والقوى الأمنية، ومن ثم تعمل على طبخ الانقلابات كما فعلت في مالي أو تثير التمردات كما فعلت في تشاد وأدى التمرد لقتل عميل فرنسا إدريس ديبي.
وهكذا تبقى هذه البلاد، وأكثرها بلاد إسلامية، ساحة للصراع الدولي، وخاصة بين أمريكا وبريطانيا وفرنسا. ولا أمل لهذه البلاد في التخلص من هذا الصراع الاستعماري الذي يجعلها متخلفة وهي من أغنى البلاد بالثروات، إلا بعودة الخلافة على منهاج النبوة. وقد بشر رسول الله ﷺ بقيامها قائلا: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» أخرجه أحمد.
أول صفر الخير 1444هـ
28/8/2022م
رأيك في الموضوع