بعد احتلالها العراق عام 2003م حرصت أمريكا على تركيز نفوذها فيه من خلال حل مؤسسات الدولة العراقية ووضع نظامها الذي أعلنت عنه أنه نظام فيدرالي ووزعت المكونات على السلطات فأعطت رئاسة الدولة للأكراد ورئاسة الحكومة للشيعة ورئاسة البرلمان للسنة وهي سابقة لم يعهدها الشعب العراقي، وقننت هذا النظام بوضع دستورها المشؤوم وإقراره من جانب أحزابها العميلة والتي كان همها الوحيد هو السلطة، كل هذا حدث ولم يكن للشعب العراقي فيه ناقة ولا جمل.
ومنذ ذلك الحين وإلى الآن تحول العراق إلى جحيم لا يطاق يملؤه الفساد والشقاء والقتل والتهجير والفقر والديون مع كثرة ثرواته ووفرة خيراته.
وهكذا وبعد أن ذاق هذا الشعب الأمرين كسر حاجز الخوف وانطلق بمظاهرات عارمة عمت بغداد والمحافظات الجنوبية عرفت بانتفاضة تشرين وصمدت أمام إرهاب الدولة والمليشيات المسلحة، وشاهدت أمريكا وحكومتها العميلة بوادر انهيار الدولة والنظام فحاولوا احتواءها من خلال استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وجلب مصطفى الكاظمي الذي وعد بإجراء انتخابات مبكرة نزيهة وملاحقة الفاسدين.
فالهدف من هذه الانتخابات هو امتصاص غضب الشارع والمحافظة على النظام وخداع الناس بأن السبب في هذا الشقاء هو الفاسدون وليس النظام وإقناعهم بأن التغيير بيدكم عن طريق صناديق الاقتراع وتركيز أمريكا وحكومتها العميلة على الانتخابات المبكرة وأنها نزيهة، ومشاركة الأمم المتحدة بمراقبين دوليين وهي إحدى النقاط التي ركز عليها مؤتمر بغداد الذي عقد في 28 آب/أغسطس 2021م مع علمهم بأن قضية المراقبين أكبر أكذوبة وما جاءت بها إلا من أجل مباركة هذه الانتخابات حتى ولو كان التزوير 100%، وإنفاق المبالغ الطائلة على هذه الانتخابات وحث الناس على استلام البطاقة الانتخابية واختيار نظام الدوائر وترشيح آلاف الشخصيات المستقلة والتي لن تحصل على شيء سوى وزر المشاركة وإنجاح العملية الانتخابية بعد تيقن الحكومة بعزوف الشعب العراقي عن الانتخابات وإهانة وشتم السياسيين وأحزابهم، كل هذا من أجل إعطاء شرعية لهذا النظام الذي وضعته أمريكا، علما أن احتلال العراق وقع خارج الشرعية الدولية وضربت أمريكا بالأمم المتحدة وقراراتها عرض الحائط.
هكذا يتم خداع الأمة من أعدائها، وحرفها عن طريق التغيير الصحيح والنهضة الحقيقية.
هذا هو الهدف من إجراء هذه الانتخابات.
أما النتائج فليس هناك أي تغيير يذكر واستبدال زيد بعمرو لا قيمة له، لأن المشكلة الحقيقية هي في النظام العلماني الرأسمالي المطبق ودستوره المشؤوم فهو أس المرض وأساس الداء، وأي عمل غير تغيير هذا النظام هو هامشي لا قيمة له، بل أكثر من ذلك هو هدر لطاقات الأمة وتضليلها، فالدولة هي كيان تنفيذي للدستور والقوانين، فإذا كان هذا الدستور وهذه القوانين جائرة، والذي وضعها هم أعداء الأمة بعيدا عن هويتها الإسلامية، فلا شك أنها تؤدي إلى الذل والشقاء والتعاسة، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾، من أجل ذلك نقول إنه لا صلاح للحال طالما بقي هذا النظام، ولا علاقة لمن ينفذه صالحا كان أم فاسدا كما يدعون، لأن من ينفذه فاسد ولا وجود للصالح، فالصالح لا يرضى أن يكون ندا لله تعالى في التشريع وسن القوانين، لأن الله سبحانه وتعالى جعل السيادة له ولشرعه وليس للإنسان وعقله، قال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، وعليه فإن خداع الناس بانتخاب الصالح أكذوبة وضلال وهو أكثر شرا وفسادا ممن ظهر فساده.
أيها المسلمون في العراق: لقد جربتم هذا النظام وانتخاباته طوال ثماني عشرة سنة، وكل دورة من دورات الانتخابات تندمون بعدها ثم يسوقونكم إليها مرة أخرى بدعوى الطائفية مرة والقومية مرة أخرى والآن بدعوى المستقلين سياسيا، وفي كل مرة ترون الوجوه والكتل نفسها فهي لا تتغير وهي عبارة عن لعبة دومينو تخلط كل أربع سنوات وتوزع، فالقضية محسومة وهم لا يطلبون منكم إلا المشاركة لإنجاحها وإلباسكم شقاءها وأنكم أنتم من أتيتم برجالاتها. إنه لا علاج لحالكم ولا حل لمشاكلكم إلا بمقاطعة مثل هذه الانتخابات وبيان زيفها، فأمريكا والأمم المتحدة والحكومة العراقية مستميتون على مشاركتكم فيها وإنجاحها بعد أن نجحت بحث شخصيات عراقية أكاديمية ودينية معروفة للترشح والذين يلعبون دورا خبيثا في تضليل الناس وأنهم قادرون على التغيير مع بيان كذبهم وحرصهم على المناصب ومال السحت.
أيها المسلمون في العراق: لقد أخلصنا في نصحكم من أول يوم دخل فيه الكافر المحتل بلادنا وبيّنا حكم الشرع في كلّ ما جرى من أحداث، وها نحن اليوم نذكّركم، امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
نذكركم بحرمة هذه الانتخابات انتخابا وترشيحا لأنها توكيل في عمل محرم، وهل هناك حرمة أكبر من توكيل شخص يقسم على تطبيق نظام كفر، وأن يكون مشرعا من دون الله؟! ونكرر ذلك حتى يأذن الله تعالى بنصره الموعود للثلة المؤمنة التي تعمل منذ زمن لاستئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، لتبقى كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، فتحيا الأمة حياة كريمة عزيزة بدينها مصانة كرامتها وحقوقها.
بقلم: الأستاذ مازن الدباغ – ولاية العراق
رأيك في الموضوع