سؤال يشغل بال الكثير من الناس، ولطالما شغل قيادات الحركات الإسلامية السياسية منها والجهادية: "من يمتلك القوة الأكبر.. الثوار أم نظام أسد؟!"
إن عوامل القوة لكل دولة أو تجمع بشري لا تتوقف على القوة العسكرية فقط بل تتعداها إلى غيرها.
فها هي الدولة العثمانية في أواخر عهدها كانت تمتلك قوة عسكرية كبيرة، ولكن المرض والضعف قد اعتراها حتى أُطلق عليها لقب "الرجل المريض".
ولا زال التاريخ يذكر جيش الروم الحديدي الذي واجه المسلمين الذين كانوا لا يملكون من القوة العسكرية الشيء الكثير، ومع ذلك هُزمت الروم بجيشها وقوتها العسكرية أمام المسلمين.
وها هي غزوة مؤتة التي واجه فيها المسلمون قوة عسكرية مرعبة آنذاك وكانت المعركة غير متكافئة ومع ذلك سطر المسلمون في هذه المعركة بطولات عظيمة أرعبت جيش الروم فكانت مؤتة مفتاح النصر في اليرموك.
إذاً فالقوة العسكرية لا تكفي لأن تكون الركيزة الوحيدة للمعركة وللدولة وليست المعيار الوحيد لقياس قوتها، ولكن لا بد من ركائز أخرى لا تقل عنها أهمية.
فما الذي أضعف دولة كدولة الخلافة في أواخر عهدها رغم وجود القوة العسكرية؟ وما الذي أمد المسلمين في بداية نشأتهم بهذه القوة التي هزمت فارس والروم في ظرف عشر سنين تقريباً؟!
إنها أولاً قوة المبدأ، الذي يؤمن به أصحابه، ومن ثم القوة السياسية الواعية الصادقة. فما تسمى اليوم "الحاضنة الشعبية" عندما تدعم القيادة السياسية والقوة العسكرية والجميع يتوحدون حول مشروع واحد ينبثق من المبدأ الذي يؤمنون به فيولد في داخلهم العزيمة والقوة، فإنهم يشكلون قوة جبارة وعزيمة صلبة لا تلين.
أما القوة السياسية فتكون متمثلة بالقيادة السياسية وبالأحزاب والجماعات التي تمتلك مشروعاً سياسياً حضارياً يسعى لتغيير نمط الحياة عند البشرية جمعاء، فلا يرضى بالمهادنة ولا بأنصاف الحلول.
وأما قوة الحاضنة برأيها العام واحتضانها للمشروع وحملته وأنصاره فهي السند الطبيعي الثابت للمشروع وحملته ولأنصاره أيضا، فهي التي تحتضن القوة السياسية برجالها ومشروعها وتدعم الأنصار بإمكانياتها وطاقاتها.
أما القيادة السياسية المتمثلة بالمشروع ورجال الدولة فهي من أهم مقومات قوة الدولة. فقد أعز الله العرب بالإسلام وأعز الإسلام برجال الدولة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضوان الله عليهم. فقد كان الصحابة رجال دولة وسياسة قادرين على إدارة المواقف وتحمل الأعباء. فقد كان موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع المرتدين ومانعي الزكاة نقطة تحول مفصلية في تاريخ الدولة الناشئة، وقد فتح الله فارس والروم على يدي عمر رضي الله عنه الذي تغنى الناس بعدله وعدل النظام الذي حكم به، وقد أخَّر السلطان عبد الحميد رحمه الله انهيار الدولة المتسارع وكاد أن ينجح بانتشالها لولا كثرة التآمر والضعف الشديد الذي طرأ على الدولة حينها.
إذاً فرجال الدولة والسياسيون الذين ينظرون للأحداث من زاوية مبدئيةٍ عقدية لا من زاوية المصلحة والمفسدة هم من عوامل قوة الدولة وركائزها القوية.
أما المشروع السياسي الذي يجب أن ينبثق من عقيدة الأمة فهو الأمر الوحيد الذي يجتمع عليه الناس اجتماعاً صحيحاً فيوحدهم بعد تفرق ويبصرون به طريقهم وأهدافهم البعيدة والقريبة، فعليه يجتمعون ولأجله يقاتلون ومنه تصاغ عقيدة الجند القتالية وبه يُجمع الناس بوجهائهم وكبرائهم. فبدون وجود خطة سياسية واضحة لمشروع سياسي جامع يضع الأهداف ويرسم الطريق ويحدد المهام ويوزع الأدوار، لن يصل الإسلام إلى الحكم، حتى وإن وصل مسلمون إلى كرسيِّ الحكم. فهذا المشروع هو الذي يبين كيفية الوصول وكيفية التطبيق، فيحفظ الجماعة من الانحراف حتى تصل لهدفها، ويحفظ الدولة من الانحراف بتبيان مسار عملها وخطها العريض وكيف تبني سياستها الداخلية منها والخارجية فلا يدع مجالاً للشك بقدرة الإسلام على الحكم ورعاية الناس ولا يدع مجالاً للاختلاف بعد الاجتماع، فقد استبان الطريق ووَضُحَ الهدف وتبلورت الأفكار.
أما قوة الحاضنة والرأي العام فهي حجر الزاوية وبيضة القبان، فهي من ستحتضن القوة السياسية وهي من ستفرز الجنود وتمدهم بالمال والسلاح والعتاد.
فلولا حاضنة ثورة الشام لما تجرأ أحد من جنود نظام أسد على الانشقاق وتشكيل كيانات عسكرية تقاتل النظام وتحرر المناطق. ولولا الحاضنة الشعبية التي عمل عليها سيدنا مصعب بن عمير رضي الله عنه لما اكتملت أركان الدولة في المدينة. ففي أول معركةٍ حدثت خرج الرسول ﷺ وقاتل معه جميع المسلمين في بدر ولم يقاتل بجماعة المهاجرين فقط، بل قاتلت معه الحاضنة والتفت حوله فكانت الكتلة السياسية برجالها ومشروعها وقيادتها مع الحاضنة كجسدٍ واحد.
وها هو نظام أسد المجرم عندما تحركت الحاضنة الشعبية ضده وانكسر حاجز الخوف كاد أن يسقط لولا تآمر الشرق والغرب على هذه الثورة اليتيمة، وقد قالها لافروف بأنه لولا تدخل روسيا لكانت الرايات السود ترفرف فوق العاصمة دمشق. وقد أثبتت أحداث درعا الأخيرة هشاشة النظام المجرم عندما احتضنت الحاضنة الشعبية المقاتلين. فأعيت هذه المدينة بسلاحها البسيط النظام المجرم لأكثر من سبعين يوماً، فلجأ النظام للمكر السياسي واضطر للتفاوض مع الثوار لحفظ ماء وجهه.
إذاً من يمتلك الحاضنة الشعبية يمتلك منبع القوة ونبراسها. وإذا ما اقترنت الحاضنة مع القوة السياسية والقوة العسكرية أصبحت قوة لا تقهر.
ونظام بشار الآن يقود عناصره بالقوة أحياناً وبالمصلحة أحياناً أخرى. فلا عقيدة قتالية ولا حاضنة شعبية، حتى إن حجر الأساس لديه، ألا وهو المشروع السياسي العقدي، غير موجود أساساً فهو يعتمد على الدعم الخارجي وعلى قوة السلاح.
أما ثورة الشام المباركة فتمتلك حاضنة شعبية كبيرة رغم أنّ هذه الحاضنة قد مُكِرَ بها مكراً عظيماً ومورِسَ عليها ضغط شديد أدى إلى تململها. لكن الثورة ما زالت متقدة في نفوس أهلها، وأيُّ حركةٍ صادقة تكنس الرماد الذي بدأ يغطي جمر الثورة سيظهر لهيبها من جديد. أما القوة العسكرية الموجودة في الثورة فهي كافية لإسقاط النظام بدستوره وكافة أركانه ورموزه. لكنَّ ارتباط قيادات الفصائل بالدول الداعمة ورهن قرارهم لها كبَّل هذه القوة العسكرية ومنعها من إسقاط نظام الإجرام.
وأما الكتلة السياسية فهي موجودةٌ برجالها ومشروعها. فها هو حزب التحرير، وهو حزب عالميٌ عريق يملك مشروعاً سياسياً منبثقاً من عقيدة الأمة، ولا زال يسعى لنشره بين حاضنة الثورة وبين مقاتليها حتى يفتح الله به وبها دمشق بإذن الله.
صحيح أن المحنة عظيمة ولكن المنحة أعظم بإذن الله، فالتفوا حول الرائد الذي لا يكذب أهله، وكونوا سنده وحاضنته يَسِرْ بكم إلى كل خير بإذن الله.
وأنتم أيها المقاتلون المخلصون في الشام: لقد خبرتم مرارة الارتباط ورهن القرار، وقد جمعكم الداعم ليكبلكم وينسيكم أهداف ثورتكم. بينما يدعوكم حزب التحرير لتجتمعوا على مشروع الخلافة العظيم، الذي فيه عز الدنيا ونعيم الآخرة. فقد أثبتت الأيام ضعف النظام مقابل قوة الثورة، فمعركة فك الحصار عن حلب لم تكن الأولى التي ينكسر بها النظام ولن تكون معركة درعا الأخيرة، ولكن لكل أجل كتاب، حتى يهيئ الله لحملة مشروع الإسلام العظيم أنصاراً كأنصار الرسول وحاضنة كحاضنته ﷺ، ليعز بهم الإسلام وأهله، فنسقط نظام الإجرام ونقيم على أنقاضه حكم الإسلام، وما ذلك على الله بعزيز.
رأيك في الموضوع