يشهد السودان منذ مجيء الحكومة الانتقالية صراعاً وتراشقاً بين المكونين المدني والعسكري، وصل ذروته مؤخراً، ففي يوم الأحد 26/9/2021م علقت جميع الاجتماعات بين المكونين عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة التي أبرزت الصراع، وكشفت حقيقة عدم الانسجام بينهما، هذا الانقلاب قصد منه جس نبض الشارع، إلى أي مدى سيقبل بحكم العسكر، خاصة وأن الأوضاع الأمنية هشة والأوضاع الاقتصادية متردية، والأقاليم في شرق السودان وشماله تتمرد على الدولة، وأصبح الناس كل يوم يمسون بمصيبة ويصبحون على أخرى! ففي ظل هذه الأوضاع وقبيل انتهاء فترة رئاسة العسكر للمجلس السيادي، التي نصت عليها الوثيقة الدستورية، حيث وصلت الصراعات بين المكونين مرحلة حرجة سماها البعض مرحلة كسر العظم، شعر العسكر بخطورة الملاسنات بينهما، فجدد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان تأكيده على أن القوات المسلحة هي الوصية على الشعب، وقال إنها تحرس الوطن، وقال خلال مخاطبته افتتاح قسم بمركز القلب بالخرطوم: "لن نسمح بأن تقود البلاد قوى صغيرة اختطفت الثورة والشعب السوداني لا يريد أن يفرض عليه أحد رأيه"، وقال: "الجندي السوداني لا يدافع عن حزب أو جماعة"، وفي إشارة للتدخل الأوروبي ووقوفه خلف المدنيين أشار إلى أن القوات المسلحة: "لا يصرف بالدولار من جهات أخرى"، وفي محاولة منه التقرب للشارع أكد أن القوات المسلحة لن تنقلب على ثورة ديسمبر.
ومن جانبه قال القيادي بقوى الحرية والتغيير المعز حضرة، إن تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين هو استحقاق دستوري نصت عليه الوثيقة الدستورية، منوها إلى اقتراب انتهاء فترة العسكر في رئاسة المجلس السيادي. ثم كانت بعد ذلك الملاسنات الكلامية بين المكونين، فقد صرح محمد الفكي في مقابلة بتلفزيون السودان الرسمي "أن هناك محاولة من المكون العسكري لتعديل المعادلة السياسية وهذا مخل بعملية الشراكة"، واصفا ذلك بانقلاب حقيقي. وفي 26/9/2021م دعا تجمع المهنيين إلى إنهاء الشراكة مع المجلس العسكري وإلغاء الوثيقة الدستورية، وطالب التجمع بحكم مدني خالص. فرد نائب رئيس مجلس السيادة الفريق حميدتي في سرادق العزاء بقبيلة البطاحين، حيث قال: "نحن ما بنتحمل بعد دا ولا يمكن التهديد بالشارع، طلّعوا شارع نحن بنطلّع شارع".
في ظل هذه الأوضاع خرجت مسيرة الخميس 30/09/2021م، أريد منها إظهار قوة المدنيين في تحريك الشارع لتأييد الحكومة المدنية، والعجيب أن من بين الشعارات التي رفعت هتافات ضد لجنة التمكين وحكومة قوى الحرية والتغيير، فاختلط الحابل بالنابل في هذه المسيرة.
وبالمقابل كان هناك اجتماع يوم السبت 02/10/2021 بقاعة الصداقة لفريق من المدنيين وبعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقيات سلام مع الحكومة الانتقالية، أبرزت اشتداد الصراع بين هذه المكونات. وقع خلاله أكثر من 15 حركة مسلحة وأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني في السودان، على مشروع ميثاق التوافق الوطني لوحدة قوى إعلان الحرية. وأكد مشروع الميثاق على تمسكه بالمرحلة الانتقالية والشراكة لاستكمال مؤسسات الفترة الانتقالية وصولا للانتخابات والتحول الديمقراطي. وتعهد بالحفاظ على الفترة الانتقالية والتمسك بالوثيقة الدستورية واتفاقية السلام والعمل من أجل إكمال السلام بالتفاوض مع عبد العزيز الحلو والقائد عبد الواحد محمد نور والآخرين.
ورفض اختطاف الثورة والتحدث باسمها من (مجموعة الأربعة) التي أوصلت بسياساتها البلاد لهذا الانسداد السياسي، والشقاق مع المكون العسكري، مع العمل على قيام وفاق وطني لكل قوى الثورة، بالعودة لمنصة التأسيس بما يشمل الأحزاب السياسية وأطراف ولجان المقاومة، ولجان الخدمات ومنظمات المجتمع المدني، وبقية المكونات المجتمعية المدنية والطرق الصوفية والإدارة الأهلية دون عزل لأحد سوى المؤتمر الوطني المحلول. وأكد أن طريق الديمقراطية والاستقرار السياسي يمر عبر التوافق الوطني دون إقصاء لقوى الثورة وشبابها ونسائها، مجددا الالتزام بالمحافظة على استمرار واستقرار المرحلة الانتقالية وصولا للانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية بإكمال هياكل الحكم الانتقالي.
إن هذا الصراع بين المدنيين والعسكريين أدخل البلاد في أزمة سياسية عميقة، وأوجد حالة من الفراغ السياسي، فهذا الصراع لا يصب في صالح أهل السودان وليس لهم فيه ناقة ولا جمل، وإنما يندرج تحت مظلة الصراع التاريخي بين قطبي الاستعمار؛ أمريكا وبريطانيا، فإن الناظر إلى الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري، رغم اختلاف ولاءاتهما الخارجية، إلا أنهما يسيران في خط واحد من حيث تنفيذ مؤامرات الدول الاستعمارية التفتيتية والفكرية والاقتصادية وغيرها من أطماع الغرب، فالعسكر والمدنيون يدعي كل منهم الحرية والديمقراطية، وقد عمدوا إلى تغيير القوانين لتتفق مع أنظمة الغرب، إرضاء لأسيادهم، فألغت الحكومة الانتقالية قانون الردة، وعينت مستشارة للجندر، ويسعون لإرضاء الغرب بفصل الإسلام عن أنظمة الحياة والدولة، وتم تثبيت ذلك في اتفاقيات السلام مع الحركات المسلحة، فهذه الحكومة الانتقالية، لا هم لها غير تنفيذ مخططات الغرب لتمزيق البلاد وتسليم ثرواته لشركات الغرب الرأسمالية. ولذلك فالمدنيون ليسوا ضد العسكر، ولا العسكر يعادون المدنيين من حيث الفكرة التي تحكم السودان، ومن حيث الولاء الكامل للغرب الكافر، وتنفيذ مخططاته في بلادنا، بل هما صنوان في خدمة الدول الاستعمارية وإن اختلفت ولاءاتهم الخارجية.
ورغم ادعاء كل فريق بأنه وصي على أهل السودان، وهم الذين ملّوا الحكومات الديمقراطية الآسنة التي حكمت السودان لثلاث فترات متقطعة، والانقلابات العسكرية الباطشة التي سيطرت على الحكم لأكثر من خمسين سنة، كلها تمثل الأنظمة الغربية وأفكارها ومفاهيمها عن الحكم، غير أنها فشلت جميعها في تحقيق الرفاه لأهل السودان، وعجزت عن إيجاد الأمن والسلام والاستقرار، وعجزت عن إدارة ثروات البلاد، لأنها طبقت ولا تزال تطبق الأنظمة التي تخالف عقيدة أهل هذه البلاد، بل تعاديها وتتربص بها، فما لم تعمل الأمة مع المخلصين من أبنائها، وتنادي بأحكام الإسلام في تحركاتها وتظاهراتها واجتماعاتها وفي حلها وترحالها، فلا خلاص لها من هذه المؤامرات، لذلك يجب رفع الأصوات والتلبس بالعمل لتطبيق أحكام الله باستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع