على الرغم من التزام السلطة وأجهزتها الأمنية بأوامر أمريكا، المتمثلة في التنسيق الأمني ومحاربة الإسلام، وعلى الرغم من انخراطها العلني في مشاركة كيان يهود بملاحقة المجاهدين واعتقالهم بل حتى قتلهم، وعلى الرغم من تنفيذ السلطة لحملتها الغاشمة التي أسمتها حملة حماية وطن، والتي ارتكبت فيها نسخة عن جرائم الاحتلال من حصار وقطع للمياه والكهرباء، وتهجير للسكان، واعتقال وتصفية للمطاردين، واقتحام للمستشفيات واعتقال للمصابين، وعلى الرغم من أن الحملة كانت بأوامر وتخطيط وتمويل أمريكي وبتنسيق وتعاون كامل مع يهود، على أمل نيل الرضا منهم...
وبعدما طالبت السلطة وأجهزتها الأمنية أمريكا بتمويل الحملة بمبلغ ٦٨٠ مليون دولار مقابل القضاء على المجاهدين في جنين، "كشف موقع ميدل إيست آي البريطاني، أن السلطة الفلسطينية طلبت من الولايات المتحدة الموافقة على خطة أمنية لمساعدتها، بقيمة 680 مليون دولار لمدة 4 سنوات، مقابل القضاء على المقاومة في مخيم جنين". (عربي21، 6 كانون الثاني 2025م).
وبعدما ظنت السلطة وأجهزتها الأمنية أن أمريكا ستكافئها بالمال وبالسيطرة على غزة. ومع أنها ما زالت ملتزمة بتنفيذ جميع الشروط والمطالب المصاحبة لأي تمويل من أي جهة كانت، وآخرها إصدار رئيسها محمود عباس قبل أيام مرسوما رئاسيا يلغي قوانين وأنظمة تتعلق بدفع مخصصات لعائلات الشهداء، والأسرى في سجون الاحتلال، ويحيلها إلى المؤسسة الوطنية للتمكين الاقتصادي برئاسة سيئ السمعة أحمد مجدلاني...
إلا أنه وفي قرار مفاجئ "أعلنت الإدارة الأمريكية مساء اليوم الأربعاء، وقف كامل التمويل المخصص لأجهزة السلطة الفلسطينية. وقالت مصادر عبرية إن إدارة ترامب أوقفت تمويل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، ضمن الإجراءات التي تسعى إلى تجميد المساعدات الدولية التي تقدمها" (وكالة معا)
ويأتي الإعلان متزامنا بالذات مع قيام السلطة بمداهمة منزل في منطقة السفاين في محيط مخيم الفارعة أعقبه هجوم لجيش الاحتلال أدى لاستشهاد ثلاثة مجاهدين أحدهم تم الإفراج عنه من سجن السلطة في طوباس في اليوم نفسه.
فما الدافع وراء هذا القرار؟ وما النتائج التي قد تترتب عليه؟
أولاً: إن العنجهية والتكبر والوقاحة التي يمتاز بها ترامب تجعله يتوقع أن يحصل وإدارته على ما يريد بدون مقابل، فهو ينظر إلى العالم كله نظرة استعلائية حتى أوروبا لا تخرج منها، ومن باب أولى أن تكون هذه نظرته للدول وللأنظمة العميلة القائمة في بلاد المسلمين، ولشبيهة الدولة السلطة الفلسطينية، فهو يرى أن هذه الأنظمة يجب أن تكون مطيعة وممتنة له لمجرد أنه يسمح ببقائها على كراسيها، ولا يرى أنه ملزم بدفع مقابل إضافي ليحصل على خدماته، وإن كان من شيء سيقدمه لها فلا بد أن يكون بمقابل إضافي منها.
ثانيا: ترامب يتصرف بعقلية التاجر الجشع الذي يريد أن يحصل على ما يريد بأقل الأسعار والتكاليف ولذلك فتخفيض النفقات وزيادة الأرباح من أهم أولوياته في علاقة إدارته مع الجميع، وربما يكون أكثر رئيس أمريكي يذكر المال في خطاباته.
ثالثا: إن الإدارات الأمريكية وخاصة إدارة ترامب تصر على أن تحصل من نواطيرها على الخدمات وأن ينفذوا الأوامر والتعليمات على أكمل وجه، ولا تقبل منهم أي تقصير أو فشل. وهذا مما يحصل مع سلطة دايتون، فمهمتها التي أوكلتها لها أمريكا هي أن تجعل أهل فلسطين جميعا في عقلية وحالة لا تشكل أدنى خطر على كيان يهود، بل ودفعهم إلى الهجرة منها، وهذا ما فشلت فيه السلطة مرارا وتكرارا، فمهما حاربت أهل فلسطين في أرزاقهم وأفكارهم بل وقامت بمطاردتهم وسجنهم وقتل أبنائهم إلا أنهم برباطهم متمسكون يخرج فيهم المجاهدون ويلتف الناس من حولهم، وهذا فشل تستحق السلطة العقوبة عليه في نظر أمريكا ويهود، حيث إنهما يحمّلانها المسؤولية عن فشلها في منع الأعمال الجهادية ضد كيان يهود، ويريدون منها إتقان تنفيذ المهمة الموكلة لها في حماية أمنه.
"إسرائيل تعاقب السلطة الفلسطينية وتقرر احتجاز 90 مليون دولار من أموال الضرائب... وتحويلها إلى عائلات إسرائيلية تزعم أن أفرادا منها قتلوا بهجمات نفذها فلسطينيون". (سما الإخبارية، 18 شباط/فبراير 2025م)
رابعا: لطالما دأبت السلطة على الوفاء بالتزاماتها وتنفيذ الشروط التي تُملى عليها من كل ممول وداعم، غير آبهة ببشاعة الجريمة التي ترتكبها بحق فلسطين وقضيتها وأهلها مقابل الحصول على هذا المال من الداعمين ومقابل بقائها على كرسي تتسلط به على رقاب الناس وتقتات من أموالهم وأرزاقهم ولو كان هذا الكرسي كرسي إدارة محلية أو بلدية، فالإدارات الأمريكية المتعاقبة قد تساوقت مع يهود في تقويض ما يسمى بحل الدولتين الذي كانت السلطة تمني نفسها وأتباعها به، والإدارة الحالية بقيادة ترامب تتحدث بوضوح عن التهجير وإعادة التوطين، وعن الاعتراف بشرعية المستوطنات وبضم الضفة لكيان يهود بعد أن صرح أقطاب فيها بأن اسمها الذي يؤمنون به هو "يهودا والسامرة"، ولم يجعل هذا كله السلطة تفكر لحظة في تغيير شيء من نهجها الخياني المعادي لأهل فلسطين.
وهكذا تظهر الأسئلة المعتادة: إذا كانت أمريكا وأدت حل الدولتين وفي الأثناء توقف الدعم المالي عن السلطة وأجهزتها الأمنية، وأعضاء حكومة اليمين في الاحتلال يطالبون بإنهاء وجود السلطة حتى بشكلها الحالي الممسوخ، فما الجائزة التي تطمع السلطة في الحصول عليها مقابل حربها على أهل فلسطين؟ وما المبرر الذي يستخدمه أذنابها لتبرير انحدارها المستمر في خدمة أمريكا وحماية يهود؟
والسؤال الأهم: هل هناك ثمن جديد ستدفعه السلطة مقابل إعادة الدعم؟ وما هي المهمة الجديدة التي ستقوم بها طمعا في حفنة من مال؟
وأخيرا، فمهما فعلت السلطة ومهما فعل يهود، ومهما أمسكت أمريكا وأوروبا أو أنفقت، فإن أعمالهم إلى فشل وحسرة وخسران، فالأمة تواقة إلى سبيل الله ولا تبيع دينها وأقصاها بعرض من الدنيا قليل.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾
بقلم: الأستاذ عامر علي أبو الريش – الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع