جاء في الأخبار أن المجلس السيادي السوداني، يرهن تعيين رئيس القضاء بتعديل الوثيقة الدستورية يسمح للمجلس السيادي بتسمية مرشحين لتولي المنصبين، وقالت عضو مجلس السيادة رجاء عبد المسيح أثناء مخاطبتها جموع المحتجين على محيط القصر الرئاسي إن المادة 11 في الوثيقة نصت على أن يقوم المجلس التشريعي بتشكيل المجلس الأعلى للقضاء والنيابة.
خرجت جموع تنادي بتعديل الوثيقة الدستورية لحسم مسألة تعيين رئيس القضاء، وقد دار جدل كثيف وسط السياسيين، والمفكرين، والأحزاب، حول مسألة تعيين رئيس القضاء، والسؤال هو، ما الذي جعلهم يختلفون، بالرغم من اتفاقهم على الوثيقة الدستورية؟! إنها المصلحة، والمحاصصة في تقسيم السلطة والثروة، ولغياب أساس فكري مبدئي ثابت، يرجع إليه عند الاختلاف. ولحل مثل هذه القضايا، لا بد من معرفة أساس المشكلة، فالقضية ليست في تعديل الوثيقة لتنص على تعيين المجلس السيادي لرئيس القضاء، ولا في تغيير رئيس القضاء الحالي وتعيين آخر مكانه عبر مجلس تشريعي غير موجود حتى الآن. إن القضية تكمن في حقيقة القيادة، وهذا ما لم تعالجه الوثيقة، فقد جعلت القيادة جماعية في المجلس السيادي المكون من 11 عضواً، قابل للزيادة لما سمي بالمحاصصة، ومجلس الوزراء الذي يترأسه رئيس الوزراء، هذه القيادة الجماعية هي سبب النزاع لأنه لا يوجد قائد يحسم النزاع، أحد عشر قائداً في السيادي زائداً قيادات مجلس الوزراء! أي مبدأ هذا الذي تدعي الحكومة الجديدة تطبيقه، وتعجز حتى عن تعيين رئيس للقضاء؟! وحتى في الدول الديمقراطية عندما حاولوا علاج مسألة صلاحيات الحكم بجعل الصلاحيات في يد جماعة لا في يد فرد، لم يستطيعوا تنفيذها، فمثلا في أمريكا الحكم بيد رئيس الجمهورية، وفي إنجلترا وألمانيا الحكم بيد رئيس الوزراء، وروسيا التي جاء لها لينين بالقيادة الجماعية لم تقم فيها قيادة جماعية أصلاً إلا شكلا وعلى الورق فقط، أما واقعيا فقد كانت القيادة فردية. فما لم تعالج هذه القضية في الوثيقة الدستورية بجعل الصلاحيات كلها في يد فرد فلن تحسم مثل هذه القضايا.
وهذا ما أتى به الإسلام حيث جعل القيادة فردية، وليست جماعية، ففي سيرة الرسول e دليل على أن السلطة، أو الإمارة، أو الرئاسة، أو القيادة، هي فردية، روي عن أبي سعيد أن رسول الله e قال: «إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ»، كذلك إرساله للوفود في جميع بعثاته كان يؤمر واحداً، وجميع الصلاحيات محصورة به وحده، فواقعياً، وعقلياً، وتاريخياً ثبت أن القيادة ليست جماعية بل فردية، لذلك كانت القضايا محسومة، وإن كان الغرب يقول بخلاف ذلك، ولكنه يطبقه عملياً، ففي الوقت الذي كان فيه الكونغرس الأمريكي يناقش قراراً يسمح للرئيس بوش الأب باحتلال العراق، كانت البوارج الحربية تعبر البحر الأحمر.
إن الإسلام قد حسم أمر القضاء، وغيره من أمور الحكم والسياسة، ففي مقدمة الدستور الذي يعرضه حزب التحرير للأمة لدراسته وتبنيه، تقول المادة (٧٦): (يعين الخليفة قاضياً للقضاة من الرجال البالغين الأحرار المسلمين العقلاء العدول من أهل الفقه، وإذا أعطاه الخليفة صلاحية تعيين قاضي المظالم وعزله، وبالتالي صلاحية القضاء في المظالم، فيجب أن يكون مجتهداً. وتكون له صلاحية تعيين القضاة وتأديبهم وعزلهم ضمن الأنظمة الإدارية، أما باقي موظفي المحاكم فمربوطون بمدير الدائرة التي تتولى إدارة شؤون المحاكم). إن مبدأ الإسلام العظيم قد عالج أمر تعيين القضاة بإيجاد خليفة له صلاحية التعيين، فغياب الفكرة السياسية المبدئية عن الحكم، تربك حسابات الحكام، وتجعلهم يتخبطون.
بقلم: الأستاذ عبد السلام إسحاق – الخرطوم
رأيك في الموضوع