- لا تخرج ضربة أمريكا الصاروخية المسرحية لمطار الشعيرات العسكري في ريف حمص فجر الجمعة 7/4/2017م عن كونها عملا سياسيا يهدف إلى إخراج أمريكا من حرج دولي كبير وقعت فيه، نتيجة الفعل الشنيع لعميلها المجرم بشار، وهو قصف مدينة خان شيخون بالأسلحة الكيميائية، ما يعتبر خرقا فاضحا للقانون الدولي، الذي يحرّم استخدام هذه الأسلحة في الحروب والنزاعات مع العسكريين، فكيف به وقد أزهق أرواح مائة مدني أغلبهم من الأطفال؟!
- إنه لأسبوع دموي جديد مرّ من عمر الثورة السورية، مزدحمٌ بالأحداث والاجتماعات والتصريحات ومناظر جثث الأطفال المغتالين خنقا، ومعبّرٌ حقيقيٌّ عن مفاهيم حضارةٍ متوحشةٍ آيلةٍ إلى السقوط، تحاول إطالة عمرها بزيادة التوحش، وما هو إلا تسريع لدنوّ أجلها القريب.
- فقد تعرّض أهالي مدينة خان شيخون شمالي حماة صباح الثلاثاء 4/4/2017م لقصف عنيف بغاز السارين القاتل في عمل إجرامي جديد، لاحق لأعمال عديدة سابقة قامت بها طائرات النظام الحاقد، وثّقت منها العشرات منظمة هيومن رايتس ووتش، وقالت عنها: "إنها أصبحت أحداثا منتظمة في سوريا"!
- وقد توالت ردود الأفعال الدولية المستنكرة لهذه الجريمة، صادرة خصوصا من الأوروبيين الذين يبحثون عن مدخل ينفذون من خلاله إلى الساحة السورية، لكسر احتكار أمريكا للقرار في الملف السوري. فقد اتهم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند القوات الحكومية السورية بالمسؤولية بشكل مباشر عن الهجوم، قائلا: "إن بشار الأسد يعول على تواطؤ حلفائه للتصرف دون خوف من العقاب". وأعربت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن صدمتها قائلة: "هذا الهجوم دليل آخر على همجية النظام السوري إن ثبت تورطه". مضيفة: "أنا واضحة جدا في أن لا مستقبل للأسد في سوريا مستقرة تمثل كل السوريين"، وداعية إلى مرحلة انتقالية بدون الأسد. (بي بي سي عربي).
- وطلبت فرنسا على الفور عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بعد الهجوم الكيميائي، وأعلن وزير خارجيتها، جان مارك آيرلوت أن استخدام أسلحة كيميائية يشكل انتهاكا غير مقبول لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. من جهتها نددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بالهجوم، وقالت: "اليوم إن الأنباء رهيبة. بالطبع المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق النظام". (فرنسا 24).
- وقد أتت هذه التصريحات الأوروبية في الوقت الذي عقد فيه الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع الأمم المتحدة اجتماعا للمانحين في بروكسل حول سوريا غابت عنه كل من تركيا وروسيا، كأسلوب أوروبي جديد للولوج من خلاله إلى الحدث السوري، حيث التزمت الدول المشاركة في المؤتمر الأربعاء بتقديم مساعدات إنسانية بقيمة ستة مليارات دولار إلى السوريين خلال عام 2017م. وأوضح المفوض الأوروبي للمساعدة الإنسانية خريستوس ستيليانديدس في ختام الاجتماع أن الاتحاد الأوروبي، أول جهة مانحة في العالم في النزاع السوري، التزم تقديم 1,3 مليار دولار للعام الحالي. (فرنسا 24).
- ورافق ذلك الضغط السياسي حملة إعلامية أوروبية شديدة اللهجة على أمريكا قادتها الصحف البريطانية والعربية الصادرة في لندن، حيث كتبت التايمز: "إن الهجوم يعد الأعنف في سوريا منذ أربع سنوات". وعنونت الحياة: "مذبحة الكيماوي في إدلب تختبر ترامب"! أما الغارديان فكتبت في الافتتاحية: "موقف الولايات المتحدة جعل حكومة الأسد لا تخشى العقاب! وجعلها تدرك أن المجتمع الدولي عاجز عن اتخاذ قرارات فعالة لمعاقبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة المحرمة دوليا".
- وهكذا وقعت أمريكا - داعمة النظام - في حرج دولي كبير، فاضطرت إلى مسايرة الأوروبيين، وقدمت مع بريطانيا وفرنسا الثلاثاء مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، يدين الهجوم الكيميائي، ويطالب بإجراء تحقيق في أسرع وقت ممكن.
- وعقد مجلس الأمن الأربعاء جلسة طارئة لبحث هذا المشروع، حيث صعّدت سفيرة أمريكا نيكي هايلي من لهجتها محذرة من أن بلادها "ستتخذ إجراءات أحادية في سوريا إذا فشلت الأمم المتحدة في الرد على الهجوم". أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقد قال خلال مؤتمر صحفي الأربعاء، إن الهجوم الكيميائي غيّر موقفه حيال الرئيس بشار الأسد، واعداً برد أمريكي على "إهانته للإنسانية".
- وبعد أن اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن استخدام الأسلحة الكيميائية جريمة حرب، وأن عدم صدور قرار من مجلس الأمن يندد بالهجوم الكيميائي "فضيحة"، أعلن مسؤول أمريكي الخميس أن البيت الأبيض يدرس خيارات عسكرية عرضتها وزارة الدفاع للرد على الهجوم. وتابع المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته: "إن الخيارات التي تم تقديمها بطلب من البيت الأبيض تشمل خصوصا شن ضربات لشل الطيران السوري". وأضاف: "إنه من المحتمل أن يناقش ترامب مع وزير الدفاع ماتيس الخيارات بشأن سوريا في فلوريدا". (فرنسا 24).
- وهكذا وجه الجيش الأمريكي بأمر من الرئيس ترامب فجر الجمعة ضربة صاروخية استهدفت قاعدة الشعيرات الجوية، بعد أن أبلغ روسيا بالضربة قبل تنفيذها، ليتم إخلاء القاعدة، كي لا تدمر آلة قتل، أو حتى تصيب مجرما بأذى. وبذلك ركبت أمريكا الموجة الأوروبية إلى أبعد مدى، وحولت مجراها بغير اتجاه، ممتصة نقمة الرأي العام العالمي، وباعثة برسالة مفادها أن أمريكا لا تزال هي المتصرف الدولي الوحيد في الملف السوري، ولن تسمح للأوروبيين بالاشتراك معها فيه.
- وعلى الفور سارع العبيد في السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت بإعلان تأييدهم للرئيس ترامب، ونوهوا بقراره "الشجاع"، وطالبه أردوغان والائتلاف العلماني وبعض قادة الفصائل المرتبطة بتوسيع الضربة لتشمل جميع المطارات وحتى إسقاط النظام، ظانين أنه المهدي المنتظر، وقد بعثه الله ليملأ الأرض عدلا بعدما ملئت ظلما وجورا!
بقلم: عبد الحميد عبد الحميد
* رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع