تعرضت يوم السبت 14/09/2019م شركة أرامكو في السعودية لعدة ضربات جوية، تلك الشركة التي تعتبر أولى وكبرى الشركات الأمريكية التي تأسست في السعودية للاستثمار في مجال الطاقة أيام عبد العزيز آل سعود في العام 1933م، والتي لا زالت تمارس نشاطها حتى اليوم. ولكنها لم تعرف باسم أرامكو إلا عام 1944م، وهذا الاسم اختصار لشركة الزيت العربية الأمريكية، حيث تم ترتيب الأمر مع الملك عبد العزيز عندما التقاه الرئيس روزفلت على ظهر الطراد الأمريكي كوينسي في قناة السويس، وحصلت أمريكا على نفط السعودية بموجب الاتفاق بين الملك وشركة أرامكو التي كانت مؤلفة من أربع شركات نفطية هي نيوجرسي وتكساسكو وسوكال وسوكوني فاكوم. بدأ أول إنتاج لها من بئر دمام 7 عام 1938م، وظلت الشركة تتحول تدريجيا إلى ملكية السعودية حتى أصبحت مملوكة لها بالكامل عام 1980م.
لقد تبنى الحوثيون الهجوم على أرامكو حيث صرح بذلك الناطق الرسمي للقوات المسلحة للحوثيين في صنعاء العميد يحيى سريع، في حين إنأمريكا تتهم إيران صراحةً، وذلك على لسان وزير خارجيتها بومبيو، مع أن إيران ردت على اتهام أمريكا لها بالنفي القاطع. إن ما حدث من هجوم على أرامكو وغيرها من العمليات الهجومية على أهداف سابقة عدة لتحمل الأبعاد والغايات نفسها التي تسعى أمريكا لتحقيقها سواء أكان الهجوم من أمريكا أم من أحد عملائها أو حلفائها، فالمستفيد الحقيقي من ذلك الهجوم هم الأمريكان لا سواهم.
أما عما يحمله ذلك الهجوم من أبعاد سياسية واقتصادية فيتبين ذلك من خلال الأعمال السياسية التي قامت بها تلك الأطراف سواء فعلياً أو ادعاءً، وتتمثل الأبعاد السياسية في الآتي:
1- فمن جانب الحوثيين فقد أوصلوا رسالة للسعودية وغيرها بأن الأسلحة التي لديهم قادرة على الوصول إلى حيث يريدون، وأن لديهم سلاحاً فعالا للردع، وأنهم أصبحوا قوة لا يستهان بها، وأنه لا بد من مشاركتهم بقوة في مستقبل اليمن السياسي، مما يجعل لهم نصيباً أكبر من حجمهم حين الجلوس على طاولة المفاوضات، رغم أن حجم الهجمات وتعقيدها يفوق قدرات الحوثيين.
2- ومن خلال تلك القوة غير الحقيقية التي صُنعت للحوثيين بما تُعرف بسلطة الأمر الواقع، ومن خلال سيطرتهم على الأرض، وجلوسهم مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن، وحوارهم مع وفد ما يعرف بالشرعية، كل ذلك يعتبر اعترافاً ضمنياً بشرعيتهم، والذي يعتبر أحد المكاسب السياسية للجماعة.
3- استغلال أمريكا لتلك الأحداث في زيادة قواتها وقواعدها العسكرية في المنطقة، فقد قالت إنها تعتزم إرسال أربعة أنظمة رادار، وبطارية لأنظمة باتريوت للدفاع الجوي وقوات قوامها نحو 200 جندي للسعودية، وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إنه سيتم وضع المزيد من الأسلحة في حالة تأهب استعدادا لاحتمال إرسالها، حيث قال وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، إن القوات ستكون "دفاعية بطبيعتها وستركز في المقام الأول على الدفاع الجوي والصاروخي".
4- عقد المزيد من التحالفات مع حكام مملكة آل سعود، ففي حديث مع CNN، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة في البنتاغون الجنرال جوزيف دانفورد، إن القيادة المركزية الأمريكية تتشاور مع السعودية للتخفيف من المخاطر المستقبلية، حيث وضع تحالفاً للأمن البحري، بمشاركة أمريكا وبريطانيا، لمراقبة مضيق هرمز بعد سلسلة من هجمات الناقلات هذا الصيف.
5- التسريع بالحل السياسي لقضية اليمن فقد أكد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أن الهجوم على شركة أرامكو السعودية كان من اليمن، محذرا من أنه إذا لم تنته الحرب اليمنية، فستكون هناك هجمات أشد بكثير من اليمنيين، كما أعلن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة للحوثيين العميد يحيى سريع يوم السبت 28/09/2019م بإطباق الحصار على ثلاثة ألوية من قوات هادي وفصيل من القوات السعودية وتحرير مئات الكيلومترات في محور نجران (قناة المسيرة).
أما الأبعاد الاقتصادية للهجوم فتتمثل في الآتي:
1- ارتفاع أسعار النفط عالمياً فقد قفزت أسعار خام برنت، إلى 71.95 دولارا للبرميل، ما سيساعد أمريكا في العمل على رفع إنتاج شركاتها من الزيت الصخري عالي الكلفة، والذي تمتلك منه احتياطيا كبيرا. وبهذا يتضح بأن أمريكا إن لم تكن وراء الهجوم، فهي راضية عنه لما لها من مصلحة فيه.
2- توقف ضخ النفط الخام بمقدار 5.7 مليون برميل و2 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً من أرامكو علاوةً على استهداف ناقلات النفط والغاز وأعمال القرصنة، ما أدى إلى زيادة الطلب على النفط والغاز وبالتالي ارتفاع أسعاره نظراً لارتفاع أجور النقل ومبالغ التأمين، ثم ارتفاعاً بديهياً لأسعار السلع والخدمات لصالح الشركات العالمية.
3- اتهام وزير الخارجية الأمريكي بومبيو لإيران صراحةً بأنها من قامت بالهجوم من ضمن الضغوطات التي تستخدمها أمريكا على إيران لإنهاء الاتفاق النووي السابق مع بقية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وعقد اتفاق نووي ثنائي جديد يكفل لشركاتها حصة الأسد في سوق إيران.
4- بات تأجيل اكتتاب شركة أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، هو الخيار الأقرب عقب الهجوم، فالبرغم من تأكيد وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، المضي قدما في الاكتتاب في موعده، إلا أن رئيس مجلس إدارة الشركة ياسر الرميان، قال إن الاكتتاب خلال الـ12 شهراً المقبلة، وهو ما يعد تلميحا ضمنيا بتأجيل الاكتتاب، الذي تزايدت التقارير عن قربه الشديد قبل الهجوم.
وهكذا ستبقى بلاد المسلمين ميادين حروب وثرواتها مغنماً لكل طامع ما دام وعي الأمة على عقيدتها غائباً وما دامت بعيدةً عن شرع ربها ولم تعمل لإقامة دولتها دولة الخلافة على منهاج النبوة ولم تنصب وتبايع خليفتها الذي يتقى به ويقاتل من ورائه، فتحفظ الدماء والأموال وتصان الأعراض. اللهم عاجلاً غير آجل.
بقلم: الأستاذ عبد الله القاضي – اليمن
رأيك في الموضوع