قطع رئيس حركة جيش تحرير السودان القيادي بالجبهة الثورية مني آركو مناوي بضرورة إعطاء المرأة حقوقها وفق ما نصت عليه القرارات الدولية لحقوق الإنسان خاصة القرار الدولي رقم 1325 فيما يلي حقوق المرأة المدنية والسياسية والاقتصادية، وأشار مناوي إلى أن منبر جوبا حدد مشاركة المرأة في الحياة السياسية بأكثر من 40%، وأضاف أن تلك القرارات جاءت بعد صراع مرير لحقوق المرأة في كثير من البلدان الأفريقية والعربية، وقال إن حق المرأة الذي يخص القرار 1325 الدولي جاء متوائماً مع اتفاق سلام جوبا، وتعهد مناوي برفع نسبة تمثيل المرأة بأكثر من 40%، وأشاد بقرار مشاركة المرأة في الشرطة المجتمعية في مناطق الحروب والنزاعات وثمن وقف التمثيل النخبوي للمرأة إلى تمثيل عام لها في الريف والحضر.
العالم بأسره يتحدث عن المرأة من خلال مؤتمراته وقوانينه، بتحريرها وصيانة حقوقها ومحاربة كل أشكال الاضطهاد والعنف ضدها، وقد أسست لذلك المنظمات والجمعيات والهيئات على طول وعرض البسيطة لإعطاء المرأة حقها في مختلف جوانب الحياة، لكن رغم كل هذه المجهودات والآلاف المؤلفة من الكتب والندوات والورش والقوانين المحلية والإقليمية والدولية والاتفاقيات والمعاهدات والمؤتمرات، ورغم إنفاق مليارات الدولارات والدراهم والريالات؛ لا تزال المرأة ضحية ومستغلة، بل سلعة في سوق النخاسة يتاجَر بلحمها وجمالها؛ ففي الدعارة هي بضاعة تُستهلك باستمرار حتى تُستنزف، ما دامت فيها رطوبة، وفي السياسة هي طعمُ مصيدةٍ أو حبالُ فخ لمن لا يُخضعه المال والسلطة والتهديد، أو ملف يُشْهِر أوراقه كلُّ دكتاتور ليُظهر حداثيته وديمقراطيته، وفي الفن هي منبع الإثارة الذي يُروَّج به لأغبى السيناريوهات، وفي الاقتصاد هي المحفز النفسي اللاشعوري الذي يستفز الغرائز ويهيجها كي لا تتوقف عن الاستهلاك، حتى إنه لم يعد هناك فرق بين علبة الكولا وجسم المرأة، في ثقافة أحادية لعالم صارت كل الشهوات فيه تزيَّن لمستهلكيها عبر امتهان حرمات المرأة! هذا في السِّلم والأمان الذي تحدث عنه أركو مناوي والقرار رقم 1325 المتعلق بالمرأة والسلام والأمن.
أما في حالات الخوف والحرب فكل حرمات المرأة أيضا تنتهك، خصوصاً من طرف جيوش العالم المتحضر سواء في حروب الاستيلاء على البترول والمواد الخام تحت ذريعة نشر الديمقراطية، أو في الحروب التوسعية خلال القرن الماضي، حيث كانت المرأة في العقل الغربي المتحضر مجرد قطعة عتاد حربي، تُساعد جيوشه على إحراز الانتصارات وتعبيد الشعوب لاستغلال الثروات.
وقد جاء في صحيفة البيان في مقال للدكتورة ليلى حمدان بعنوان "حرية المرأة في الغرب كما رأيت": "لقد شاهدت المرأة الغربية تعمل مثلها مثل الرجل في حفر الأرض وتصليح قنوات التصريف الصحية وتجهد وتعرق، ورأيتها تلهث وتركض لتأمين عيشها وتتحمل التكاليف الثقيلة كواجب لا مناص منه طيلة عمرها تحلم بأيام العطل ولا تستطيع أن تنعم بها. لقد شاهدت الأزواج الغربيين يقفون عند دفع الفواتير الشهرية ينتظرون أن تسد المرأة نصف الفاتورة بدون أدنى رحمة وهو الواجب عليها فعله رغم أنفها، قد رأيت امرأة في سن الخمسين تذرف الدمع تشتكي لي الوحدة والجفاء، لقد مضى عمرها راقصة باليه تعتني بالحيوانات ولم تفلح في أي علاقة مع رجل، كل الرجال كانوا يستغلونها كمحطة لا يتعدى وقتها أشهرا معدودة ثم يتخلون عنها حتى تقدم بها السنّ وتفرقوا عنها، لقد قالت لي بلسانها: ليتني تزوجت مسلما! لأن صديقة لي تزوجت مسلما هي الآن معه في سعادة واطمئنان لا تشكو منّاً ولا أذى رغم كبر سنها".
فهل هذه هي الحقوق التي تطالب بها أيها المفتون بالحضارة الغربية وبحقوق الإنسان الظالمة؟! فأنتم تطلقون مثل هذه التصريحات لرضا الغرب الكافر وابتغاء مرضاتهم ونسيتم قول الله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾.
فلتعلم أنه لا يوجد مبدأ على وجه الأرض أكرم المرأة ورفعها مكاناً عليا غير الإسلام؛ أكرمها الإسلام بأن جعلها درة مصونة؛ فهي في طفولتها لها حق الرضاع والرعاية وإحسان التربية، وهي قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها، وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة، التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيدٍ بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة. وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها، وإذا كانت أماً كان برُّها مقروناً بحق الله تعالى وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض، وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها، وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة، وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يُردّ لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي، وما زالت بلاد المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية، بخلاف البلاد الغربية.
ثم إن للمرأة في الإسلام حق التملك، والإجارة، والبيع، والشراء، وسائر العقود، ولها حق التعلم، والتعليم، بل إن من العلم ما هو فرض عين يأثم تاركه ذكراً كان أو أنثى. بل إن لها ما للرجل إلا بما تختص به من دونه، أو بما يختص هو به دونها من أحكام تلائم كُلاً منهما على نحو ما هو مفصل في مواضعه. ومن إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها، ويحفظ كرامتها، ويحميها من الألسنة البذيئة، والأعين الغادرة، والأيدي الباطشة؛ فأمرها بالزي الشرعي والستر، والبعد عن التبرج، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها. ومن إكرام الإسلام للمرأة: أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها.
نعم لقد نالت المرأة في الإسلام وخاصة تحت ظل دولته أيما تكريم؛ فها هو نبينا عليه الصلاة والسلام عندما اعتدى يهود بني قينقاع على امرأة أجلاهم عن المدينة. واقتدى به خلفاء المسلمين فكانت المرأة سبباً لأعظم الفتوحات فقد فتحت عمورية تلك المدينة المحصنة لصرخة امرأة حين أهانها علوج الروم، وها هي بلاد الهند والسند بحضارتهما وتاريخهما تُفتحان ويدخلهما الإسلام تلبية لنداء مسلمة، اغتُصب حقها. فاللهم خلافة تعيد للمرأة مكانتها وللأمة عزتها.
بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع