شهدت تونس خلال السنوات القليلة الماضية أحداثا متعددة ومتسارعة؛ بدأت بشرارة الثورة سنة 2010 وانتهت بالانتخابات الرئاسية سنة 2019.
ورغم تعدد الأحداث، وتنوع المشهد التونسي؛ من انتخابات تشريعية وتأسيسية وبرلمانية ورئاسية.. إلا أن المشكلة في تونس بقيت كما هي؛ بل ازداد الخرق الاقتصادي على وجه الخصوص، واتسعت رقعته، ولم تعالجه أي من الأمور السابقة؛ رغم الوعود والدعايات الانتخابية الكثيرة، ورغم كثرة القروض الأجنبية من البنك الدولي وغيره.
لقد عبرت الانتخابات في تونس؛ بشكل قاطع لا لبس فيه على أمر واحد هو: أن الشعب في تونس قد كفر بكل هذه الأطياف السياسية، وشهد شهادة صدق بكذبها من خلال صندوق الانتخاب؛ حيث إن ثلثي الشعب في تونس لم يشترك بهذه الكذبة المنظمة، وعزف عنها. وحتى من ذهب من البقية الباقية فقد اختار وسطاً سياسيا آخر، غير الوسط السياسي الحاكم، من حركة النهضة المتلبسة بالإسلام، وحزب نداء تونس، المتلبس بثوب الوطنية.
لقد جاءت شهادات عديدة من داخل تونس تصف واقع الانتخابات بالمخيبة للآمال، والعزوف عن المشاركة فيها. فقد وصفت رئيسة منظمة "ملاحظون بلا حدود" هاجر السديري الشابي نسبة التصويت بالضعيفة جدا. أما فاروق بوعسكر، نائب رئيس الهيئة؛ فلم يخفِ أسفه لما تم تسجيله من عزوف، خصوصا من فئة الشباب مقابل مشاركة كبيرة للمسنين.
إن تونس اليوم تقف أمام مفترق طرق؛ يعبر عن الفراغ السياسي أولا؛ حيث سقطت كل الأحزاب السياسية المشتركة في الانتخابات، ويعبر عن نظرة الناس بشكل عام إلى منقذ جديد، من غير هذه الأوساط المتهرئة الكاذبة المنافقة والمرتبطة بالأجنبي، ويعبر كذلك عن قناعة الناس بدينهم، رغم الحرب الشرسة التي مورست في تضليله؛ خلال السنوات الماضية.
إن جميع الأحزاب السياسية التي اشتركت في الانتخابات قد سقطت من أعين الناس بالفعل، ورفضت عمليا من خلال عملية الانتخاب. وفي الوقت نفسه قد جرب الناس برامجها السياسية سابقا؛ سواء منها من حكم أم من لم يحكم؛ لأن الدستور والقوانين هي التي سيسيرون عليها كسابقيهم؛ وسيبقون رهن القوى العسكرية، والقوى الأجنبية المتحكمة بالبلد. فلم تستطع، ولن تستطع كل هذه الأطياف أن تغير من الواقع شيئا، ولا أن تنقذ تونس من هذا التردّي والانحدار والسقوط نحو الهاوية السحيقة؛ سواء منها من وصل عن طريق الانتخابات، أو الذي وصل عن طريق القوى المتحكمة بالبلد.
إن الحقيقة الساطعة التي وصلت إلى ذهن كل تونسي، وأثبتتها الانتخابات بشكل قاطع، وأثبتتها السنوات السابقة من عمر الثورة، هي أن هناك حزبا سياسيا واحدا داخل تونس؛ يختلف عن كل هذه الأحزاب في النظرة وفي التفكير، وفي المشروع السياسي لإنقاذ تونس، هو حزب التحرير. فهو الوحيد الذي وضع الخط المستقيم أمام الناس ونادى بأعلى صوته؛ بأن الانتخابات في ظل القوانين العلمانية لا تغير من الواقع شيئا. ونادى أن المنقذ هو فقط بأن تحكم تونس بنظام الإسلام. ونادى بأن هذه القوى السياسية تزيد من تدمير تونس وإفقاره، وتنهب أمواله، وتزيد من ارتباطه بالأجنبي وعمالته السياسية.
الحقيقة الساطعة الثانية هي: أن الشعب في تونس بالأغلبية الساحقة يؤيد حزب التحرير، ويؤيد مشروعه السياسي في الحكم، وينتظر أن يستلم الحكم؛ ليطبق الإسلام بالفعل الذي ينادي بدستوره. ويريد هذا الشعب المسلم كذلك عملية انقلابية شاملة؛ تبدأ بالأوساط السياسية العميلة، والقوانين والدستور، وكل ما ارتبط بالماضي السيئ الهابط.
إن القادر الوحيد الآن في الساحة السياسية التونسية على إنقاذ تونس؛ هو فقط حزب التحرير؛ لأنه الوحيد الذي أثبت صدقه وإخلاصه، ونظافته من كل هذه الأمور الهابطة الساقطة؛ التي دمرت تونس وأوصلته إلى ما هو عليه الآن.
وإننا ندعو، من خلال هذا المنبر الصادق، أهلنا في تونس، بعد أن أسقطوا كل القوى السياسية الحاكمة؛ أن يأخذوا بيد هذا الحزب المخلص لله ولرسوله، ولأمة الإسلام، ليقود تونس إلى بر الأمان، وليجعل منه قاعدة خير لأمة الإسلام بشكل عام، وليعيد سيرة تونس الوضاءة في عهد السلف الصالح؛ أمثال موسى بن نصير وطارق بن زياد وعقبة بن نافع.
إننا ندعو أهلنا في تونس الخضراء؛ بإيمانها وتاريخها ورجالها، بصدق وإخلاص، ونناديهم نداءً حاراً صادقا؛ بأن يقفوا وقفة صدق وإيمان؛ وهم اليوم على مفترق طرق خطير؛ إما يقودهم إلى الخير العميم وإما إلى الدمار والخراب والتردي الذميم والعياذ بالله.
نسأله تعالى أن يلهم أصحاب القوة بشكل خاص، والشعب في تونس بشكل عام؛ لأن يستجيبوا لهذا النداء الرباني العظيم لما فيه حياتهم وإنقاذهم من هذا الواقع البئيس، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
رأيك في الموضوع