بموجب أمر من رئيس الوزراء، وعقب رسائل تحذيرية من الحكومة والبرلمان الإثيوبيين، وبعد قطع شبكات الهاتف والإنترنت، وإعلان حالة الطوارئ في تيغراي، فاجأ الجيش الإثيوبي إقليم تيغراي ثالث أكبر عرقية وتمثل 7.3% من السكان، أي حوالي 7.957.000 نسمة، بقصف مخازن أسلحة ومحروقات في المنطقة، وتنفيذ عدة ضربات جوية مميتة، يوم 04/11/2020م. حيث أفرزت هذه الهجمات وغيرها موجة نزوح عالية إلى السودان، وقد "تجاوز عدد اللاجئين الإثيوبيين الذين وصلوا إلى ولايتي القضارف وكسلا فراراً من الحرب الدائرة في إقليم التيغراي 24 ألف لاجئ" (سودان تربيون)، تم إيواؤهم بشكل مؤقت في مراكز العبور الواقعة بالقرب من نقاط الدخول الحدودية وهي لودجي في القضارف وحمداييت في ولاية كسلا. و"قال مصدر حكومي سوداني لوكالة "سونا" إن عدد اللاجئين الإثيوبيين في السودان يمكن أن يرتفع إلى 200 ألف" (فرانس 24). و"قالت الأمم المتحدة إن هناك 9 ملايين شخص معرضون للنزوح بسبب الصراع المحتدم في إقليم تيغراي بإثيوبيا". (الجزيرة نت 8/11/2020م)، فاستنفرت الحكومة السودانية، التي تعاني هي الأخرى من أزمات مستفحلة، المجتمع الدولي للوقوف بجانبها، وبالطبع "أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن توفير طائرات لنقل اللاجئين الإثيوبيين إلى معسكرات جديدة تقيمها الحكومة السودانية بعيدا عن المناطق الحدودية المتواجدون فيها". (سودان تربيون).
وقد برر آبي أحمد ضرباته باتهام جبهة التيغراي بمحاولة "تدمير الجيش من الداخل" لصالح جبهة تحرير شعب إقليم تيغراي، ثم أقال قائد الجيش، ورئيس المخابرات، ووزير الشؤون الخارجية، يوم الأحد 8/11/2020، دون ذكر أسباب. وكان آبي أحمد عند تسلمه جائزة نوبل للسلام في العام 2019م تكريما له على تحقيق السلام مع إريتريا، وصف الحرب بأنها "صورة مصغرة للجحيم"، غير أنه نقض غزله فتراجع عن موقفه، وأمطر سكان تيغراي بوابل من الصواريخ، سعياً منه لمعالجة هذه الأزمة عبر الحلول الأمنية!
لقد ابتليت القارة الأفريقية برؤساء لا يجيدون إلا لغة الحرب، والحلول الأمنية التي تخدم مصالح الغرب المستعمر، فقد تسللت أمريكا إلى دول أفريقيا فأوجدت عملاء لها في كثير من الدول، ففي إثيوبيا تمسك أمريكا بمفاصل الحكم، وبخاصة بعد استلام آبي أحمد رئاسة الوزراء، حيث يقوم بتنفيذ المخططات الأمريكية، ومواجهة أي اختراق سياسي لأوروبا وبخاصة بريطانيا التي تسعى أمريكا لإخراجها مما تبقى لها من مستعمرات؛ لذلك فهي مرحلة دموية قاسية تمر بها الكثير من الدول الأفريقية، لا سيما وأن أمريكا تعتمد في مستعمراتها على القوة، فهي تأمر عملاءها أينما كانوا للحفاظ على كراسيهم لحماية مصالحها بأي ثمن.
ومع اتساع نطاق الحرب الإثيوبية، فقد يصيب غبارها السودان، مع إمكانية تسرب مسلحين إليه، وبحسب اتفاق رئيس المجلس السيادي الفريق البرهان مع آبي أحمد، في زيارة البرهان الأخيرة إلى إثيوبيا في 01/11/2020م، عقب عودته من القاهرة، اتفقا على تعزيز أمن الحدود، وذلك قبل إعلان الحرب، والجدير بالذكر أن هذه الزيارة كانت أمنية في المقام الأول، فقد رافق البرهان كل من الفريق أول ركن جمال عبد المجيد مدير المخابرات العامة، واللواء ياسر محمد عثمان، مدير هيئة الاستخبارات العسكرية، فيبدو أن الأمر مرتب له من الأطراف الموالية لأمريكا، لذلك قامت الخرطوم بإغلاق حدود ولايتي كسلا والقضارف، و"أرسلت تعزيزات عسكرية كبيرة إلى شرق البلاد، على الحدود مع إريتريا وإثيوبيا، لحماية الحدود، ولمنع تدفق مقاتلين إثيوبيين إلى السودان" (عربي 21). وواضح أن أمريكا تتابع الوضع عبر المبعوث الأمريكي بالخرطوم دونالد بوث، فقد ناقش المبعوث مع مسئولين في السودان، الأزمة في إثيوبيا واحتمالات تأثيرها على دول الجوار ومن ضمنها السودان.
فالجبهة الشعبية لتحرير تيغراي محاصرة من كل الجبهات، لأن إريتريا كذلك، من الناحية الشمالية للإقليم، قد أبرمت اتفاق سلام مع إثيوبيا في تموز/يوليو 2018م، بإيعاز من أمريكا، ولا يسعها إلا أن تقف بجانب إثيوبيا أو على الأقل في الحياد، لذلك أطلقت الجبهة الشعبية بعض الصواريخ، أصابت مطار أسمرا، أوردت قناة المنار في 15/11/2020م أن رئيس الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي قال: "نقاتل قوات إرتيرية وإثيوبية على جبهات عدة خلال الأيام الماضية"، وذكرت صحيفة الانتباهة أون لاين في 15/11/2020م: "أن جبهة تحرير شعب تيغراي التي تحكم إقليم تيغراي الإثيوبي، السبت، قد تبنت عملية إطلاق صواريخ على مطارين قريبين من المنطقة وهددت بمهاجمة إريتريا المجاورة".
أما بريطانيا، فإن مبعوثها الخاص للسودان بوب فيرويزر، يبحث عن مخارج للتسوية السلمية كعادة بريطانيا في التعامل مع مسائل طرفها أمريكا، كما هو الحال في ليبيا والسودان، فقد ناقش مع الفريق البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، "الأحداث الجارية في إقليم تيغراي بإثيوبيا، وكيفية إيجاد تسوية للأزمة"، "المصراوي 12/11/2020م).
وفي الختام فإنه من المؤلم أن عملاء أمريكا في دول المنطقة لا يلقون بالاً لحياة الناس إلا القتل والتشريد فيكون حالهم كالأيتام على مائدة اللئام، وقد كان من المتوقع إضافة أعباء جديدة على السودان عقب هذه الهجمات التي تشنها إثيوبيا على تيغراي.. فلو سألنا آبي أحمد ما هي جريرة هؤلاء النسوة وأطفالهن وكذلك الشيوخ ليتم تهجيرهم؟! وهل أفريقيا تنقصها مشاكل لاجئين لكي تفتح جبهات جديدة؟!
إنه لا يصلح أي شأن ولا يستقيم أمر الناس إلا بخلافة تخرجهم من الظلمات إلى النور.
رأيك في الموضوع