تستعد الحكومة الانتقالية في السودان للاحتفال بمرور عام على ثورة كانون الأول/ديسمبر التي أسقطت نظام البشير بعد احتجاجات عمت كل ولايات البلاد نتيجة للأزمات المتلاحقة، من أزمة الخبز مرورا بنقص السيولة واصطفاف الناس أمام الصرافات أملا في الحصول على أموالهم التي أودعوها في البنوك، ثم انعدام الوقود ما أدى إلى تكدس الناس في مواقف المواصلات العامة والأسواق. وكان خروج الناس ذاتيا ولم يكن للأحزاب دور فيه. هذه الأوضاع في ظل الحكومة المدنية لم تتغير بل تفاقمت وذهبت وعود الحكومة، حتى بعض القرارات التي أصدرها حمدوك لم يستطع تنفيذها مثل قرار أمر مركبات الدولة بنقل الناس بعد توصيل منسوبيها، ففي تنفيذه فشلوا والضائقة المعيشية اكتوي الناس بنارها وذهبت الوعود بحلها أدارج الرياح وكأنه لا يملك سلطاناً على هذه الإدارات.
وانكشف عجز الحكومة في الاقتصاد بعد أن ضللت الناس بأنها جاهزة وتملك خطة إسعافية قادرة على حل الأزمات، فكبيرهم الذي أتوا به رئيسا للوزراء فضح كذبهم، وقال عند زيارته للجالية السودانية في الإمارات إن قوى الحرية والتغيير لم تسلمه البرنامج الإسعافي. بعدها قامت (قحت) بطرح خطتها الإسعافية ويا ليتها تصل لمرحلة برنامج! فرؤية الحكومة للملف الاقتصادي هي نفسها رؤية النظام البائد، وهي الاعتماد على المنح والقروض الربوية من صناديق المال العالمية، وما تصريح وزير المالية إبراهيم البدوي الأخيرإلا دليل؛ حيث قال الرجل إن البلاد تحتاج إلىما يصل لخمسة مليارات دولار دعما للميزانية لتفادي انهيار اقتصادي، والسفريات المكوكية التي يقوم بها رئيس الوزراء للدول الأجنبية والمؤتمرات واللقاءات التي يعقدها وزير المالية والوزراء على حد سواء لإيجاد مخرج ومنفذ للأزمة، ولم يهدأ حمدوك قط؛ فبين الحين والآخر نسمع بزياراته للدول المختلفة، فالفكرة الأساسية عندهم يأخذونها من المبدأ الرأسمالي وهي فكرة عاجزة فاشلة لا تملك حلولاً. فعلامَ الاحتفال وأنتم الفشل الذي يمشي على رجليه؟!
بعد مرور عام على ثورة كانون الأول/ديسمبر لا يزال النظام العلماني هو المطبق في الحكم، فالذي تغير هو شكل التطبيق، حيث كان في السابق علمانية ملتحية متخفية خلف شعارات الإسلام، والآن أصبحت علمانية صريحة سافرة، فالدولة المدنية هي العلمانية نفسها، وعلى مستوى الصراع الدولي دخل لاعب جديد لأرضية الملعب، ففي عهد البشير كانت أمريكا هي الوحيدة التي تصول وتجول في السودان وتفعل كيفما تشاء لا أحد يزاحمها، والآن أصبح الطرف الأوروبي القديم الجديد بالأخص بريطانيا ذات أدوار قوية وناصفت بها أمريكا النفوذ والتمثيل في الحكم عبر عملائها في حكم السودان على كل مستوياته في السيادة والوزارات، وبات كل طرف يسعى بكل قوة لإفشال الطرف الآخر ليستفرد هو بالحكم، وهذه اللعبة القذرة بدأت تتكشف للناس وتظهر للعلن، فالصراع أصبح محتدماً محموماً للغاية والأدوات أصبحوا في حيرة من أمرهم.
مر عام وتمايزت فيه الصفوف وأصبح البيض الفاسد كله في سلة واحدة، فتصريحات وزراء قوى الحرية والتغيير جلبت لهم سخط الناس، فأخطأوا عندما ظنوا أن بضاعتهم الفاسدة المضبوعة بثقافة أسيادهم في الغرب الكافر المستعمر ستجد الترويج والقبول عند الناس، وأن غرضهم وهو تطبيق النظام العلماني الصريح الذي أتوا من أجله يمكن أنيطبقوه بسهولة ويسر، وأن تلك الشعارات الخداعة يستطيعون تنزيلها علىأرض الواقع، وظنوا أن عقول الناس مغيبة كما هي عقولهم مذهولة وأسيرة لحضارة الغرب، فصدموا بأن الواقع في السودان مختلف عن دول أوروبا التي كانوا فيها من تفسخ وانحلال للمجتمع. فأهل السودان متمسكون بمبدئهم وعقيدتهم ونفوسهم طيبة لا تقبل المساس بدينهم وعقيدتهم، وإن كانت هناك غشاوة وضبابية في الرؤية فإنها سرعان ما تختفي لأنها سحابة صيف عابرة، فالأصل متين ومتغلغل في نفوسلا ترضى المساس بالدين، وتصريح القراي مدير المناهج دليل على ذلك. فعندما قال إن الآيات القرآنية في المنهج الدراسي كثيرة وأكد بضرورة أن تخفف وتحذف، مبررا ذلك أنه لا يعقل أن يحفظ طفل عمره أقل من سبع سنوات سورة الزلزلة، فانبرى له خطباء المساجد بالرد، وأثار ضجة كبيرة في أوساط الرأي العام.
حقيقة هذه الكفاءات التي بُشر بها أهل السودان، هم أعداء الأمة والأداة التي يستخدمها الغرب المستعمر في حربه على الإسلام والمسلمين، فيا أهلنا في السودان لا تصدقوهم بكذبهم. كفانا تضليلاً وخداعاً، وانبذوا الأفكار المستوردة من ديمقراطية وغيرها واعملوا مع إخوانكم حملة دعوة الحق فهم بينكم ومعكم، وعلى أهل النصرة، أهل القوة والمنعة، أن ينصروا حزب التحرير فهو الرائد الذي لا يكذب أهله، لتقام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. والحزب يملك مشروعا للدستور مستنبط من الكتاب والسنة، وحينها يفرح المؤمنون بنصر الله.
بقلم: الأستاذ عبد السلام إسحاق
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع