تحدثنا في المقالة السابقة عن النقطة الأولى في فشل محاولات الغرب لاحتواء المد الإسلامي، والسيطرة على ارتقائه وانتشاره بقوة في أوساط الجماهير.
وفي هذه المقالة سنتحدث عن النقطة الثانية وهي: محاولاته في إشراك جماعات إسلامية معينة في الحكومات العميلة، ضمن مواصفات ومقاسات وشروط معينة؛ لأهداف وغايات ماكرة.
إنه وبالرغم من نجاح الغرب في إشراك بعض الجماعات الإسلامية في الحكومات العميلة، إلا أنه لم يحقق الغاية المرجوة من هذا العمل؛ ألا وهي إيقاف المد الإسلامي الارتقائي التصاعدي في جماهير الأمة نحو التغيير الجذري الشامل على أساس الإسلام، بل على العكس كانت النتيجة على خلاف ما أراد، فأصبحت الجماهير أكثر وعياً على ألاعيبه وشِراكه ومكره.
لقد بذل الغرب جهودا جبارة وأنفق الأموال الطائلة، وسخّر الطاقات والبرامج من أجل إشراك بعض الجماعات الإسلامية في الحكم، وهذه المحاولات، وإن أثمرت في جوانب معينة إلا أنها فشلت فشلا ذريعاً في تحقيق غايتها المرجوة. وسوف نتحدث بإيجاز عن خمسة نماذج؛ وذلك في مصر والسودان وتونس والمغرب والأردن، وعن النتائج التي ترتبت على هذه المحاولات الفاشلة.
ففي مصر الكنانة بذل الغرب جهودا متواصلة على مدى ستين عاما؛ منذ بداية أربعينات القرن الماضي حتى بداية القرن الواحد والعشرين؛ عن طريق عملائهم لإشراك المسلمين في الحكم عن طريق البرلمان، وعن طريق تسليمهم الرئاسة بعد الفوز في الانتخابات، ضمن قيود وشروط وضعها قادة الجيش، كما حصل سنة 2012. وفي السودان حدث الشيء نفسه تقريبا في مشاركة بعض المسلمين في البرلمان، أو الوزارة خلال فترات متقطعة. وفي تونس قام عملاء الغرب من حكام تونس بإشراك حركة النهضة بعد الثورة في البرلمانات والحكومات مرات عدة منذ سنة 2011 إلى سنة 2021؛ أي إلى آخر برلمان، الذي حله قيس سعيد وجمده، ورفع الحصانة الدبلوماسية عن أعضائه. أما في المغرب فإن مشاركة بعض الجماعات الإسلامية في البرلمان استمرت منذ أواخر التسعينات، وتصدر حزب العدالة والتنمية انتخابات سنة 2011 أي في بداية الثورات بالفوز بالأغلبية إلا أن هذا الحزب مُني بالفشل في انتخابات سنة 2021. وفي الأردن سمح الملك حسين لبعض المسلمين بالمشاركة في البرلمان؛ خاصة وسط الضغوطات الاقتصادية والسياسية المستمرة على الأردن داخليا وخارجيا؛ وخاصة في الفترة التي شهد فيه الأردن توقيع معاهدة وادي عربة مع كيان يهود.
إلا أنه رغم تعدد الأحوال والأحداث التي شهدتها مشاركات المسلمين في هذه الحكومات في دول عدة، ورغم تنوع المؤامرات عليها، وتعدد أساليب تلك المؤامرات إلا أن هذه المؤامرات تشترك في أهداف معينة وهي:
1- العمل على احتواء المدّ الإسلامي المتصاعد عبر جماهير المسلمين، وخاصة الفترة التي أعقبت طرد الاستعمار العسكري من كافة بلاد المسلمين، وكذلك المرحلة التي أعقبت الثورات الحديثة ضد عملاء الاستعمار من الحكام، ومحاولات طردهم.
2- الاجتهاد في مشاركة الأحزاب الإسلامية للفساد الذي يقترفه الحكام، ويمارسونه على الناس بكافة أشكاله وصوره.
3- العمل على ضرب العمل الإسلامي السياسي المستقل، الساعي لخلع كافة أشكال الفساد من الحكام والأوساط السياسية السائرة معه.
4- التغطية على جرائمه المتعددة ضد أبناء شعبه، وعلى فشله السياسي والعسكري والاقتصادي وعلى هزائمه أمام يهود بشكل خاص.
5- محاولة حرف الفكر الإسلامي النضالي ضد الاستعمار وعملائه، واستبدال فكر التعايش والترويض به، وقبول الآخرين وعدم معاداتهم.
لقد مرت محاولات الاستعمار وعملائه من الحكام في مراحل متعددة؛ في محاولاتهم ترويض بعض الأحزاب الإسلامية. وهذه المراحل من المكر والتخطيط المقصود قد مرت في ثلاثة مراحل تقريبا وهي:
1- مرحلة ما بعد الثورات ضد قوى الاستعمار العسكري، وطرده من بلاد المسلمين في أوائل القرن الماضي وأواسطه.
2- مرحلة الانتكاسات العسكرية والفشل أمام كيان يهود خاصة بعد اغتصاب مسرى رسول الله ﷺ وأرضه المباركة.
3- مرحلة ما بعد الثورات الحديثة بعد سنة 2010 حتى يومنا هذا.
لقد نجح الاستعمار وعملاؤه إلى حد ما في الأهداف التي رسمها عبر المراحل الثلاث، لكن هذا النجاح كان جزئيا لم يتعد تلك الجماعات، وبعض الموالين لها، وليس جميع الموالين، ولم يلق قبولا عند جماهير الناس وأوساطهم السياسية المتعددة. وتسبب ذلك برفض شعبي عارم لتلك المشاركات بعد ظهور أهدافها عند عامة الناس، لذلك أحجم معظم الناس عن المشاركة في الانتخابات في الفترة الأخيرة خاصة في المغرب وتونس.
لقد حاول بعض عملاء الحكام تفسير الفشل الذي مني به حزب العدالة والتنمية في المغرب، والانحدار الذي لاقته حركة النهضة في تونس؛ تفسيرا خاطئا فقالوا إن العمل الإسلامي مني بهزيمة في أوساط الجماهير. وهذا كلام مسموم وخاطئ في الوقت نفسه، الهدف منه بث الإحباط، وإيهامهم بأن الأحزاب العلمانية ترتقي ويتصاعد تأييدها الجماهيري! والحقيقة أن إخفاق بعض الجماعات الإسلامية في البرلمانات، أو الحكومات هو مؤشر على وعي المسلمين بأن البرلمانات لا توصل إلا إلى كرسي معوجة قوائمه، لا طائل من امتطائه.
إن الرأي العام للإسلام ما زال موجودا عند عامة الناس في كل بلاد الإسلام، وإنه قد ازداد وعيا على ألاعيب الاستعمار والحكام، وأصبح الفهم السليم للإسلام يزداد كل يوم، وهذا مؤشر خير في الأمة، وما إخفاقات بعض الأحزاب الإسلامية في النجاح في الانتخابات إلا دليل على إحجام الناس عنها لأنها جزء من منظومة الفساد التي أرادها الحكام.
إننا نعيش بالفعل هذه الأيام مرحلة التأييد الجماهيري المقترن بالوعي المتزايد، وفي هذا مؤشر جيد على قرب انتزاع المسلمين حقهم من المتسلطين على رقابهم، وعدم رضاهم سواء بالبرلمانات أو الوزارات أو المشاركات. فالرأي العام الإسلامي يتنامى في طريق النهضة الصحيحة؛ على أساس فكري واعٍ وإن كل ألاعيب الاستعمار وعملائه قد فشلت فشلا ذريعا في حرف مسار الأمة، وإن جهوده وأمواله أصبحت بالفعل عليه حسرة، وإن السنوات القادمة هي سنوات خلع كل هؤلاء الرويبضات، وإعادة الحكم بما أنزل الله. فنسأله تعالى أن يكون ذلك قريبا.
رأيك في الموضوع