عقب إيقاف عدوان يهود الهمجي الأخير على قطاع غزة، شكر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إيران على وقوفها إلى جانب المقاومة، كما شكر مصر حيث قال "نشكر مصر التي واكبت المعركة يوما بيوم ومارست دورها من أجل كبح الهجوم (الإسرائيلي)"، ومثله فعل رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار حيث شكر إيران (الكريمة دائما) حسب وصفه، بينما وجه مسؤول العلاقات الدولية في حركة حماس أسامة حمدان التحية للنظام السوري، كما تم استقبال وفد المخابرات المصرية برئاسة رئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل فيما كانت ملصقات صور السيسي تنتشر في شوارع غزة خلال الزيارة.
ما بين بطولات غزة وعموم فلسطين وما أذاقه المجاهدون لكيان يهود من البؤس الذي لم يعتادوه خلال هبة الأقصى، وما بين مواقف الخذلان والتآمر المخزية التي وقفها حكام المسلمين أثناء العدوان على المسجد الأقصى وسفك الدماء الزكية، أتت تصريحات الشكر والثناء واستقبال وفد المخابرات المصرية لتشكل نشوزا بين الموقفين يثير الاستغراب والاستنكار، ويستدعي الوقوف والتساؤل، هل الأولى في حق تلك الأنظمة هو المدح أم الفضح؟
إن الناظر إلى هذه الأنظمة وما تقوم به يرى بوضوح لا تخطئه العين أنها لا تتحرك إلا في سياق خطط أمريكا والغرب، وسعيهم لتصفية قضية فلسطين وتثبيت كيان يهود، فقد تحرك النظام المصري بالوساطة للعب دور طلبه منه بايدن وليس حرصا على دماء أهل غزة التي صمت على سفكها النظام المصري مرات ومرات، وكأن أهل فلسطين لا يمتون لهم بصلة من عقيدة ودين ولا حتى جوار! ولقد تحرك النظام المصري في موضوع الإعمار عندما تكلم بايدن نفسه عن إعادة إعمار غزة واستئناف الإغاثة، فالدور المصري هو الترجمة العملية للطلبات الأمريكية، وكل ذلك يحصل دون أن تتغير النظرة إلى غزة وقواها التي لطالما نعتوها بالإرهاب، ودون أن تتغير الدوافع، فملف الإعمار هو استكمال لما كان من أغراض الحصار من محاولات الإخضاع والتطويع، لأن تلك الأنظمة كانت ولا زالت أدوات أمريكا، ولا زالوا هم أولياء كيان يهود، وتبعا لذلك كانت زيارات وفود المخابرات. ولو كانت النوايا صحيحة لكان الحاصل هو زيارات الأركان والضباط لوضع الخطط للتحرير، لا زيارات المخابرات للتسلل والتجسس وحياكة الدسائس!
ومثل الدور المصري يقال عن بقية الأدوار لبقية الأنظمة وخاصة ممن تسمت بالممانعة، حيث أمدت غزة بقليل من الصواريخ والمال، حتى إذا قامت المعركة وفتح كيان يهود أبواب النار والدمار والإجرام والعدوان على أهل فلسطين، صمتت تلك الأنظمة صمتها المخزي لتباشر قوى التآمر والتصفية لبقية الدور، بينما جيوش الممانعين الضخمة تعيث في عواصم المسلمين ومدنهم قتلا وخرابا وتدميرا.
إن تلك الأنظمة وإضافة إلى ما سبق تسعى إلى رفع أسهمها، وفرض وجودها وتأكيد دورها وحضورها في قضايا المنطقة، ولقد شاهد الجميع إعلام نظام السيسي وهو يتبجح ويمن على أهل غزة بالمساعدات، تلك المساعدات التي قدمت باسم السيسي شخصيا، فيما تتغذى أنظمة ما يسمى بالممانعة على شعارات المقاومة لتستر إجرامها الواسع في بلاد المسلمين.
ومن هنا، فإن تلك الأنظمة لا تقوم بما تقوم به من باب المعروف، ولا من باب إغاثة الملهوف، ولذلك كان شكرها والثناء عليها لا يغير من واقعها شيئا، ولا يستجلب منها خيرا، وكان شكرها عوضا عن فضحها وكشف إجرامها وتخاذلها إنما يزيد في تمكينها وتحقيق أغراضها بإطلاق يدها وتبييض صورتها.
إن موقف حركة حماس في شكر تلك الأنظمة والثناء عليها إن كان من باب الركون إليها أو رجاء الخير منها - ولعله أمر مستبعد - فإن تلك هي مصيبة وإلقاء بالنفس إلى التهلكة، ولا يبرَّر الأمر بالضغوط، فالضغوط هي عين الفخ الذي يُنصب ليقع المجاهدون فيه تحت سطوة تلك الدول وأجهزة مخابراتها، وكل ذلك لأجل عيون الأسياد من دول الغرب، ولعل لهذه الأنظمة من تاريخ الخداع والاحتواء ما يكفي للنظر والحذر، وما أمر الجماعات الجهادية في أفغانستان عنا ببعيد، إذ تم تقديم العون للمجاهدين لأجل عيون أمريكا، مثلما تم الفتك بهم فيما بعد ووصفهم بالإرهاب لأجل عيون أمريكا أيضا!
وأما إن كان الأمر دبلوماسية اقتضتها الضرورة مع تلك الأنظمة كما قد يقال، فإن تلك الدبلوماسية في غير مكانها، وهي لن تنتج لأهل غزة دعما ولا للجهاد سندا وعونا، وإنما سينعكس الأمر سلبا، وسيكون بالنسبة للمسلمين الذين ذاقوا ويلات تلك الأنظمة أقرب إلى واقع التطبيع مع طغاتهم وقاتليهم، ومع الوقت ستخسر المقاومة سندها الشعبي وعمقها في جمهور المسلمين، فلا تكون قد حفظت نفسها من الأنظمة الغادرة ولا هي أبقت لها سندا من التأييد بين المسلمين، مع أن سند المجاهدين الصادق هو أمتهم وأبناؤها المحبون، وليس طغاتها وجلاديها.
إن الدين النصيحة، وأولى النصيحة بالاعتبار هو ما نص عليه الدين، ولقد أوصانا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ»، ولقد لدغنا من هذه الأنظمة مرات ومرات، ولذلك فإنه ينبغي التعامل مع هذه الأنظمة على قاعدة أنها أدوات لتنفيذ سياسات الدول الغربية وحفظ أمن كيان يهود لا أكثر، وإذا كانت الحال كذلك فإن من الأولويات لأي مجاهد أو مخلص يسعى لتحرير فلسطين هو التعاون مع أبناء الأمة، وهم السند وعليهم الرهان، وذلك بفضح هؤلاء الحكام وتعريتهم والتعجيل في قلعهم بوصفهم العقبة الأولى أمام المسلمين للتحرير، لا بالسماح لهم بتبييض وجوههم وتسويق أنفسهم، وكذلك بكف أيديهم النجسة الملوثة عن التدخل في قضية فلسطين.
إن الركون إلى هؤلاء هو من موانع النصر لمن يتفكر، والله عز وجل يقول: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ وكذلك لمن يتفكر ويتدبر فإنه جل وعلا يقول أيضا ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾.
بقلم: الأستاذ يوسف أبو زر
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع