بعد مضي تسع سنوات على ثورة الشام، بات الحديث عن الحل السياسي مطروقاً بشدّة، وتكاد تُجمع عليه القوى الدولية المتدخلة في الشأن السوري، بل حتى إن النظام المجرم والمعارضة العلمانية يطالبون بتطبيقه، وتنفيذ بنوده، فما هو هذا الحل؟ وهل بات يحقق مصالح الجميع؟ وما هو البديل؟
إن المتابع لقضية الثورة في الشام يجد أن أول تدخل دولي فيها كان عبر عقد مؤتمر جنيف في صيف 2012، حيث وُضعت بنود الحل السياسي الذي اختارته أمريكا ليكون علاجاً للوضع القائم في سوريا، وأهم ما في بنوده هو الحفاظ على مؤسستي الجيش والأمن، رغم كل الجرائم التي ارتكبتها هذه الأجهزة قبل وأثناء الثورة، وكذلك فمن بنوده محاربة (الإرهاب)، الذي يهدف إلى صرف توجه الثورة من هدف إسقاط نظام الإجرام إلى محاربة (الإرهاب) الذي ستجعله سيفا مصلتاً على رقاب فصائل الثورة وذريعة تحارب بها كل من يخرج عن توجهات أمريكا، ومن أهم بنوده أيضاً تشكيل حكومة انتقالية مشتركة بين النظام القاتل ومعارضته العلمانية التي صُنعت في أروقة المخابرات الدولية.
وإذا ما تابعنا كل المؤتمرات واللقاءات وحتى التدخلات العسكرية الدولية في الشام نجدها كلها تؤكد أنها تقوم بذلك لأجل تحقيق الحل السياسي الأمريكي، فمثلاً نجد روسيا عندما تدخلت في سوريا عام 2015م قال بوتين: "إن الحل الوحيد للأزمة في سوريا يمر بتعزيز فعالية المؤسسات الحكومية، ودعمها لمكافحة الإرهاب، وذلك بالتزامن مع متطلباتها بإجراء إصلاحات وتشجيع المعارضة العقلانية للدخول في حوار بناء". وفي كل الاجتماعات المتكررة بين تركيا وروسيا وإيران يتفقون على مفاوضات سياسية ووقف موسع لإطلاق النار في سوريا، من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة القائمة في سوريا.
إن الحقيقة التي طالما أكدنا عليها هي أن أمريكا هي من رسمت الحل السياسي وحددت بنوده وكانت الدول الأخرى تأخذ دورها في تنفيذ هذا الحل والدفع لتحقيقه، ورغم عدم إنجازه حتى الآن إلا أنه في كل مرحلة تتم تهيئة الأجواء والظروف لقبول تطبيقه؛ فبين الفينة والأخرى نسمع عن اللجنة الدستورية وعملها، واجتماعاتها، ثم تنطفئ بعد حين، لتخرج علينا هيئة المفاوضات العليا وتحدثنا عن مفاوضاتها مع النظام، ثم ما تلبث أن تتوقف، وهكذا دواليك... نجد أن هذه الأعمال يُراد منها تهيئة الأجواء لجعل الرأي العام يتقبل فكرة التفاوض مع النظام والجلوس معه على طاولة واحدة.
إننا يجب أن ندرك أن الحل السياسي الذي تسعى له أمريكا والذي أرست أسسه في جنيف، وأخذت تمهد له في المؤتمرات المختلفة اللاحقة يهدف إلى المحافظة على النظام المجرم وتثبيت أركانه، ومن أجله سمحت أمريكا لروسيا أن تتدخل وتدافع عن نظام أسد المجرم، ومن أجله أدخلت تركيا وإيران وعقدت المفاوضات والمؤتمرات التي أفضت إلى ما نحن عليه اليوم من انحسار شديد لمناطق الثورة في الشمال، وتسليم المناطق الواسعة لنظام الإجرام رغم ضعفه.
وإذا كان هذا واقع الحل السياسي - الذي بأحسن صوره سيعيد تشكيل نظام الإجرام من جديد بأسماء جديدة - فإن الواجب على أبناء ثورة الشام رفضه وعدم السير فيه، بل والعمل على إفشاله وإبطال هذا المكر العظيم، فهو إن تم تطبيقه ففيه إنهاء للثورة وتضييع لتضحياتها الجسام... وحتى يتم رفض هذا الحل لا بد من تبني بديل له، ومشروع واضح نسعى لتحقيقه متمسكين بأهداف الثورة التي خرجنا من أجلها، لنسير على بصيرة نعرف الخطوات العملية التي يجب على الثورة أن تسير بها حتى تتخلص من النظام المجرم ومن كل داعميه وأسياده.
إن الخيار الوحيد للبديل الصحيح يجب أن يكون من خارج هذه المنظومة الدولية لأنه ثبت تورطها في التآمر على الشام وأهلها، فلا بد من النظر بعيداً عن الدول القائمة في العالم اليوم، فهي إما قد شاركت في الحرب علينا أو تخاذلت عن نصرتنا أو ادّعت صداقتنا فطعنتنا في ظهورنا وقادتنا إلى هلاكنا.
ناهيك عن أن الثورة قد جربت التعلق بحبال هذه الدول فجنت الويلات وخاب الرجاء فيهم جميعاً.
وبهذا يكون البديل الوحيد هو اللجوء إلى الله قولا وعملاً، بعد قطع الحبائل مع غيره، لا بد من توثيق العروة والتمسك بحبل الله المتين، والاعتصام به يكون بتنفيذ أوامره بالتبرؤ من كل ارتباط مشبوه، ورفض كل مؤتمر يضيّع الجهود والتضحيات، ثم عقد العزم على توحيد الصف والتوكل على الله والانقياد لمن ثبت صدقه، واستقامت سيرته، ويكون ذلك مع تبني المشروع الذي يحقق مرضاة رب العالمين ويرفع الظلم عن المسلمين، ويحقق فوزهم وعزهم "مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة " كما بشر بها رسول الله ﷺ عندما قال: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
رأيك في الموضوع