بدأ الملك عبد الله الثاني زيارته الرسمية للولايات المتحدة بلقاءات منفردة مع الدوائر العسكرية الأمريكية، كان من بينهم رئيس أركان القوات المركزية ورئيس أركان القوات الخاصة في الجيش الأمريكي، وجرى خلال اللقاءين المنفصلين، بحث التعاون بين الأردن وأمريكا في المجالات العسكرية والدفاعية، و(الحرب على الإرهاب).
وفيما بعد انضم ولي العهد الأردني الحسين بن عبد الله لمباحثات الملك مع لجنة العلاقات الخارجية ولجنة المخصصات في مجلس الشيوخ، كما التقى مع رئيس وأعضاء لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ، وتلاها لقاء مع رئيس وأعضاء لجنة الخدمات العسكرية بمجلس النواب الأمريكي، بالإضافة إلى رئيسة مجلس النواب ووزير الدفاع ومستشار الأمن القومي.
ويلاحظ أن هذه الاجتماعات أخذت طابع المباحثات العسكرية ابتداءً، ما ينبئ بوجود اتفاقيات استراتيجية عسكرية ومطالب جديدة تتخذ طابع السرية كونها جرت مع الملك على انفراد، تتعلق بما يسمى بالحرب على (الإرهاب)، وخدمات عسكرية يقدمها الأردن في المناطق المجاورة كطليعة لدعم أعمال عسكرية أمريكية، حيث تم الحديث عن احتمالية إخلاء روسي من جنوب سوريا في خضم انشغالها بحربها مع أوكرانيا، وملء الفراغ بقوات إيرانية مع حزبها اللبناني لا يرضى عنه كيان يهود، تحدث عنها الملك في مقابلته مع الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر ضمن البرنامج العسكري المتخصص لمعهد هوفر، وتحدث الإعلام في إشارة بعد لقاء السفير الأمريكي هنري ووستر مع قناة المملكة قبل أيام عن توسعة قاعدة أمريكية في الصحراء الأردنية، ما يشير إلى أن الأردن كله أصبح قاعدة عسكرية أمريكية، لمزيد من أعداد القوات الأمريكية في الأردن.
وتأتي زيارة الملك عبد الله لأمريكا في خضم أزمات متتالية يشعر بها بتهديد استقرار حكمه، منها ما يهدد خيط اتصاله الضعيف بالقضية الفلسطينية أي الوصاية على المقدسات في القدس، وتهديد كيان يهود بتقويض هذه الوصاية، والسماح للمستوطنين بالاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، والتلويح بمشاركة أطراف عربية وإسلامية هذه الوصاية، وما يشير اصطحابه لابنه في لقاء البيت الأبيض في محاولة للحصول على موافقة أمريكية تتعلق بضمان الحكم لابنه من بعده أو حتى بوجوده، على ضوء استمرار الاستفزازات التي يقوم بها الأمير حمزة كبديل للحكم.
فكانت زيارة الملك عبد الله لأمريكا بطلب منه بذل فيها جهداً، وإن لاقت قبولا أمريكياً وفرصة لابتزازات جديدة، وهو يبحث عن استقرار واستمرار لنظام حكمه من الإدارة الأمريكية بأركانها، والذي تطلب منه تقديم تنازلات والتعهد بتنفيذ مطالب أمريكية جرت أثناء لقاءاته مع المسؤولين الأمريكيين.
وتم لقاؤه مع الرئيس الأمريكي في إعلان متأخر وفي اليوم الأخير لزيارته بتاريخ 13/5/2022، فيما يبدو بانتظار خضوعه للإملاءات الأمريكية الجديدة، والذي أكد فيه الرئيس الأمريكي على دور الأردن كشريك استراتيجي والعلاقات القوية بين البلدين، كما أشاد بايدن بـ"الدور الحاسم للأردن كوصي على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس"، ولا يبدو أنه حصل على أية ضمانة تتعلق بولاية العهد للأمير حسين، ولكن ربما ضوء أخضر في معالجة مناهضة الأمير حمزة لحكمه واستقراره، ما حدا بالملك لاتخاذ قرار بالموافقة على قرار ما يسمى بمجلس العائلة بالإقامة الجبرية عليه مع ضمان المحافظة على عائلته.
وقد ألقت المقابلة التي أجراها الملك مع مستشار الأمن القومي للرئيس السابق ترامب، هربرت مكماستر، لدى معهد هوفر، تم بثها بعد أيام من انتهاء الزيارة، ألقت بعض الضوء على مكنونات وخفايا زيارته، والتي بدت في أغلبها أجوبة لمطالب أمريكية واستجابته لها، والتعهد بالاستمرار في رعاية المصالح الأمريكية الأمنية والعسكرية في المنطقة، مقابل الاطئمنان باستقرار نظام حكمه الشخصي، دون التعهد بأي شيء لما بعده. فقد أكد في المقابلة دور "التحالف الدولي" بقيادة واشنطن لمحاربة تنظيم الدولة، مشدّداً على ضرورة ملاحقة التنظيم في أفريقيا، واعتبار وجود إيران في الجنوب السوري "تحدّياً أمنياً منتظماً"، كما عبر الملك عن اعتزازه بالعلاقة الأردنية الأمريكية القديمة، وأنها علاقة مؤسسية ليست مع الإدارات المتعاقبة فحسب، بل ومع الجيش والكونغرس، وهي رسالة إذعان بالاستجابة للمطالب الأمريكية، مع تلميح حول دوره بالاهتمام بالقضية الفلسطينية وتأكيداته للأمريكيين بأن تجاهل الشرق الأوسط "سيعود عليكم بمخاطر أكبر إذا لم تكونوا حريصين".
وكان من بين المواضيع التي تم بحثها في لقاءات الملك، مذكرة التفاهم حول مخصصات الدعم التي يطالب بها الأردن، حيث تنتهي سابقتها هذا العام، أوضحها السفير الأمريكي في الأردن في مقابلته مع فضائية المملكة قبل أسبوع، عندما قال بأن حجم المساعدات لا يزال يخضع للمفاوضات، وأن المبلغ الأساسي للمساعدات السنوية هو 1.45 مليار دولار وقال بأنها مرتبطة بهيكل معين في إصلاحات محددة، ربما في إشارة لمطالب أردنية بزيادة حجم المساعدة السنوية إلى مليارين، على اعتبار أن وجود حوالي 14 قاعدة عسكرية في الأردن، واستباحة الأردن كله كقاعدة لا شيء يذكر مقابل هذه المساعدات، مقارنة مع مئات المليارات التي كانت تنفقها أمريكا في حروبها المباشرة في العراق وأفغانستان، وفي هذا الصدد ربما تلميح حول مراقبة أمريكا ومدى قبولها بالإصلاحات الأخيرة التي أجريت في الأردن سواء السياسية أو الاقتصادية ومدى جديتها، كشرط يضع النظام دائماً تحت التوتر.
يتضح من هذه الزيارة أن أمريكا ما زالت تتربص بالنظام الأردني رغم الخدمات والتنازلات التي يقدمها لها من ناحية عسكرية أمنية ورغم اتفاقية الدفاع المشترك العسكرية مع أمريكا العام الماضي، فهي لا تزال تطالب النظام بخدمات وهي تعلم مدى حاجته لنيل رضاها في دعم حكمه واستقراره رغم ولائه السياسي لبريطانيا، فتغض الطرف عنه لبرهة لتعود لزعزعة استقراره، فهي على مدى السنوات الماضية عملت وما زالت على هز أركان حكمه التقليدية، يشير إليها اضطراره لهيكلة الجيش والمخابرات، وأفول رجال الدولة المسنين الداعمين له بفقدانهم لشعبيتهم وفسادهم، وتفتيت ولاءات العشائر والمناطق التي تغلغلت السفارة الأمريكية فيها بالاتصال بهم وبغيرهم وكسب ولاءات بعضهم من خلال زياراتهم على مدى العقدين الماضيين، أو حتى اختراق العائلة الهاشمية نفسها بما يسمى بأزمة الفتنة.
لن ينتهي هذا الصراع الدولي على الأردن وتقاسم القوى الغربية الاستعمارية مقدراته وثرواته الذي بدأ منذ ما يسمى بالاستقلال الشكلي الذي سلخ الأردن عن محيطه، لن ينتهي إلا بعودته جزءا من دولة الخلافة الراشدة التي تعز الإسلام والمسلمين، وتطرد نفوذ الغرب وأعوانه.
بقلم: د. أحمد شاكر
رأيك في الموضوع