أطلق رئيس مجلس السيادة في السودان، الفريق عبد الفتاح البرهان الدعوة لحوار وطني يجمع جميع الأطراف السياسية عدا المؤتمر الوطني، وقد أكد في دعوته بأن السودان يمر بمرحلة تقتضي الحوار والتنازل من أجل الوطن، فما حقيقة هذه الدعوة؟ وما هي الأهداف التي ترمي إليها؟ وهل الحوار يفضي لحلول سياسية لمشاكل البلاد؟ وهل لهذه الدعوة علاقة بالصراع الدولي على السودان؟
فبعد فشل مبادرات عديدة ومنها المبادرة الأممية الشهيرة بقيادة فولكر، تأتي هذه الدعوة في ظل تصاعد المظاهرات المناهضة للانقلاب، وفشل العسكر في إيجاد استقرار سياسي وإخماد الحراك، والأحزاب المناهضة للانقلاب أصبحت في نظر الناس والأوساط الدولية قتلة مرفوضة من الشعب. وقد أدانت أمريكا شرطة الاحتياطي المركزي في السودان، في طريقة تعاملها مع المسيرات، ووصفتها بأنها تستخدم القوة المفرطة، فعقب كل مسيرة يسقط قتيل أو أكثر، وكثير من الجرحى، لذلك تأتي هذه الدعوة لتلميع صورة العسكر لدى الأوساط السياسية والشعبية والدولية حتى يتم قبولهم، ويتناسى الناس تلك الجرائم التي ارتكبت في حق أهل السودان، وقد أكد البرهان بأنه على استعداد لرفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. فقد أوردت صحف الخرطوم الصادرة في 23/4/2022م، أنه تم إطلاق سراح 25 من لجان المقاومة من سجن سوبا.
وقد أبدت بعض الأوساط السياسية الترحيب بالمبادرة، ووضعت بعض الأحزاب شروطاً للانخراط في عملية الحوار الوطني. هذه الدعوة ليست جديدة في السودان، أو في البلاد الإسلامية التي تعاني صراعات دولية غير محسومة لصالح طرف من الأطراف المتصارعة، فعند كل أزمة سياسية يتعرض لها الحزب الحاكم أو الفئة الحاكمة سواء من الشارع أو من الدول الكبرى تطلق مثل هذه الدعوات للحوار، فيأتي كل طرف بأجندته التي وضعها بعناية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية التي تمكنه من الانفراد بالسلطة، أو الإطاحة بخصومه، أو احتوائهم وإشراكهم في المناصب، أو إعطائهم جزءا من السلطة، لذلك لا تخرج دعوة البرهان هذه عن تلك الأجندات، ليمهد الطريق للحصول على تأييد شعبي، وقبول سياسي دولي وداخلي، ومن ثم تكون الحكومة في السودان مقبولة دولياً، ومسنودة سياسياً وشعبياً، فيعود السودان للمجتمع الدولي، وفك عضوية السودان المجمدة لدى الاتحاد الأفريقي، وكل ذلك بإيعاز من أمريكا لتمكين عملائها في الحكم، وقطع الطريق أمام عملاء أوروبا من المدنيين حتى لا يجدوا موطئ قدم لهم في السلطة والحكم في السودان، لأن أمريكا لا تملك رصيداً من السياسيين الموالين لها، فلم تتمكن حتى الآن من إيجاد رئيس لمجلس الوزراء عقب استقالة حمدوك.
أما أوروبا فهي لا تملك رصيداً في الجيش لإسناد عملائها من المدنيين، فأوروبا تحتاج لقوة تسند المدنيين الموالين لها، لكن غباء عملائها جعلهم يناصبون العسكر العداء بدل استمالتهم. فمن المستبعد أن تنجح دعوة البرهان للحوار الوطني لأن أطراف الحوار تتجاذبهم قوى دولية، وتدخّل صريح من سفارات أمريكا وبريطانيا وفرنسا، أضف إلى ذلك انعدام القاسم المشترك بين أطراف الحوار، أو المسلَّمات لدى المتحاورين التي يمكن الرجوع إليها، فهذا الحوار لمصلحة الأطراف الدولية وليس هو لمصلحة البلاد، فلا مخرج من مشاكلها السياسية والاقتصادية، إلا بتبني فكرة سياسية معينة للحكم، فالمتحاورون الآن ما إن يتفقون على وثيقة معينة ويتم التوقيع عليها، حتى يتم نقضها، قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به، حيث يقوم كل طرف متى شعر بالقوة بالانقضاض على الاتفاق، وما الوثيقة الدستورية التي تم التوقيع عليها بين العسكر والمدنيين عنا ببعيدة، فعندما شعرت أمريكا بأن السلطة سوف تفلت من يد عملائها بتسليم المجلس السيادي للمدنيين، أوعزت لعميلها البرهان للقيام بانقلاب ووضع المدنيين في المعتقلات، ووصفهم بأبشع الأوصاف، وظنت أمريكا بهذه الخطوة أنها تستطيع إيجاد استقرار سياسي لها في السودان.
لكن رغم كل المحاولات التي قام بها المبعوث الأمريكي، والسفارة الأمريكية، والوفود الأمريكية، ولم يبق إلا أن يحضر الرئيس بايدن بنفسه إلى السودان، رغم هذه التدخلات، لا تزال الأزمة السياسية تتفاقم.
وللخروج من هذه الأزمات لا بد أن يتحقق الآتي:
1- أن يحذر قادة الجيش والمدنيين والأوساط السياسية من الأفراد والأحزاب الذين يسعون إلى السلطة، الوقوع في أحضان الدول المستعمرة، وعدم الجلوس مع المبعوثين، ومقاطعة السفارات وبخاصة البريطانية والفرنسية والأمريكية، وقطع كل الحبال معهم وعدم مناقشتهم في شئون السودان.
2- نبذ وطرح كل الأفكار الغربية المتعلقة بالحياة والدولة والمجتمع من جانب تلك الأحزاب والجماعات التي تسعى للحكم، وهي أفكار الحريات والمدنية والديمقراطية والتحرير الاقتصادي، فلا بد من رفض جميع الأفكار المبنية على العقيدة الرأسمالية أو غيرها من العقائد الوضعية.
3- تبني الإسلام وحده، فهو غني بالأفكار المتعلقة بالحكم والسياسة والاقتصاد والمجتمع وغيرها، والدعوة لهذه الأفكار، مثل الخلافة بوصفها نظاماً للحكم تكون السيادة فيها للشرع وليس للشعب، ويتم نصب خليفة واحد للأمة لتعطيه البيعة لتنفيد الإسلام وحمله للعالم بالدعوة والجهاد، وبالتالي تتم تنقية الوسط السياسي من أي فكرة غير مبنية على الإسلام العظيم، ويحرم الدعوة لها.
4- إذا حدث أي نزاع على الحكم والسلطة، فيجب حله بالفكرة فحسب وليس بالنزاع المسلح بين الفئات المتصارعة، ويجب رد الأمر إلى الله ورسوله، قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾.
وبهذا يحصل الاستقرار السياسي في بلاد المسلمين، والدعوة تكون دعوة حق لتمكين الإسلام وأحكامه، وليس لتمكين نفوذ الكفار المستعمرين، وهذا لا يتحقق إلا بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي هي وعد ربنا سبحانه وبشرى نبينا ﷺ.
بقلم: الدكتور أحمد عبد الفضيل – ولاية السودان
رأيك في الموضوع