"أصدر رئيس الوزراء آبي أحمد أوامره للقوات الحكومية بالاشتباك مع القوات الموالية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في الرابع من /تشرين الثاني/نوفمبر بعدما قال إن معسكرات تابعة للجيش تعرضت للهجوم" (بي بي سي 13/11/2020م).
وقالت منظمة العفو الدولية: إن "العشرات وربما المئات من الأشخاص تعرضوا للطعن أو التقطيع حتى الموت" في بلدة ماي كادرا يوم الاثنين.
فما أسباب هذا الصراع في إقليم تيغراي؟ وهل هو مجرد حادث عارض أم له جذور، وأطراف خارجية مشاركة فيه؟
لقد هيمنت جبهة تحرير شعب تيغراي على الجيش والحياة السياسية في إثيوبيا طوال عقود قبل أن يتولى آبي أحمد مهام منصبه في 2018م، حيث قام آبي أحمد في العام الماضي، بحل الائتلاف الحاكم، المؤلف من عدة أحزاب إقليمية قائمة على الأساس العرقي، ودمجها في حزب وطني واحد، رفضت جبهة تحرير شعب تيغراي الانضمام إليه.
وتصاعدت مشاعر العداء في أيلول/سبتمبر الماضي عندما نظم إقليم تيغراي انتخابات في الإقليم، متحدياً حظراً على إجراء جميع الانتخابات بسبب وباء كورونا.
كما يظهر أن الجبهة تشعر باستياء مما تصفه بالصداقة "اللامبدئية" بين رئيس الوزراء والرئيس الإريتري إسياس أفورقي. وعلى حسب رويترز فإن: "مصالحة آبي أحمد مع إريتريا شكلت واحدا من أهم ملفات التوتر مع تيغراي". وذلك بعد قطيعة منذ 1998، تاريخ اندلاع الحرب بينهما نتيجة لنزاع على منطقة حدودية، وإعلان آبي أحمد موافقته على تسليم إريتريا المنطقة المتنازع عليها في مثلث بادمي، تنفيذا لحكم محكمة العدل الدولية الصادر عام 2002م. (الجزيرة نت 10/11/2020م). ويتضح ذلك في رد فعل قادة التيغراي، حيث: "أكد زعيم إقليم تيغراي في شمالي إثيوبيا أن قواته قصفت المطار في العاصمة الإريترية أسمرة مساء السبت" (بي بي سي 15/11/2020م). وأوردت الجزيرة نت في 10/11/2020م، نقلا عن رويترز: "ظل التيغراي مسيطرين على مفاصل الدولة في إثيوبيا من الرئاسة إلى كبار المناصب حتى مجيء آبي أحمد"، وذلك منذ استيلاء تاميرات لاينه على الحكم في 28 أيار/مايو 1991 وهو من قومية التيغراي، ثم خلفه مليس زناوي في 1995م، حتى وفاته عام 2012 ما جعل التيغراي يحكمون إثيوبيا على مدى أكثر من 20 عاما. وحسب الجزيرة نت في 10/11/2020م: "مثلت حادثة منح الحكومة المركزية لبعض من أراضي الأورومو (جنوب العاصمة أديس أبابا) لمستثمرين، الشرارة التي أطلقت احتجاجات شعبية ظلت تخمد وتصعد مرة أخرى خلال الأعوام من 2015 حتى 2017، الأمر الذي أجبر ديسالين على الاستقالة، وبدأت التحالفات تنسج لدعم المرشحين داخل المجلس المركزي للتحالف، والمنوط به اختيار رئيس الوزراء، ففاجأت جبهة تحرير الأورومو الجميع بأنها استبدلت برئيسها لما مغرسا العقيد السابق في استخبارات الجيش آبي أحمد، والذي حصل على دعم الأمهرو رغم معارضة التيغراي".
في حزيران/يونيو: أجرى آبي أحمد أول تغيير لرئيس الأركان ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطنية، في تعديلات هي الأولى من نوعها منذ 17 عاما، وهي النقطة التي اعتبرها التيغراي استهدافا لهم كقومية باعتبار أن رئيس الأركان ومدير جهاز الأمن والمخابرات منذ وصول جبهة شعوب إثيوبيا إلى الحكم عام 1991 ظل من نصيبهم.
تتضح شدة الأزمة في محاولات الانقلاب على آبي أحمد: حيث نشر موقع سكاي نيوز وغيره، في 23/6/2018م: ("نجاة رئيس الوزراء الإثيوبي من محاولة اغتيال"، وذلك بانفجار استهدف فعالية حضرها، حيث قتل أشخاص وجُرح آخرون. وفي ذكرى هذا الحادث بعد عام في 23/6/2019م لقي قائد الجيش حتفه في إطلاق نار في أديس أبابا، وفي أمهرة قُتل حاكم الولاية ومستشاره، بينما أصيب المدعي العام في المنطقة بجروح، واتهم مكتب رئيس الوزراء رئيس الأمن الإقليمي في أمهرة، أسامينو تسيج، بالتخطيط لمحاولة الانقلاب). (بي بي سي 23/6/2019م).
وتصاعد الخلاف بين آبي أحمد وإقليم تيغراي عندما أقر البرلمان بطلب من آبي أحمد تأجيل الانتخابات العامة التي كانت مقررة في حزيران/يونيو 2020، وتمديد ولاية رئيس الوزراء التي انتهت في أيار/مايو، والتي كان من المقرر أن تجري في آب/أغسطس الماضي، وهو ما اعتبره التيغراي غير دستوري، وأعلنت رئيسة البرلمان ثريا إبراهيم المنتمية للتيغراي استقالتها من منصبها خلال مهرجان خطابي أقيم في عاصمة إقليم تيغراي (مكلي)، وقالت "لست مستعدة للعمل مع مجموعة تنتهك الدستور، إنها دكتاتورية في طور التكوين".
وتبعت استقالة ثريا إبراهيم استقالات أخرى، كما عقد حزب جبهة شعب التيغراي مؤتمره في حزيران/يونيو 2020، وخلاله أعلن أنه سينظم الانتخابات في الإقليم بصورة منفردة كما هو مقرر في آب/أغسطس الماضي، وطالب اللجنة المركزية للانتخابات الإشراف على انتخاباته.
وعقب تنظيمه لها ومشاركة حوالي 2,7 مليون ناخب فيها، رفضت الحكومة المركزية الاعتراف بها، واعتبرتها غير قانونية وغير دستورية، وردت حكومة إقليم تيغراي بأنها لا تعترف بالحكومة المركزية باعتبار أنها جسم غير دستوري.
وفي الأسبوع الأخير من تشرين الأول/أكتوبر 2020 طالب إقليم تيغراي المجتمع الدولي بالتدخل في الأزمة، ثم ألحق ذلك بالإعلان أنه يتعرض لتهديد عسكري من الحكومة المركزية.
لقد اتخذ الصراع منحى خطيراً، ظهر فيه شبح الانفصال والتمزق، حيث تكهن البعض باستخدام إقليم التغراي للمادة (39) من دستور إثيوبيا لعام 1995، والتي تنص بما معناه "لكل شعب من شعوب إثيوبيا حق تقرير المصير والانفصال غير المشروط".
هناك مشروع إجرامي يتم تنفيذه في هذه المنطقة، يرعاه الكافر المستعمر ويشرف على تنفيذ أجندته القذرة عملاؤه من الحكام والسياسيين في هذه المنطقة المهمة، فكل من يتابع يدرك عمالة آبي أحمد لأمريكا، تفوح رائحة العمالة الكريهة هذه بزيارة البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني لإثيوبيا في خضم هذا الصراع، حيث نشر موقع سودان تريبيون يوم الأحد 1/11/2020م: "البرهان في إثيوبيا برفقة مدير المخابرات ورئيس هيئة الاستخبارات" بدعوة من آبي أحمد.
كل قراءة متأنية للمشهد السياسي في إثيوبيا تؤكد أن هذه الأحداث مصنوعة ووراءها جهات استعمارية تتكسب من النزاع والصراع، وهذه الجهات لن يوقفها إلا دولة قوية تقام في هذه المنطقة الغنية بثرواتها وإنسانها، تحل المشاكل وترعى شؤون الناس بالعدل، ولا يفعل ذلك إلا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريباً بإذن الله سبحانه. قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قريباً﴾.
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع