قررت السلطة الفلسطينية إعادة سفيريها إلى كل من الإمارات والبحرين بعد أن تم استدعاؤهما سابقا على خلفية إبرام البلدين اتفاقات لتطبيع العلاقات مع كيان يهود، هذا وقال وزير السلطة الفلسطينية ورئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية حسين الشيخ، "إنه على ضوء الاتصالات الدولية التي قام بها رئيس السلطة محمود عباس بشأن التزام (إسرائيل) بالاتفاقيات الموقعة معها"، و"استنادا إلى ما وردنا من رسائل رسمية مكتوبة وشفوية"، بما "يؤكد التزام (إسرائيل) بذلك، فإنه سوف يتم إعادة مسار العلاقة مع (إسرائيل)، كما كان عليه الحال قبل 19/5/2020".
لقد جاء قرار السلطة بعودة التنسيق الأمني العلني مفاجئا للكثيرين، لأنه جاء دون مبررات ملموسة أو بوادر سابقة وبشكل دراماتيكي سريع، شكل صدمة لكل من جهل حقيقة السلطة للحظة أو غاب عنه الدور المناط بها.
فقد تذرعت السلطة لعودتها إلى التنسيق الأمني والمدني العلنيين برسائل مكتوبة وشفوية تكذبها ممارسات الاحتلال وتفضحها المستجدات على أرض الواقع.
فالسلطة الفلسطينية كانت قد ادعت وقف التنسيق الأمني مع كيان يهود، بسبب قرار ضمه للأغوار والمستوطنات المقامة في الضفة الغربية، وهو الأمر الذي لم يجدّ عليه أي جديد منذ شهور، فكيان يهود وبطلب من الإدارة الأمريكية كان قد أعلن عن تأجيل عملية الضم دون إلغائها وذلك منذ شهور، وهو ما اعتبرته السلطة في حينه غير كاف وطالبت بإلغاء القرار وليس تأجيل تنفيذه، وواصلت ادعاء وقف التنسيق الأمني، وواصل الاحتلال إجراءاته على الأرض على النحو الذي يرسخ القرار ويجعله واقعا مفروضا، من مثل زيادة النشاط والبناء الاستيطاني واتخاذ إجراءات وقرارات تمهد للتعامل مع مناطق المستوطنات والأغوار وكأنها جزء من كيان يهود لا يختلف عن الداخل المحتل.
وحتى في اللحظات التي أعلنت فيها السلطة عودة التنسيق الأمني كانت دولة الاحتلال قد خرجت بقرار رسمي ببدء الإجراءات لبناء حي استيطاني جديد، في المنطقة الواقعة بين بيت لحم والقدس، الذي يعتبر أخطر مشروع استيطاني منذ عشرات السنين، وترددت الأنباء عن عزم رئيس وزراء يهود نتنياهو التوجه إلى الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته ترامب بطلب لبناء مئات الوحدات الاستيطانية في عطروت بالقدس، واعتزامه توسيع البناء في حي (جفعات هاماتوس) أيضاً، بل وأكمل ذلك وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي زار الخميس الماضي مستوطنة "بسغوت" المقامة على أراضي مدينة البيرة وسط الضفة الغربية كخطوة مفعمة بالرسائل، وجاءت بحسب ما قال بومبيو: "بشفافية كاملة مع فريق الرئيس المنتخب جو بايدن".
فالذريعة التي اتخذتها السلطة في الظاهر كمبرر لعودة التنسيق الأمني العلني هي تطمينات فارغة من دول هامشية، ورسالة من كيان يهود مضمونها لا يستر عورة السلطة المفضوحة، بينما الواقع يكذب السلطة، وهو ما يدلل على أنّها قد اختلقت المبررات اختلاقا للعودة إلى سابق عهدها. وهو ما جر عليها سيلاً من الاتهامات من الفصائل التي تعلقت بمشاريعها أو ظنت بها خيرا، حتى دفع ذلك حسين الشيخ، رئيس هيئة الشؤون المدنية، إلى التصريح غاضبا عبر صفحته: "مواقفنا مشرفة في السر والعلن، وما يحكمنا مصلحة شعبنا"، مضيفاً: "هناك انفصام في العمل السياسي للأسف الشديد، ولغتين للبعض! لغة بالغرف المغلقة، ولغة علنية للرأي العام".
