لقد كانت فلسطين درة في تاريخ المسلمين قبل أن تفتح وبعد أن فتحها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 15 هجرية وتسلمها من صفرونيوس وأعطاه عهدته المشهورة (العهدة العمرية) فصارت مركز الثقل في بلاد المسلمين كلما اعتدى عليها معتد تحطم فيها مهما طال عدوانه، فكانت مقبرة للصليبيين وللتتار وستكون مقبرة ليهود بإذن الله، فقد دارت في رحاها المعارك الفاصلة كحطين مع الصليبيين عام 1187م، وعين جالوت مع التتار عام 1260م، وسيعقبها بإذن الله المعركة الفاصلة مع يهود لإعادة فلسطين كاملة إلى ديار المسلمين. لقد ساعدت يهود بعضُ العوامل في احتلالها واقتطاعها من ديار المسلمين وبقائها في أيديهم إلى يومنا هذا ومنها:
1- ذهاب دولة الخلافة حامية ديار المسلمين وحصنهم الحصين.
2- عمالة الحكام وخيانتهم لها فهم السياج الأمني للحفاظ على كيان يهود من غضب الأمة وغليانها وشوقهم الكبير إلى قتال يهود وتحريرها منهم.
3- دعم الدول الكبرى لكيان يهود والحفاظ عليه ومنع وصول القوة إلى أيدي المخلصين خوفا من إعادة الخلافة فتحررها وتعيدها خالصة نقية إلى ديار المسلمين.
والدول الاستعمارية تحرص كل الحرص على بقاء هذه العوامل مجتمعة ليستمر كيان يهود المسخ خنجرا مسموما في صدر الأمة الإسلامية، ولما تصاعدت الصحوة الإسلامية وبدأت الأمة تتطلع إلى إعادة الخلافة وتحرير فلسطين وأخواتها كشمير وبورما وتركستان الشرقية وأفغانستان والشيشان والأندلس والهند وقبرص والعراق... وغيرها، سارع الحكام منذ بداية الصحوة إلى امتصاص غضب الأمة حرصا منهم على بقاء كيان يهود، فقادوا المسيرات التي تفرغ غضب المسلمين فيخف خطرهم على الحكام ويهود. اعتاد الحكام العملاء من زمن بعيد أن يحفظوا ماء وجوههم ويغطوا خيانتهم لفلسطين وذلك بدفع الناس إلى الخروج في مسيرات تندد بيهود الغاصبين ويقومون بها عند الطلب وعندما يرتفع غضب الأمة وتصبح عروش الحكام في خطر أو يكونون على موعد انتخابات لرفع رصيدهم الشعبي!
أما إيران وأحزابها فقد زادوا على ذلك بعمل مسيرات دورية سنوية تندد بيهود وترفع الشعارات المعادية لهم في الظاهر وذلك في آخر جمعة من رمضان بما يسمونه يوم القدس العالمي، فيقومون بإخراج المسيرات في مدن كثيرة ويسبق ذلك بأيام التحضير لها وتسليط الأضواء عليها ومحاولة إقناع الناس بأن ذلك هو من الجهاد وأنها أول خطوة لتحرير القدس من دنس يهود!!
والحوثيون الذين يسعون إلى تثبيت كرسيهم المعوجة قوائمه ويبحثون عن استقرار حكمهم كذلك يقومون بحشد المسيرات سنويا، ففي آخر جمعة من رمضان الموافق 31/5/2019م قاموا بحشد المسيرات في صنعاء وغيرها لكي يبرهنوا أنهم مع قضايا المسلمين وفي مقدمتها قضية فلسطين، فأطلقوا الشعارات المعادية ليهود وهي شعارات كلامية فقط من مثل "الموت لأمريكا والموت لـ(إسرائيل)"، أما الناحية العملية فهم يعملون عكس قولهم تماما؛ فقد شنوا حربا شعواء على إخوانهم المسلمين من صعدة إلى البيضاء، وسفك الدماء لا يتوقف منذ سنوات في حرب طائفية بغيضة لا تبقي ولا تذر، وأوصلوا حياة أهل اليمن إلى جحيم لا يطاق؛ فقد جمدوا المرتبات وإذا سلموا بعضها ففي فترات متباعدة، وآلاف المعتقلين يقبعون في سجونهم، وصناعة الأزمات قد تفننوا فيها بشكل مذهل كأزمة المشتقات النفطية والغاز، وبكلمات موجزة فهم يتخذون إخوانهم المسلمين أعداء بسبب الطائفية بينما علاقاتهم مع الكفار متميزة وودية!! فها هم يتلقون الدعم من أمريكا باسم المساعدات الإنسانية، وقادتهم يلتقون بالمسئولين الأمريكيين بل إنهم يستغيثون بالأمم المتحدة التي تديرها أمريكا كلما أصبحوا في خطر أو وقعوا في مأزق فتسارع إلى إنقاذهم وتدفع عنهم الخطر...
وعند النظر إلى هذه الحشود والمسيرات نجد أن مخاطرها على أهل اليمن كثيرة وعواقبها وخيمة للأسباب الآتية:
1- إنها تضليل سياسي عن الحل الصحيح الذي يحرر فلسطين ألا وهو تحريك الجيوش وفتح الجبهات مع يهود فهو الحل الوحيد الصحيح الذي يقتلع كيان يهود الغاصب لفلسطين ويقضي عليه نهائيا.
2- المسيرات تفرغ الغضب من قلوب المسلمين وتخفف الاحتقان فينسون تحرير فلسطين ويقبلون بأي حل تفرضه الأمم المتحدة والدول الكبرى المتحكمة فيها التي تجبرهم في نهاية المطاف على أن يقبلوا بصفقة القرن المشئومة الرامية إلى تصفية قضية فلسطين.
3- إن هذه المسيرات تغطي سوءة الحكام الذين أزكمت رائحة خيانتهم الأنوف، وتعفيهم من القيام بواجبهم في نصرة فلسطين بتحريك الجيوش التي ينفقون عليها المليارات من أموال الأمة لكنها تقف حجر عثرة أمام تحرير فلسطين وتصبح حامية لكيان يهود.
4- إن المسيرات بهذا الشكل تعمل على تثبيت الأنظمة العميلة وتحاول إبعاد مخاطر ثورة الأمة عليها وتعطيها شرعية استمرار بقائها بدلا من إسقاطها وإقامة الخلافة على أنقاضها.
5- هذه المسيرات تعترف بشكل واضح بكيان يهود، فهي لا تطالب إلا بشرقي القدس فقط، حيث تطلق على آخر جمعة في رمضان يوم القدس العالمي فلا مجال للحديث عن فلسطين كلها، فهي إذن تزرع في عقول المسلمين أن يهود يحتلون القدس فقط أما معظم فلسطين وكشمير وقبرص وتركستان الشرقية وغيرها فليست بلاداً إسلامية محتلة، ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً﴾.
هذه المسيرات وأمثالها في مختلف بلاد المسلمين الأصل أن لا يقودها الحكام الذين يساهمون مع الكفار في حماية كيان يهود، وإنما الواجب أن يقودها المخلصون من أبناء الأمة لمطالبة الحكام أن يقوموا بما أوجبه الله عليهم من تحريك الجيوش لتحرير فلسطين وكل البلاد المحتلة، فإن لم يستجيبوا، وهذا هو المتوقع منهم، فعلى الأمة أن تقوم بإسقاطهم وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فتحرك الجيوش للجهاد في سبيل الله لتحرير فلسطين وكل البلاد المحتلة، ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾.
بقلم: الأستاذ شايف الشرادي – اليمن
رأيك في الموضوع