بدأت عمليات درع الفرات في 24 آب 2016، واستمرت 7 أشهر، وأعلن عن انتهائها في 31 آذار/مارس 2017، وقد جاءت تصريحات رئيس تركيا أردوغان ورئيس الوزراء يلدريم ورئيس هيئة الأركان تؤكد تمام عمليات درع الفرات بنجاح، ولم يهمل أردوغان قوله: "أنهينا الخطوة الأولى في سوريا، وسنطلق على الحركات الجديدة أسماء جديدة".
نعم لقد كان النجاح الأكبر لعمليات درع الفرات بالنسبة لتركيا هو سقوط حلب وإخلاءها. وهذا "النجاح" سوادُ وجهٍ يكفي أردوغان وحزب العدالة والتنمية طوال حياتهم ذلاً وعاراً.
في شهر نيسان من العام 2016 أصدر الرئيس الأمريكي المجرم أوباما أوامره من غرفته الحمراء في البيت الأبيض لأردوغان للبدء بالتحضيرات لعملية درع الفرات، وبادر أردوغان فور عودته من زيارته لأمريكا إلى تسوية العلاقات مع روسيا، وأزيلت كل العوائق السياسية والعسكرية التي تعيق سير العملية، وشقت العملية طريقها بسرعة، فالتقى أردوغان مع بوتين في سانت بطرسبيرغ واتفق معه على العمليات المشتركة التي يمكن القيام بها في حلب. وهكذا انطلقت العملية باشتداد الفتنة والقتال بين الفصائل الإسلامية في سوريا بحجة قتال تنظيم الدولة. وأدى الجيش التركي وقائده أردوغان دورهم كقتلةٍ مأجورين ومقاتلين بالوكالة عن أمريكا في كل من سوريا والعراق، وخانوا سوريا عموما وحلب على وجه الخصوص.
حسناً، لماذا فعل أردوغان كل هذا؟ وما هو المقابل؟
لقد قام أردوغان بما قام به ليترك بين يدي أوباما الذي لم يفتأ ينتقل من إخفاق إلى إخفاق، ومن ورطة إلى أخرى طوال السنوات الست المنصرمة من حياة الثورة السورية المشتعلة... نعم قام بما قام به من أجل أن يضع بين يدي أوباما نجاحا عند وداعه الأخير للبيت الأبيض. وقام بما قام به بدافعٍ من شغفه الشديد وحرصه على السلطة ورغبةً منه في أن تمكنه أمريكا من البقاء على كرسي الرئاسة الزائل!. وأمريكا بدورها تدرك هذا الحرص المتزايد عند أردوغان على السلطة، وتدرك أنه بهذا الوضع سيكون عبداً أشد وفاء لها، والإدارة الأمريكية الجديدة بنمطها العدائي المتغطرس ستطلب من أردوغان عمليات أكبر وأكثر نجاحا خارج حدودها، أما أردوغان فهو جاهز وعلى أهبة الاستعداد ينتظر الأوامر الجديدة. من هنا يأتي قوله "أنهينا الخطوة الأولى في سوريا، وسنطلق على الحركات الجديدة أسماء جديدة" مؤشراً واضحاً على ذلك.
وهناك من يفسر قوله هذا بعملياتٍ عسكريةٍ يزمع عليها ضد جناحي حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا والعراق في الأشهر المقبلة. لكن هذه الدعايات التي يطلقها أردوغان وحزبه ليست سوى حملةٍ إعلاميةٍ لحشد أصوات القوميين لصالح الاستفتاء القادم في 16 نيسان/أبريل الجاري. فحزب العمال الكردستاني ليس عدو أمريكا في الشرق الأوسط، بل المسلمون الصادقون المخلصون، وهؤلاء ينتشرون في ريف دمشق واللاذقية وحماة وحلب وسهول إدلب على وجه الخصوص، وخان شيخون التي تعرضت لهجمات النظام السوري المجرم بالأسلحة الكيميائية تحتل موقعا استراتيجيا على ملتقى الطرق المفتوحة على غرب حلب وشمال حماة وشرق اللاذقية. فالهدف الأمريكي الثاني ليس الشمال السوري أو العراقي، ولا مواقع حزب العمال الكردستاني، بل إدلب. وستبقى أمريكا تعطي الضوء الأخضر لمثل هذه المجازر من جهة وتتظاهر ببعض الجولات التأديبية الاستعراضية للنظام السوري حتى تصل إلى مبتغاها من إخضاع الثورة السورية للحل السياسي الذي تريده. وهذا الحل السياسي ليس سوى إعادة إنتاج النظام السوري العميل.
فإن كانت ستكون هناك عمليات عسكرية جديدة في سوريا فإن أمريكا هي التي ستحدد قوامها وجهتها واتجاهها بل واسمها، وليس أردوغان. ويؤيد هذا تصريح أردوغان عقب الضربة الأمريكية الاستعراضية لمطار الشعيرات "إن كان الأمر سيأخذ بُعده العملي حقا؛ فنحن جاهزون للقيام بما يترتب علينا". وقوله بعد القصف الأمريكي لقاعدة الشعيرات مباشرة: "نراه عملا إيجابيا لكنه لا يكفي" يبين مدى ارتباطه بأمريكا. فأردوغان يدرك جيدا أن هذه الضربات لا تتجاوز الاستعراض، ولعبة خبيثة لكسب ثقة الفصائل المقاتلة في سوريا. وأردوغان يدرك جيدا أن أمريكا دأبت ولا تزال تقف إلى جانب النظام السوري وتمنحه الفرص المتتالية، وتسعى للحفاظ عليه حفاظ الجفن للعين. كذلك يدرك أردوغان أن النظام السوري ليس سوى دمية مخلصة لأمريكا تماما كالنظام التركي. وبذلك يبدو أردوغان وهو يمتدح القصف الأمريكي ويعلن عن استعداده بما يترتب عليه؛ متورطا في خيانة كبيرة. وليس عجيبا أن يدعو أردوغان أمريكا للتعاون في الشرق الأوسط وقد كان بالأمس القريب يصدح في الميادين باتهام أوروبا وأمريكا بالشعارات المعادية للإمبريالية، ويعلنها مدوية: "إن تركيا تحاصَر من قبل قوى الشر العالمية التي لا تريد نمو تركيا"! لكنه اليوم - وقبل أن يزول صدى تلك الكلمات - يطلب من أمريكا زعيمة الإرهاب؛ أن تمنحه دورا ويتبنى حماية مصالحها في الشرق الأوسط!!
بقلم: محمود كار
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تركيا
رأيك في الموضوع