وبالنظر إلى السبب الحقيقي الذي يقف وراء عودة السلطة عن خطوتها التي أكاد أجزم أنها ندمت عليها، يمكننا أن نلحظ أنّها أدركت خلال الستة شهور الماضية أنها كانت تؤدي الدور نفسه المرسوم لها في خدمة الاحتلال دون أن تحصل على الفتات الذي كان يلقيه لها، فقد أدرك قادة السلطة أنهم يسيرون في الخط المرسوم لهم والذي هو سبب إيجاد السلطة ابتداء، وأنّ الجعجعات التي أطلقتها ومحاولة الضغط على يهود لم تثمر إلا عن إنهاكها ماليا وسياسيا، دون أن ينقص ذلك من مكتسبات يهود شيئا. فكانت خطوة المقاطعة والجعجعات هي الشجرة التي صعدت عليها السلطة وتمنت أنها لم تخطها.
فالسلطة قد وصلت إلى مرحلة صعبة ماليا وداخليا:
ماليا في ظل إعراضها عن استلام أموال المقاصة والضرائب التي يجمعها يهود من أهل فلسطين نيابة عنها بموجب الاتفاقيات، وقد أوقفت أمريكا جزءاً من الأموال التي كانت تقدمها للسلطة، وتراجعت كمية الأموال التي تصلها من أوروبا بسبب الحالة الاقتصادية التي تمر بها في ظل كورونا، وبسبب أنها تريد الضغط على السلطة ضمن ما تسميه السلطة وساطات لتعود مجددا إلى أحضان يهود بشكل علني صريح، حتى تسربت أخبار عن تلك الضغوط.
وداخليا وسياسيا، بسبب أنّ السلطة لاحظت أنها بقيت تقوم بالدور نفسه المطلوب منها كذراع أمني للاحتلال، وفي مقابل ذلك لم يعد كيان يهود ولا أمريكا يعاملانها معاملة سلطة، بل بإعراض وازدراء، وباتوا يفرضون واقع اعتبار السلطة حكام مقاطعات أو أمراء كنتونات، دون أن يقيموا لهم أي اعتبار أو يحفظوا لهم ماء وجه، وفي ظل تردي حالة السلطة داخليا وعدم قدرتها على دفع رواتب الموظفين لشهور متتالية، وتراجع مكتسبات أزلامها الذين يعتبرونها مشروعا استثماريا ومصدرا للرزق، أضعف ذلك السلطة وجعلها في حالة سيئة ترجو الخروج منها تحت أية ذريعة أو مبرر وبأسرع وقت خاصة أنها أدركت بأنها إذا أرادت أن تعول على الإدارة الأمريكية الجديدة لإنزالها عن الشجرة فإن عليها أن تنتظر شهورا عديدة لشيء ليس مضمونا أصلا.
فعمدت السلطة إلى اختلاق المبررات لتعود عن إعراضها الشكلي عن كيان يهود والعتب الناعم على الأنظمة المطبعة معهم، في سياق يدل على مدى الخزي والذلة التي وصلت إليها، ويذكر بحقيقتها ودورها القذر، فهي نبتة خبيثة هجنها الاستعمار من أجل تصفية قضية فلسطين، وتهيئة الأجواء وتمهيد الطريق أمام كيان يهود ليتمكن في الأرض المباركة فلسطين، ولتنفذ أي مشروع أو أية رؤية تفرضها عليها أمريكا حاليا بحكم أنها صاحبة اليد الطولى في المنطقة.
أما فلسطين وأهلها فلا خلاص لهم سوى أن تتحرك جيوش الأمة لتحرر فلسطين وتضع حدا لكابوس الاحتلال وأدواته كالسلطة، وأعوانه كأمريكا وأوروبا.
رأيك في الموضوع