هذا عن أطراف الصراع الإقليمية في المهرة، فماذا عن الأطراف الدولية؟ إن بريطانيا كانت حاضرة في العام 2003 أيام عميلها عبد الله بن عبد العزيز ويبدو أنها ليست مع شراء السعودية للأرض التي سيعبر فيها الأنبوب النفطي، وهي داعمة للتوسع العُماني في المهرة وللوجود الإماراتي أيضاً بالتنسيق مع عُمان. وقد بدأ ذلك من خلال ظهور ضباطٍ بريطانيين منذ أواخر آب/أغسطس 2019م وحتى الآن. والتحذيرات البريطانية الهادفة لإزعاج السعودية وإبعادها عن المهرة التي أطلقتها إليزابيث كاندل من مركز الدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد المختصة في شأن اليمن حين قالت "إن هناك عداء كبيراً للتدخل السعودي في المهرة، خاصة على طول الساحل المكتظ بالسكان".
أما أمريكا وعميلها سلمان بن عبد العزيز الذي أصبح اليوم في الحكم، فهي من تحركه لإنشاء الأنبوب النفطي تجاه نشطون ليوفر عليها ناقلات النفط بتقصير المسافة عليها بإيصاله إليها على بحر العرب ليتجه إليها شرقاً بعد أن كانت تذهب عبر مضيق هرمز لتنقله من الحقول السعودية، ولتمضي قدماً في مخططاتها بشأن تفتيت اليمن، فقد أرسلت المستشارة السابقة للأمن القومي في الولايات المتحدة فرانسيس تاونسند إلى محافظة المهرة في آذار/مارس 2020م التي قامت بعدد من الزيارات الميدانية والتقت بالمسؤولين الحكوميين وغير الحكوميين في محافظة المهرة.
أما جزيرة سقطرى التي ترتبط قبلياً بالمهرة التي تقع في بحر العرب وتعد البوابة الجنوبية للبحر الأحمر ومكملاً للقرن الأفريقي من حيث موقعها البحري وقربها منه، فقد ظهرت الأعمال السياسية فيها مؤخراً في 2015م مع دخول القوات الإماراتية عدن، ووصول الهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة خليفة إلى جزيرة سقطرى تحت غطاء المعونات الإغاثية والمساعدات الإنسانية - فهي الشعار الأنسب هذه الأيام للتدخل في اليمن الذي ورثته الأنظمة الإقليمية عن ساداتها الدوليين - ومن ثم عرض الإمارات في العام نفسه تأجير الجزيرة لها لمدة 99 عاما، فقد أظهرت نواياها تجاه الجزيرة وتقديمها للعديد من المشاريع الخدمية. وحين رفض طلبها قامت بعدد من الأعمال السياسية منها إنشاء النخبة السقطرية مؤخراً في 2018م التي أرسلتها إلى عدن بهدف تدريبها عسكرياً، وتمكين المجلس الانتقالي من الجزيرة في 2020م. أيضاً شهدت جزيرة سقطرى وصول قوات ومعدات عسكرية من الإمارات التي عملت على طرد محافظ سقطرى الذي عينه عبد ربه، بقوات المجلس الانتقالي، وأرسلت الأسلحة إلى جزيرة سقطرى. والسعودية من جهتها أرسلت قواتها العسكرية إلى الجزيرة بغية السيطرة عليها، وقد تم الاتفاق بين السعودية والإمارات بشأن وجود قواتهما العسكرية على الجزيرة. كما تصرفت الإمارات وكأن جزيرة سقطرى ضمن أراضيها، فقد قامت بترتيب رحلات سياحية للأجانب إلى الجزيرة من دون التنسيق مع حكومة معين عبد الملك، كما قامت بنقل العديد من النباتات النادرة التي تحويها الجزيرة إلى بر الإمارات.
ومؤخراً أقامت الإمارات أربعة مواقع عسكرية في طرفي الجزيرة الشرقي والغربي، واستقدمت ضباطاً من كيان يهود ليتشاركوا معها في الوجود على الجزيرة، كما يتشاركون مع إيران ويعملون معا في الوجود على الجزر الإريترية الواقعة في مضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر حين قام كيان يهود ببناء قاعدة كبيرة له في جبل أمباساريا. التعاون الإماراتي مع كيان يهود يأتي لهدف إقامة تعاون استخباراتي بإنشاء قواعد استخباراتية في جزيرة سقطرى في اليمن في ظل تعاون سري مستمر بينهما منذ أعوام عديدة، ومن بين أهدافه المعلنة مراقبة تحركات قوات الحوثيين عن كثب والسيطرة على الملاحة البحرية في المنطقة.
تعود أهمية جزيرة سقطرى هذه الأيام لمشروع أمن البحر الأحمر الذي أطلقته أمريكا قديماً وحديثاً بغرض إبعاد سيطرة بريطانيا الفعلية عليه منذ قرابة قرن من الزمان، وأن تستبدل بها سيطرتها على شواطئ البحر الأحمر من جهتيه الشرقية والغربية. مؤتمر أمن البحر الأحمر دعا له إبراهيم الحمدي من تعز في آذار/مارس 1977م وحضره سالم ربيع علي وقتلهما البريطانيون، ويدعو إلى مؤتمر أمن البحر الأحمر اليوم سلمان بن عبد العزيز في الرياض في كانون الثاني/يناير 2020م.
ظلت أمريكا منذ منتصف العقد الأول للقرن الحالي يراودها حلم السيطرة على جزيرة سقطرى بإقامة قاعدة عسكرية لها عليها، لكن بريطانيا تمنعها، فلم يتحقق حلم أمريكا حتى اللحظة، لكنها تدفع اليوم بالسعودية كي تعمل على جعل الحلم حقيقة، فيما تدفع بريطانيا بالإمارات.
وهكذا يشتد الصراع الدولي بين بريطانيا وأمريكا للسيطرة على اليمن، الذي حذر منه حزب التحرير في ولاية اليمن منذ العام 2008م بإقامته ندوة تحت عنوان "الصراع على اليمن في ظل غياب دولة الخلافة"، وليس لأهل اليمن سوى العودة إلى الإسلام بالعمل مع حزب التحرير لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، بدل أن يتجاذبهم الأعداء في صراع يجعلهم عبيداً لهم من دون الله، يحققون مصالح دول الغرب بدماء أهل اليمن.
رأيك في الموضوع