وقعت الهند وأمريكا في الشهر الماضي على اتفاقية التبادل والتعاون الأساسية (BECA) بشأن التعاون الجغرافي المكاني، وتسمح الاتفاقية لأمريكا بتبادل البيانات المتعلقة بالمسائل الطبوغرافية والبحرية والطيران، والتي تعتبر حيوية لمواجهة الصواريخ والطائرات العسكرية بدون طيار. وبالإضافة إلى ذلك، تمكّن الاتفاقية أمريكا من إمداد الهند بمعدات ملاحية وإلكترونيات طيران متطورة فقط للطائرات التي زودت الهند بها.
وتأتي هذه الاتفاقية في أعقاب المواجهة المريرة بين القوات الهندية والصينية عبر خط التحكم في لاداخ، والتي أسفرت عن قتل عشرين جندياً هندياً. كما أنها سببت إحراجا كبيرا لحكومة مودي لفشلها في توقع حصول العدوان الصيني عبر خط التحكم، خاصة وأن جيش التحرير الشعبي الصيني ينتهك الحدود بشكل روتيني، وتنتشر التكهنات بأن اتفاقية التبادل والتعاون الأساسية هذه تهدف في المقام الأول إلى إحباط الرأي العام في الداخل وتزويد الهند أيضاً ببيانات في الوقت المناسب، حيث تشتد الحاجة إليها، حول تحركات القوات الصينية. وعلاوة على ذلك، فإنه لا يزال كون هذا الاتفاق سيمنح الهند أي ميزة استراتيجية على الصين محل جدل.
إنّ اتفاقية التبادل والتعاون الأساسية هي الأخيرة من بين أربع اتفاقيات عسكرية تأسيسية موقعة بين نيودلهي وواشنطن. ففي العام 2002، تم إبرام اتفاقية الأمن العام للمعلومات العسكرية بين البلدين، وعززت تلك الاتفاقية تبادل التكنولوجيا والمعلومات العسكرية السرية بين الحكومة الأمريكية والشركات الأمريكية، مع متعهدين من القطاع العام للدفاع الهندي ولكن ليس مع القطاع الخاص الهندي. وفي عام 2016، تم الاتفاق على مذكرة اتفاق التبادل اللوجستي، وهو يسمح بالدعم اللوجستي أثناء التدريبات العسكرية المشتركة والمساعدة الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث، وكان المستفيد الأكبر من هذا الاتفاق هو البحرية الهندية، لأنها تعتمد بشكل كبير على الدعم اللوجستي الأمريكي في تنفيذ العمليات المذكورة أعلاه.
كما وتسمح اتفاقية توافق وأمن الاتصالات الموقعة في عام 2018، للقوات المسلحة الهندية بتلقي وإرسال اتصالات مشفرة آمنة من خلال جهاز مخصص، والوصول إلى نظام المواقع (GPS) لوحدة مكافحة الانتحال. وهذه المرافق متاحة لمنصات عسكرية أمريكية المنشأ، ومع ذلك، فإنه يمكن للمنصات غير الأمريكية مثل السفن الحربية الهندية الاستفادة أيضاً من تركيب معدات متخصصة على متنها. كما وتعمل اتفاقيات الدفاع الأربع مع أمريكا على تمكين الهند من الحصول على معلومات آمنة حول تحركات القوات الأخيرة على القوات الصينية واستهداف جيش التحرير الشعبي الصيني بدرجة كبيرة من الدقة. كما تسمح الاتفاقيات للقوات المسلحة الهندية بتجديد الإمدادات مثل تزويد الطائرات بالوقود أثناء المهام العسكرية. وهذه الاتفاقيات الأربع تضاف إلى الاتفاقات النووية التي توصلت إليها نيودلهي وواشنطن في عام 2008.
وعلى الرغم من الفوائد الواضحة لمثل هذه الاتفاقيات، فإن هناك بعض العيوب التي يجب على كل من الهند وأمريكا أخذها في الاعتبار. منها أولاً، يمكن أن يؤدي استخدام الأجهزة الأمريكية لتنفيذ اتفاقيات الدفاع هذه إلى تعريض المعدات العسكرية الهندية للهجمات الإلكترونية الأمريكية، والتي قد تكون قاتلة أثناء الحرب. ثانياً، يمكن لأمريكا أن تسرق بسهولة مجموعات البيانات العسكرية الهندية الحساسة، والتي يمكن أن تضع القوات المسلحة الهندية في وضع لا تحسد عليه. ويمكن للأجهزة الأمريكية الصنع نفسها أن تقوّض من فعالية دورة إطلاق النار لقتل الهند بدءاً من اكتشاف أجهزة الاستشعار وإطلاق الصواريخ إلى إصابة أهداف العدو. أما بالنسبة لصانعي السياسة الأمريكية، فإن شراء الهند نظام الدفاع الجوي الروسي S-400 يمثّل عقبة رئيسية أمام المزيد من التكامل العسكري، ويثير التساؤل حول مدى إمكانية اعتماد أمريكا على الهند كشريك عسكري رئيسي.
ومع ذلك، فإنه من الواضح تماماً أن كلا الجانبين قد اختار الخيار الواقعي لمواجهة صعود الصين. وتعتقد أمريكا أنه من خلال توقيع هذه الاتفاقيات، فإن الهند في طريقها لتعزيز قدراتها العسكرية اللازمة لردع الهجمات الصينية. وتشترك الهند في الاعتقاد نفسه، لكنها تعتقد أنها نجحت في المناورة ببراعة للاحتفاظ باستقلالها العسكري. ومع ذلك، فإنه من خلال الاعتماد على المعدات الأمريكية والروسية، لا يزال من المشكوك فيه مدى إمكانية ممارسة الهند السيادة مع ارتباطاتها العسكرية. وقد شجبت الصين علناً اتفاقيات الدفاع، لكنها على الأرجح في مأمن لأنها على عكس الهند، فهي لا تعتمد على المعدات العسكرية الأمريكية والخبرات في الدفاع على حدودها. أما بالنسبة لباكستان، فإنه يجب على قيادتها العسكرية أن تشعر بالقلق، لأن هذه الاتفاقات تمكّن الهند من التخطيط بشكل أفضل وتمكنها من تنفيذ هجمات عسكرية، وهي ميزة مفقودة بشدة من الضربات الجوية الهندية في منطقة بالاكوت، وعلاوة على ذلك، فإن قرب أمريكا من الهند يعني أنه يتعين على كبار الضباط الباكستانيين الاختيار بسرعة بين أمريكا وبين الصين، ليس فقط للتغلب على نقاط الضعف الأمنية على عدوها اللدود الهند، ولكن أيضاً لإيجاد شريك موثوق به لتزويدها بالمعدات العسكرية.
يبدو في الظاهر، من حيث البعد الاستراتيجي، أن أمريكا هي الرابح في هذه الاتفاقيات. فقد نجحت في إرساء استنزاف الأفراد والمعدات الأمريكية لتعزيز قدرة الهند على مواجهة العدوان الصيني، وكذلك للحفاظ على درجة من السيطرة على الاشتباكات العسكرية الهندية في المستقبل. وبالإضافة إلى ذلك، تسمح الاتفاقية لأمريكا بمراقبة مبادرة الحزام والطريق في بكين والعمل بنشاط على ردع التوسع العسكري الصيني باتجاه الغرب. وأخيراً، تؤكد الاتفاقيات أن أمريكا تريد أن تجعل الهند وكيلها الرئيسي في شبه القارة الهندية على حساب باكستان. ومن خلال التضحية بباكستان، فإن أمريكا حريصة على تهدئة المنتقدين في الهند بشأن طول عمر العلاقات الهندية الأمريكية. ونتوقع رؤية المزيد من التعزيز للعلاقات الاستراتيجية تحت قيادة بايدن وهاريس.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي – باكستان
رأيك في الموضوع