لعل كثيرا من الكلام قد تم الحديث عنه بخصوص ثورة الشام وما آلت إليه أحوالها، وقد يصل بعض الأحيان القارئ إلى الضجر من تكرار الأحداث والسرد للوقائع من باب أنها أصبحت معلومة للجميع، ولكن هل هذا يكفي...؟
نعم قد تم تكرار التفاصيل مرات عدة ولكن التجاوب والاستجابة لم تصل للمستوى المطلوب فليس المقصود هو الخبر وإنما الأفعال، فإن لم تقد الفكرة لسلوك فهذا معناه أنها لم تتجاوز كونها معلومات فقط تكون فائدتها أنها تذكر في المجالس والجلسات فقط... لذلك لزم أن تعاد الفكرة وتطرح مرات ومرات ويتكرر الحديث عنها مرة بعد مرة لأجل أن تتركز وينتج عنها سلوك يفضي لتحرك يكسر حاجز قد بني ليحول دون ذلك.
فما دام مصدر التغيير لا يستجيب مع علمه بمكمن الخلل فدلالة ذلك أن حاله يختلف عما كان عليه قبل أن يكسر حاجز الصمت الذي كان يعيش فيه. لذلك كان لزاما على الرائد الذي لا يكذب أهله أن يذكر مرات ومرات الأمة بواجبها ودفعها لاستعادة سلطانها لتضعه بمكانه الصحيح، لذلك يذكّر بالمشهد العام للثورة وتتكرر الأفكار مرات ومرات كما قطرات المطر حتى تحدث أثراً ويتحقق المقصود.
وسؤال الكثيرين المطروح هو: هل أوشكت ثورة الشام أن يقضى عليها وأصبحت على بعد خطوات من العودة لدائرة حكم النظام الوظيفي في الشام؟
إن الناظر بعين بصيرة لثورة الشام ليجد أنها منذ أيامها الأولى لم تكن بمأمن من المتربصين والخبثاء والمتسلقين والمتلونين وغيرهم من أصحاب الفكر الظلامي والانبطاحيين. فمنذ أن أعلنت ثورة الشام في آذار وحتى هذا اليوم وبعد أن مر عليها سبع سنوات ويزيد من الأيام وهي ما مر عليها يوم لم تكن فيه بين صفيحي ساخن...
فذئاب العالم أجمع تكالبت عليها؛ كل يريد أن ينهش جسدها؛ فمن طامع لأن يكون له موطئ قدم فيها بعد أن قطعت، إلى متأمل أن ينال نصيباً من خيرات بلدها، إلى قذر يرغب أن تبقى تحت مظلته سنين وسنين وما همهم أهلها ولا معاناتهم ولا ما يمارس عليهم، تلك هي علمانيتهم وهذا هو حقدهم...
كان حليفهم في ذلك أنظمتهم الوظيفية التعيسة التي وضعوها بعد أن أسقطوا حاضنة المسلمين وراعية مصالحهم، أنظمة جائرة على رعيتها مطواعة لأسيادها غايتها رضوانهم ليبقوا في مناصبهم ولو كان الأمر بسخط الله، فهذا آخر همهم وما يجول في خاطرهم، أعمتهم الدنيا عما استرعوا عليه فخانوا الأمانة وضيعوها...
فمنذ آذار من عام 2011 وأمواج الغدر والخيانة تلطم سفينة أهل الشام لمنعها من الوصول لهدفها وغايتها المنشودة. لم تترك وسيلة لم تمارس وأسلوب لم ينفذ، وكانت أدوات ذلك فرقة تلبست بلبوس الثورة لخدمة أسيادها فغدرت بأبناء الشام وطعنتهم وساهمت بحرف بوصلة ثورتهم. فمن سياسيين نفعيين علمانيين إلى قادة فصائل عملاء طماعين حتى الوصول لشرعيين وقحين مع الله ونصوصه حرفوها وزينوها برعاية شيطانية لأجل لعاعة من الدنيا لن تدوم ولكنها سبيل وصولهم لجهنم وبئس مثوى الظالمين.
أيام وسنوات مرت على أهل الشام فيها ضنك العيش ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، رافقه صبر صاحبه احتساب الحال لله فعجزت أعتى الدول ومن خلفها عن كسر إرادتهم فكانوا كما قال فيهم رسول الله e خيرة الله من عباده على خيرته من أرضه.
واليوم وبعد كل ذلك وضح الداء الذي استشرى في هذه الثورة المباركة، فبعد أن كانت ثورة أمة تتضافر جهود أبنائها ليسيروا بخطا ثابتة لإسقاط نظام الغدر والخيانة والعمالة في دمشق أصبحت ثورة فصائل جل غايتها سلطة ومالاً وجاهاً!!
حالة من الحالات التي مرت على أهل الشام وجب تجاوزها في سبيل السير للهدف المنشود الذي قامت عليه ثورتهم بإسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه. تشبه سابقاتها وتضاف لما برع النظام على القيام به حين يصعب عليه أن يسقط ويكسر إرادة أهل الشام.
هذا ديدن ملة الكفر؛ تسعى جاهدة لوأد أي تحرك للأمة، أدواتها أنظمة الرويبضات التي أوجدت لأجل تلك الغاية، أذون مفتوحة تعطيهم إياها ليستعينوا بأبشع الوسائل لأجل منع أي حركة صحية تسير بالأمة نحو هدفها باستعادة سلطانها المسلوب؛ حتى وإن كانت مواد محرمة دوليا كالكيماوي مثلا الذي استخدم مرات ومرات في الغوطة وخان شيخون ودوما مؤخرا.
وما يُظهر جليا سُخف هذا المجتمع وحكوماته ونياته المقصودة هي ردود الفعل بعد كل مرحلة يستخدم فيها ما يسمونه محرم دوليا، فهم يحاولون قدر الإمكان حفظ ماء الوجه من خلال تصريحاتهم وتلميحاتهم بنية التحرك ولكن أدرك القائمون على ثورة الشام والمشاركون فيها والثوريون أن العالم جله كحكومات غايته واحدة ونيته واحدة وهدفه واحد وإن تنوعت أساليبه؛ وهو منع أن تقوم قائمة لهذا الدين والسعي بكل جهد لأن يبقى لهم نفوذ في بلاد المسلمين وإن كلفهم ذلك قتل الملايين فهذا آخر همهم وهذه طبيعة مبدئهم التعيس.
يا أهلنا في الشام! كنا معكم منذ نعومة أظفار الثورة كثوريين وفاعلين ونشطاء وكنا معكم كجهاز مناعة لكم عندما حاول الجبناء سرقة ثورتكم وكنا بين صفوفكم ونلنا ما نلناه من معاناة وألم، وكنا لكم كما الأم لابنها ترعاه وتحفظه وتصونه وتوجهه لخير الطرق وسدادها. عايشنا معكم كل مراحل الثورة الساخنة والتي لم تخرج يوما من بين صفائح النار وحذرناكم من الغرب الكافر ونيته إجهاضها وأساليبه التي قد يتبعها لأجل ذلك، فكنا رائدا لا يكذب أهله ويصدقه، ونذيرا عريانا في مراحل الخطر الكبير، واليوم وغدا وحتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، وسنبقى رائدا لا يكذب أهله ويسير أمامهم في سبيل الوصول لوعد الله وبشرى رسوله خلافة راشدة على منهاج النبوة.
يا أهل الشام! لا تيأسوا من هذا الحال الذي وصلت له الثورة فإنما هي سنة الله في خليقته أن يسبق الفجر أشد ساعات الظلمة وأن تضيق الحلقات حتى تستحكم ولكن بعدها فجر يبزغ وفرج قادم، فما عليكم إلا الصبر والله، وأن توسدوا الأمر لأهله فقد سقطت كل أقنعة الظالمين.
ثورة الشام اليوم أمام مشهد عظيم وليس هو الوحيد الذي مر عليها، يتربص بها ذئاب البشر في سعي للقضاء عليها ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ولكنه عند الله، فالمطلوب هو عدم اليأس من روح الله والالتجاء إليه والسعي ضمن دائرة طاعته فما النصر إلا من عنده ولكن وجب علينا نصرته وفي حينها ليس الله بمخلف وعده رسله إنه عزيز ذو انتقام.
بقلم: الأستاذ عبدو الدلي (أبو المنذر)
رأيك في الموضوع