وصل يوم الثلاثاء 25/08/2020م إلى الخرطوم قادماً من كيان يهود، وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي غرد على حسابه على موقع تويتر قائلاً: "يسعدني أن أكون على متن أول رحلة رسمية دون توقف من تل أبيب إلى الخرطوم". وكانت الخارجية الأمريكية قد ذكرت في نشرة صحفية أن أجندة زيارة بومبيو إلى السودان تتضمن ترسيخ العلاقات بين السودان وكيان يهود، وفي زيارته التي استغرقت ساعات أجرى بومبيو لقاءات مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.
وعقب لقاء بومبيو بحمدوك خرج البيان الرسمي، وتصريح وزير الإعلام الناطق باسم الحكومة ليعلن: "أن رئيس الوزراء السوداني أبلغ ضيفه الأمريكي أن حكومته بحكم كونها انتقالية لا تملك تفويضاً ببحث قضية تطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، وأضاف: إن القضية لا يمكن بحثها إلا بعد إكمال هياكل الحكم الانتقالي؛ يقصد بذلك تعيين المجلس التشريعي؛ عقب توقيع اتفاقية مع الحركات المسلحة"، وذهب حمدوك أبعد من ذلك حيث دعا الإدارة الأمريكية للفصل بين عملية رفع اسم السودان من قائمة (الإرهاب) ومسألة التطبيع مع كيان يهود، وبشأن الملفات الأخرى التي وردت في سياق اللقاء ذراً للرماد في العيون كملف دعم أمريكا للحكومة الانتقالية، طالب حمدوك في تغريدة على حسابه الرسمي في تويتر عقب اللقاء مباشرة: "أتطلع إلى خطوات إيجابية ملموسة تدعم ثورة ديسمبر المجيدة". أما لقاء بومبيو بالبرهان فلم يعقبه بيان رسمي أو تصريحات.
لقد أعلن عن زيارة بومبيو للسودان بشكل متعجل ومفاجئ، وهي الزيارة التي تأتي لدول المنطقة بدءاً من كيان يهود، ثم السودان والإمارات والبحرين وقطر وسلطنة عمان، وذلك في سياق تحريك جريمة القرن؛ تصفية قضية المسلمين في فلسطين المغتصبة لصالح شذاذ الآفاق يهود؛ لدمج كيانهم في المنطقة، على طريقة الورم السرطاني، ليعزز من نفوذ الغرب الكافر، في أمة الجسد الواحد؛ رجاءة أن يقعدها هذا الورم السرطاني، ويحول بينها وبين العافية والحيوية التي تدب فيها بشكل متصاعد.
بالرغم من أن حكام المسلمين العملاء هم وكلاء الغرب الكافر وأدواته وأذرعه التي يستخدمها لتمرير مشاريعه الإجرامية في بلادنا؛ والتي منها جريمة القرن التي أطلقها ترامب، ويسعى وزير خارجيته بومبيو عبر هذه الجولة؛ ولغرض انتخابي أيضاً أن يعقد مؤتمر سلام إقليمي، حيث نقلت صحيفة (يسرائيل اليوم) عن مصادر سياسية يهودية وأمريكية الثلاثاء 25/08/2020م، أن بومبيو يسعى إلى الترتيب لعقد مؤتمر سلام إقليمي؛ برعاية واشنطن، يعقد في إحدى دول الخليج العربي. (صحيفة الشرق الأوسط العدد 15247).
فبالرغم من خيانة الحكام، لماذا لم يجد بومبيو عند حمدوك ما أراده؛ من إعلان التطبيع بين السودان وكيان يهود، علماً بأن بيان الخارجية الأمريكية عقب اللقاء ورد فيه: "إن الجانبين بحثا التطورات الإيجابية في العلاقة بين السودان و(إسرائيل). (صحيفة الشرق الأوسط 15247).
فهل رضي بومبيو من الغنيمة بالإياب؟ ولماذا هذا الموقف من حمدوك والذي يبدو للسذج أنه جيد بإبلاغه لبومبيو أن حكومته لا تملك تفويضاً للتطبيع مع كيان يهود؟! وهل أخذ بومبيو من البرهان المطيع ما أراده؛ أي ضمان مشاركة السودان في المؤتمر الإقليمي للسلام المزعوم؟
إن حكومة حمدوك منقوصة الصلاحية، والتي تأخذ تعليماتها من السفارة البريطانية، فوجئت على ما يبدو كعامة أهل السودان؛ بوضع الخرطوم بوصفها إحدى محطات زيارة بومبيو الماكر، وحتى لا تمكنه من أن يضع على عاتقها خيانة جديدة؛ غير مدفوعة الثمن على طريقة أمريكا، في الوقت الذي تآكلت فيه شعبية حمدوك وحكومته الفاشلة على كافة الصعد، مما حدى بحمدوك أن يخرج ذليلاً ضعيفاً ويعلن قائلاً: "إذا طلب مني الشعب التنحي سأغادر وأقول له تعظيم سلام" (صحيفة السوداني 21/8/2020م).
على ضوء هذه الحيثيات أخذت السفارة البريطانية الراعي الرسمي لحكومة حمدوك حذرها من هذه الزيارة؛ ليظهر ذلك في سلوك الحكومة، حيث استبق وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين الزيارة بالتصريح يوم الاثنين 24/8/2020م قائلاً: "إن الخرطوم لم تناقش في أي لحظة الموقف من (إسرائيل)، وأضاف: هذا الأمر سياسة عليا لا يجوز لأحد أن يتحدث فيها؛ إلا بأمر أو إذن، وحكومة السودان لم تناقش ذلك". (عربي 21).
وعلى طريقة وضع العراقيل، استبق حمدوك الزيارة بالدعوة يوم الاثنين إلى اجتماع اللجنة المركزية مع قوى الحرية والتغيير، وبحسب مصادر مع باج نيوز: "أن حمدوك تشاور مع اللجنة حول التطبيع والرد الذي يمكن أن يبلغه إلى وزير الخارجية الأمريكي، واتفقت المكونات السياسية على إبلاغ بومبيو بأن مسألة التطبيع ليست من صلاحيات الحكومة الانتقالية"، وبذلك قطع الطريق على وزير الخارجية الأمريكية من استخدام الحكومة الانتقالية، للسير في طريق التطبيع في هذه المرحلة.
إن الموقف الشرعي بالنسبة للتطبيع مع كيان يهود؛ هو الذي حملته لافتات الوقفة الاحتجاجية؛ التي نظمها شباب حزب التحرير/ ولاية السودان، على بعد أمتار من القصر الجمهوري، ومما كتب على اللافتات:
- فلسطين أرض إسلامية مباركة، يجب على جميع المسلمين العمل على تحريرها بإقامة الخلافة الراشدة.
- ليس لكيان يهود إلا السيف وإلى مزبلة التاريخ كل الاتفاقيات الخيانية والحكام العملاء.
هذا هو الموقف الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، أما المطبعون تحت الطاولة، والذين يرهنون التطبيع بإكمال هياكل السلطة، وأخذ آراء الفسقة والجهلة والمغرر بهم؛ فإنها جميعها آراء منبتة، تغضب الله سبحانه وتعالى، وهي خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.
إن موقف حكومة حمدوك؛ الذي جوهره تأجيل قضية التطبيع مع كيان يهود، إنما هو موقف تكتيكي، يفهم في إطار الصراع في الساحة السياسية السودانية بين قطبي الاستعمار القديم؛ بريطانيا، والحديث؛ أمريكا، ولا علاقة له بالمبادئ والقيم فهي كلمات لا وجود لها في قاموس السياسة على أساس فصل الدين عن الدولة.
أما البرهان المطيع والذي هرول إلى لقاء رئيس وزراء كيان يهود في عنتيبي بأوغندا في 3 شباط/فبراير 2020م بمجرد مكالمة هاتفية من بومبيو، فكيف به وبومبيو بنفسه يأتيه إلى القصر الجمهوري؟! لا شك أن ما قاله بومبيو من تعليمات سيقع عند البرهان وبقية عملاء أمريكا في موقع التقديس لا مجرد الطاعة، وهو ما تكشف عنه قابل الأيام من خطوات في طريق الخيانة! طريق التطبيع مع العدو الغاصب.
إن موعد هذا الوسط السياسي؛ الذي اعتلى سدة الحكم بليل، وسرق ثورة أهل السودان، إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب؛ صبح يستجيب فيه بعض المخلصين من أهل القوة والمنعة؛ فيسلموا السلطة لحزب التحرير، ليعلن إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، خلافة تقتلع جذور الكافر المستعمر من بلادنا، وتطهر أرضنا من دنسهم، وتكنس كيان يهود كنساً، وتوحد أمتنا، وكل ذلك إنما يتحقق بوضع الإسلام موضع التطبيق، وحمله إلى العالم. ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾.
بقلم: المحامي حاتم جعفر (أبو أواب)
عضو مجلس الولاية لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع