تركز حكومة حزب العدالة والتنمية على اجتماع بايدن وأردوغان الذي سيعقد في بروكسل، والذي ينتظره أردوغان منذ شهور بأمل كبير؛ لأن هذا الاجتماع سيظهر صورة واضحة عما إذا كان سيبقى في السلطة لولاية أخرى أم لا. يتساءل أردوغان عن هذا الاجتماع أكثر من الرأي العام التركي، وهو يعرف ذلك جيداً. إن سياسة إدارة بايدن في قمع الصين وسياسة الاحتواء التي تنتهجها مع روسيا والطريقة الجديدة التي ستحددها في القضايا الساخنة في الشرق الأوسط تحظى باهتمام كبير لتركيا. لأن حكومة حزب العدالة والتنمية وأردوغان يمكنهما الحصول على الثقة طالما أنهما يواكبان هذه السياسات الجديدة والتغييرات في آداب إدارة بايدن. خلاف ذلك، إذا لم تستطع إدارة بايدن رؤية قوة كافية من أردوغان ولم يتمكن أردوغان من كسب ثقتها، فسيواجه هو وحكومة حزبه أوقاتاً عصيبة في العلاقات معها حتى انتخابات 2023.
في حين إن هذا هو الوضع فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية التركية، فمن ناحية أخرى، هناك أجندة أخرى في السياسة الداخلية لتركيا تصيب أردوغان بالصداع. فكما هو معروف، تمت إثارة أجندة تركيا في الشهر الماضي مع التصريحات التي أدلى بها سيدات بكر، زعيم جماعة الجريمة المنظمة، فيما يتعلق بالعلاقة بين الدولة والمافيا. سيدات بكر يدلي تصريحات تستهدف وزير الداخلية سليمان صويلو، ورئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم، ووزير المالية السابق وكذلك صهر أردوغان بيرات البيرق، وبعض نواب حزب العدالة والتنمية في مقاطع الفيديو المنشورة من الإمارات العربية المتحدة. هناك العديد من المزاعم، من تجارة المخدرات إلى غسل الأموال، ومن تجارة النفط والأسلحة في سوريا إلى المخالفات في المناقصات الكبرى في تركيا. ومن خلال القيام بذلك، يكشف بكر أيضاً عن الماضي القذر والصلات الحالية للعلاقات بين الدولة والمافيا في تركيا. بالنظر إلى الأسماء التي استهدفها سيدات بكر في تصريحاته، يمكن أن نفهم بوضوح أن الهدف الحقيقي هو أردوغان. وبالنظر إلى حقيقة أن بكر كان يُحاكم في قضايا أرغينيكون في السنوات الماضية وأن لديه هوية قومية جديدة، يمكن القول إن بريطانيا تستغل هذا الطموح الشخصي لبكر. ويبدو أن فشل حكومة حزب العدالة والتنمية في مكافحة الوباء والأزمة الاقتصادية، وعدم اليقين في العلاقات التركية الأمريكية، وتناقص إمكانات التصويت لتحالف الشعب، قد شجع الأحزاب الموالية لبريطانيا. فقط في حزيران/يونيو، بعد نتائج اجتماع أردوغان وبايدن، يمكننا أن نقيم بوضوح إلى أين ستقود العملية، ومدى الضرر الذي سيلحق بحكومة حزب العدالة والتنمية وأردوغان من ذلك.
فيما يتعلق بماضي تركيا القذر في العلاقات بين الدولة والمافيا؛ في الواقع، لم يتغير شيء منذ الأمس. في الواقع، الماضي التاريخي لجمهورية تركيا مليء بعلاقات الدولة والمافيا لدرجة أنه بغض النظر عن مدى نظافة الحكومة الجديدة، وبغض النظر عن مدى قولها بأنها طهرت البلاد من نظام المافيا بـ"عملية نظيفة الأيدي"، فكل ذلك لا يهم، لأنها وبطريقة ما تعود الحكومة وتبني نظام المافيا القذر الخاص بها. فعلى سبيل المثال، عندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة، كان من أبرز السياسات "إخراج تركيا من التسعينات والعمل حتى لا تعود إلى تلك السنوات الماضية". بفضل تعاونه مع مجموعة غولن، قام بعمليات لجميع مجموعات المافيا في التسعينات. ومع ذلك، وبطريقة ما، بنى كل من أردوغان وغولن مجموعاتهما الخاصة بعد توقف مجموعات المافيا القديمة. كان الاختلاف الوحيد بينها هو أن مجموعات المافيا القديمة كانت تتألف من منظمات وأشخاص ذوي مظهر إجرامي، بينما عمل نظام المافيا الجديد بأساليب وطرق مختلفة. وبعد الصراع بين أردوغان وغولن الذي بدأ في عام 2013 ومحاولة الانقلاب في 15 تموز/يوليو، تم القضاء على مافيا غولن، التي كانت قد استقرت في جميع مناطق الدولة، ثم حاولت مافيا التسعينات السيطرة على هذه الفجوة. بعبارة أخرى، كانت العلاقة بين الدولة والمافيا موجودة دائماً ولا تزال موجودة في تركيا. لأن هذه المشكلة ناتجة عن النظام الرأسمالي العلماني الذي تقوم عليه تركيا.
جمهورية تركيا ليست دولة قانون، بل هي دولة ارتبط اسمها دائماً بجرائم القتل والاغتيال السياسي وعدم الشرعية التي لم يتم القضاء عليها إلى الآن. وهي تقوم بهذه الأعمال مع المافيا بحيث إنهما على علاقة وثيقة. لقد فعلت ذلك في الماضي، وهي تفعله اليوم، وستواصل القيام به غداً. الحكومات تتغير، والأحزاب تتغير، وحتى نظام الحكم يتغير، لكن هذا النظام القذر، نظام المافيا لا يتغير. ومن أجل إنهاء هذا الأمر، يجب إجراء تنظيف جذري، تنظيف لا يترك بقايا للنظام العلماني. والطريقة الوحيدة للتخلص من هذا النظام الفاسد، ولإنقاذ هذا البلد من المافيا والغوغاء والإرهاب، إنما هي في بناء نظام صحيح. هذا النظام هو النظام الإسلامي، الذي ستطبقه دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ محمود كار
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تركيا
رأيك في الموضوع