دائماً ما تصرح أمريكا بأن الحل في ليبيا يجب أن يكون سياسياً ويجب وضع حدٍ للعنف ولإطلاق النار كما صرح بومبيو في أواخر السنة الماضي (بومبيو: الحل الوحيد في ليبيا سياسي ونقرُّ بأهمية وضع حد للعنف ولإطلاق النار في ليبيا) (القدس العربي 2/10/2019م).
إن المتتبع للتصريحات الأمريكية المعسولة يرى أنها لا تشجع على العنف بل على العكس فهي تدعو لوقف إطلاق النار وحل المشاكل عن طريق المفاوضات بالحل السياسي، فهي تسعى لوقف شلال الدم كما سعت لإيقافه في الشام على حد زعمها.
أيها الأهل في ليبيا لقد صدعت أمريكا رؤوسنا بالحل السياسي الذي دعت لتطبيقه في الشام وها هي الآن تدعو لتطبيقه في ليبيا، فما هو الحل السياسي الذي سعت لتطبيقه في الشام، وما هي الخطوات التي اتبعتها؟ وسنعرض لكم خطواته وبنوده لعلكم تأخذون من أهل الشام عبرة فلا تنخدعوا بهذه الألاعيب...
ففي الشام قامت ثورة عارمة على نظام الإجرام فأضحى النظام هو الجهة الأضعف بين طرفي النزاع فاستنفرت أمريكا لحماية عميلها وذلك بمحاولة السيطرة على طرفي النزاع، فأوعزت لأزلامها في إيران وحزبها اللبناني ليساندوا النظام فلم يفوا بالغرض فأتت بروسيا. وهكذا عملت أمريكا على عدم انهيار النظام بشكل مفاجئ، وهذا ما صرح به حزب إيران وإيران وروسيا. أما الطرف الآخر فهم المجاهدون وهم الجهة الأصعب في الضبط والتوجيه، وهذا ما تطلب جهداً كبيراً من أمريكا فاستعملت معهم أسلوب الترغيب والترهيب. أما الترهيب فقد كان من نظام بشار ومن المجتمع الدولي كالتهديد بالوضع على لائحة الإرهاب وغيرها. وأما الترغيب فقد كان عن طريق القوة الناعمة التي عملت على اختراق المجاهدين، وقد أوكل هذا الدور لما يسمى "أصدقاء الشعب السوري"، والأدوار الأساسية كانت لتركيا في الشمال والأردن في الجنوب وكانت الغوطة من نصيب السعودية، وجميعها جاءت بصفة المحب للمجاهدين المبغض لنظام الإجرام زوراً وبهتاناً.
وفعلاً استطاعت أمريكا ربط الفصائل وسلبت قرارها وصاغت أسس الحل السياسي في جنيف وأرست قواعده وبدأت بالعمل له، وكل المؤتمرات التي انعقدت حول ثورة الشام كانت مرجعيِّتها مؤتمر جنيف الذي وضع قواعد الحل السياسي.
وسنسرد أهم ثلاثة بنود لهذا الحل السياسي ولن نغوص في التفاصيل التي وضعت لخداع أهل الشام:
البند الأول: المحافظة على وحدة الأراضي السورية.
البند الثاني: المحافظة على أجهزة الدولة.
البند الثالث: إنشاء هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات.
فللوهلة الأولى يمكن أن ترى أن هذه البنود هي لصالح الثورة والجهاد، ولكن اسمحوا لي أن أنظر نظرة فاحصةً عميقة تخرج نوايا المجتمع الدولي الحقيقية؛
فالمحافظة على وحدة الأراضي السورية لا تعني الحرص على عدم التشرذم أبداً بل تعني إعادة كامل المناطق التي خرجت عن بيت الطاعة وإعادتها للحكم العلماني وعدم السماح لأي جهة كانت باقتطاع جزءٍ منها مهما كان مشروعها.
أما البند الثاني فهو المحافظة على أجهزة الدولة، وهنا لا يقصد فيها المؤسسات الخدمية كمؤسسة الماء أو الكهرباء طبعاً، فحتى أشباه الدول تملك أجهزةً خدمية، ولكن المقصود هنا هو المحافظة على الأجهزة التي حكم من خلالها أسد أهل الشام وهي الجيش والأمن، هذا الجيش الذي تشرّب كره الإسلام وتربى على ذبح المسلمين بعد أن تمت تنقيته من جميع المخلصين بانشقاقهم أول الثورة، وأما جهاز الأمن فهو الجهاز الذي ضمن بقاء حكم المجرم الأب أسد والذي رسّخ لحكم ابنه من بعده، هذا الجهاز الذي أذاق المسلمين شتى أنواع العذاب. هذه الأجهزة التي كان اقتلاعها هو أحد الأهداف الأولى للثورة المباركة يعود المجتمع الدولي للدعوة للمحافظة عليها وتثبيتها من جديد بتعبيرات براقة وأساليب ملتوية لخداع الناس وإعادتهم لما كانوا عليه.
أما البند الثالث فهو مربط الفرس والغاية التي تطمح أمريكا والمجتمع الدولي من ورائها للوصول إليها وهي تاج الحل السياسي الذي عملت أمريكا لتهيئته وتهيئة رجالاته وأجوائه، وكذا تسعى له في ليبيا أيضاً. إن إنشاء هذه الهيئة قد تتطلب من أمريكا تهيئة طرفي النزاع؛ فأما الطرف الأول فهو مضمون السلوك والتبعية وهو نظام المجرم أسد، وأما الطرف الثاني فهم الثوار الذين ثاروا على الظلم والطغيان وهم في جموحٍ كالأسد الجريح فوجب على أمريكا تطويع هذا الأسد لإعادته لقفص المجتمع الدولي، فاعتمدت أمريكا في تطويع الثوار على سياسة العصا والجزرة؛ فمن جانب سلطت عليهم إيران وحزبها والروس حتى يبطشوا ما استطاعوا بأهل الشام، ومن جانب آخر أرسلت أمريكا القوة الناعمة التي لعبت دور الناصح الأمين للثوار وتغلغلت فيهم حتى تمكنت منهم، وقد استخدمت لهذا الدور كلاً من السعودية والأردن وتركيا بشكل رئيسي فكان لكلٍ منها دورٌ معين؛ فكانت مهمة الأردن اختراق ثوار درعا الذين قالت لهم في آخر المطاف نحن لن ندافع عن أحد، أما السعودية فقد كان عملها في الغوطة وقد نجحت بكبح جماح المجاهدين عن طريق اختراقها للفصائل وترتيب أوراق الغوطة حتى أصبحت الفصائل هناك تستعرض قواها بعرض عسكري لا يبعد عن القصر الجمهوري سوى بضعة كيلومترات فصمتت بنادق المجاهدين وتم تكبيلها بالمال السياسي القذر وبالقيادات المتاجرة الخائنة التي لم تجلب للثورة إلا الذل والهوان. وأما الشمال المحرر فقد كان من نصيب المخادع أردوغان الذي ظهر بصورة الصديق للشعب السوري والذي صدَّع رؤوسنا بتصريحاته الكاذبة كقوله "لن نسمح بحماة ثانية" و"حلب خط أحمر" و"سنعيد المهجرين لما بعد مورك"... وغيرها من التصريحات، طبعا يرافق الدور التركي فرقة ترقيع محترفة عملها الترقيع للدور التركي والفصائل المرتبطة به... ولا يخلو الأمر من بعض علماء السلاطين الذين ألقمتهم الفصائل المرتبطة بعض الدراهم ليكونوا طبولاً تقرع حين اللزوم! وقد نجح أردوغان أيضاً باختراق الفصائل عن طريق المال وبعض القيادات الرخيصة حتى أصبحت الفصائل لا تعصي أمراً للسيد التركي مهما كان هذا الأمر، حتى ولو كان تسليماً للمناطق التي حُررت بالدماء...
والآن بقيت العثرة الوحيدة التي تعمل أمريكا على تذليلها وهي النفَس الثوري وروح التغيير الذي لا زال موجوداً عند الحاضنة الشعبية وما تبقى من البقية الباقية المخلصة من المقاتلين، وهذا يحتاج ضغطاً كبيراً، فأوكلت هذه المهمة للحكومات التي شكلتها الفصائل، والمهمة الوحيدة لهذه الحكومات هي فرض الضرائب والتضييق على المسلمين في جميع جوانب حياتهم، وفعلا لا تزال حكومة الإنقاذ وأختها المؤقتة يعيشون على أقوات الناس ويسعون في الأرض الفساد حتى يصلوا بالناس لمرحلة اليأس، ولن يصلوا بإذن الله. ولا ننسى سياسة القضم التي اتبعها النظام والتي زادت من معاناة أهل الشام جراء النزوح والقتل والتهجير الممنهج، وكل هذا لتعود بأهل الشام للمربع الأول ليقبلوا بالحل السياسي الذي تصوغه أمريكا وأزلامها ليتناسب مع مصالحها فتستبدل عميلاً بعميل كما التفّت على ثورات الأمة من قبل...
هذا هو الحل السياسي الذي تسعى له أمريكا وهو إعادة إنتاج النظام ولكن بوجوه جديدة.
أما البنود الأخرى مثل إطلاق سراح المعتقلين وإعادة الإعمار ورفع العقوبات فهي كمساحيق التجميل التي توضع على وجه العجوز الشمطاء لتعيد لها صِباها!
فهل عرفتم أيها الأهل في ليبيا ما هو مفهوم الحل السياسي الذي تسعى له أمريكا في ليبيا أيضاً؟ وها هو أردوغان قد بدأ باختراق حكومة الوفاق بدعمها بالمال والمرتزقة حتى يسيطر على قرارها ويقودها للحل السياسي الذي يدعون له، وسيخرج عليكم السيسي ليعرض عليكم مبادرات وبادرات هدفها تغلغل النفوذ الأمريكي في ليبيا وقطع أيدي أوروبا من المنطقة، فاحذروا يا أهلنا في ليبيا من ألاعيب الغرب الكافر وأساليبه.
وإلى أهلنا في الشام نقول: أما آن الأوان لتنفضوا عنكم غبار الذل التركي، وقد آن الأوان لتبصروا أمريكا وحلها السياسي على حقيقته. وإلى المخلصين المجاهدين: انفضّوا عن المنظومة الفصائلية التي نخرها المال السياسي القذر حتى النخاع وانتقوا لأنفسكم قيادة عسكرية ترضونها تتقي الله في الدماء والتضحيات، ولتتخذوا قيادة سياسية واعية تحمل مشروع الإسلام العظيم؛ مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة... وقد قدم حزب التحرير نفسه وقدم مشروعه وقد نصح لكم ولا يزال كذلك، فالتفوا حوله واتخذوه قيادة لكم حتى تُعِدُّوا العدة لإسقاط نظام الإجرام وإقامة حكم الإسلام وما ذلك على الله بعزيز، فالنصر من عند الله وحده فتوكلوا على الله فهو حسبكم ونعم الوكيل ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
رأيك في الموضوع