غالباً ما يقترن تسجيل المطبّعين لصفحاتهم الخيانية السوداء في سجلات تاريخ الأمّة الأسود بصفعات من الذل والاحتقار يُوجهها إليهم أسيادهم من الكفار المستعمرين، فلم يكد يجف الحبر الذي وقّعت به دولة الإمارات اتفاقية التطبيع الخيانية مع كيان يهود حتى تلقّت منه صفعتين شديدتين:
الصفعة الأولى: نفي كيان يهود لمزاعم حكام الإمارات من أنّ الاتفاقية تقضي بوقف ضم كيان يهود لأراضٍ فلسطينية، فقال نتنياهو رئيس وزراء كيان يهود: "بموجب الاتفاقية فإنّ (إسرائيل) لا تحتاج للانسحاب ولو من مترٍ مُربعٍ واحد، ولم يطرأ أي تغيير على خُطة ترامب، ومسألة السيادة على الأراضي ما زالت مُدرجة".
الصفعة الثانية: دحض كيان يهود لادعاء حكام الإمارات بأنّ الاتفاقية تسمح لها بشراء طائرات F- 35 المتطوّرة وطائرات أمريكية مُسيّرة من دون طيّار، فأيضاً كذّب نتنياهو هذا الادّعاء، وقال بأنّه لن يُسمح للإمارات ولا لغيرها من الدول العربية باقتناء مثل هذه الأسلحة المتطورة، ولو وقّعت اتفاقيات سلام مع كيان يهود، وإنّ استمرار التفوق النوعي لكيان يهود مسألة لا تفاوض عليها.
والنتيجة أنّ هذه الاتفاقية التطبيعية الخيانية التي وقّعتها الإمارات مع كيان يهود لم تُسفر إلا عن خدمة المصالح الأمريكية والغربية واليهودية في المنطقة، فبالإضافة إلى الاعتراف بكيان يهود وإقامة العلاقات الدبلوماسية معه، وتبادل السفراء، وتدشين السفارات بينهما، فبالإضافة إلى ذلك فقد تم توقيع اتفاقيات أمنية لمحاربة الإسلام والمسلمين، وسارع رئيس مخابرات كيان يهود يوسي كوهين بزيارة الإمارات ولقاء رئيس مخابراتها طحنون بن زايد لتنسيق تنفيذ بنود هذه الاتفاقيات، وكذلك تم توقيع اتفاقيات مُتنوّعة أخرى كاتفاق مجموعات عمل إماراتية يهودية تتشارك في أبحاث علمية تتعلّق بكوفيد-19، وكفتح المجال الجوي لطائرات كيان يهود، وكإبرام اتفاقيات اقتصادية تتضمن تدفق رؤوس الأموال الخليجية الضخمة على الكيان، والأغرب من ذلك كله التوقيع على اتفاقيات تتعلّق بالتربية والتعليم، وكأنّه لا يكفي دولة الإمارات تمكين الأمريكان والإنجليز من الإشراف على المناهج التعليمية فيها، بل إنّ حكامها يريدون أيضاً تمكين يهود من الإشراف على تلك المناهج!!
لقد فتحت اتفاقية التطبيع الإماراتية هذه مع كيان يهود شهية الحكام العرب الخونة الآخرين، فأبرقوا بتهانيهم الحارة لحكام الإمارات على توقيعهم للاتفاقية، ولم يعترض عليها منهم مُعترض، وقال نتنياهو: إنّ هناك دولاً عربية عديدة تُطبّع مع (إسرائيل) بالسر أو بالعلن، "ولم تعُد دولة (إسرائيل) عدواً لهذه الدول كما كانت في السابق، بل هي الآن حليف وشريك في السلام".
لقد بات حال الدول العربية اليوم كحال الذي يقف في الطابور، وينتظر دوره لينال بركات ذلك التطبيع مع هذا الكيان السرطاني المغتصب لفلسطين.
أمّا الدول غير العربية القائمة في البلاد الإسلامية فلم يخرج عنها أي موقف ذي بال، ولعلّ أبرزها موقفا إيران وتركيا؛ أمّا إيران فقد عودنا حكامها منذ إحدى وأربعين سنة على الدجل الإعلامي والتصريحات الكلامية الفارغة، والزعم برفضها للحلول السلمية مع كيان يهود، وتزعّمها لمحور الممانعة والمقاومة الفاشل الذي طالما يتلقّى ضربات دولة الاحتلال، في الوقت الذي لا يملك فيه سوى الاحتفاظ بحق الرد عليها إلى أجلٍ غير مُسمّى، وبالتالي فلا يصدر عن إيران سوى الأقوال الطنانة التي لا تُترجم إلى أفعال مُطلقاً!
وأمّا تُركيا فحكامها الذين دائماً ما يحرصون على المحافظة على العلاقات الدبلوماسية والأمنية والتجارية والاقتصادية والسياحية مع كيان يهود نجدهم هذه المرة يعترضون على العلاقات التطبيعية الجديدة بين الإمارات وكيان يهود لا لشيء سوى المناكفات السياسية والمُزايدات الإعلامية! فلو كان حكام تركيا صادقين حقاً في اعتراضهم لقاموا هم أوّلاً بقطع علاقاتهم مع ذلك الكيان الغاصب لمسرى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
على أنّ هؤلاء المطبّعين لم تبدأ مسيرتهم الخيانية من تاريخ توقيعهم للاتفاقيات مع كيان يهود، بل بدأت منذ قبولهم بالقرارات الدولية، وعلى سبيل المثال فلا فرق بين من يُنادي بإقامة الدولتين، وبين من يقبل بتوقيع اتفاق (سلام مُقابل سلام) كما فعلت الإمارات، وعليه فكل من يقبل ابتداء بوجود حق لكيان يهود على أرض فلسطين المباركة فهو من المطبّعين سواء أوقّع أم لم يُوقّع، لأنّ مُجرد الإقرار بوجود حق سياسي ليهود بوصفهم كياناً على أرض فلسطين فهذا يعني وجود القابلية عنده للتطبيع.
فالمسألة إذاً ليست مسألة اتفاقات سلام أو تطبيع، وإنّما المسألة هي وجود الاستعداد لدى المطبّعين لقبول وجود كيان يهود على أي قطعة أرض من فلسطين، والذي يجري حالياً مُنذ مُدةٍ طويلة إنّما هو التطبيع مع كيان يهود على مراحل أو على شكل جرعات، وبالتالي فلا يوجد فرق بين حكام كل من مصر والأردن والإمارات وتركيا وقيادات مُنظمة التحرير التي تُقيم علاقات وتُوقّع اتفاقيات، وبين حكام السودان وعُمان والبحرين وسائر الدول التي لم تُوقّع بعد، فكل هذه القيادات لديها الاستعداد للتوقيع من دون أي فرق بينها.
والذي يُقرّر منْ مِنَ الدول التي جاء دورها للتوقيع على اتفاقيات مع كيان يهود في هذا الوقت أو بعد ذلك ليست هي قيادات هذه الدول، وإنّما هي أمريكا والدول الغربية الرئيسية الأخرى التي تضع جدولاً لمواعيد توقيع الدول للاتفاقيات حسب الظروف والمتطلبات السياسية التي تراها مُناسبة.
إنّ الحل الصحيح للصراع مع كيان يهود لا يكون إلا باجتثاث كيان يهود من جذوره بالعمل الجهادي، ولا يتمّ ذلك إلا من خلال دولة الخلافة الراشدة التي تُسيّر الجيوش لاقتلاع هذا الكيان المسخ وإزالته سياسياً وعسكرياً ومؤسّساتياً وإلغاء وجوده كلياً.
رأيك في الموضوع