تصاعدت وتيرة الأعمال السياسية التي تخوضها الدول العظمى مؤخراً في اليمن، فقد قدم المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد خارطة طريق جديدة لحل الأزمة اليمنية تعتمد على توازي الحل السياسي مع الحل العسكري، وتقضي بتسليم صلاحيات هادي إلى نائب له توافقي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهذا ما كان يطالب به الحوثيون منذ بداية النزاع، وقال ولد الشيخ عن هذه الخارطة إنها حازت على موافقة دولية، إلا أن حكومة عبد ربه هادي رفضت تلك الخارطة وقالت عنها إنها مكافأة للانقلابيين، وعاد ولد الشيخ أدراجه في جولة جديدة من المباحثات، وأعلنت حينها بريطانيا عن نيتها تقديم مشروع قرار من مجلس الأمن لتبني خارطة ولد الشيخ أحمد إلا أنها لم تقدمه حتى اليوم، بينما أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من مسقط يوم الثلاثاء 15 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري أن الأطراف قد اتفقت على وقف كامل للأعمال القتالية يبدأ من الخميس 17 تشرين الثاني الجاري، ويفضي إلى حل دائم بتشكيل حكومة وحدة وطنية، إلا أن حكومة هادي عادت وقالت إنها غير معنية بتصريحات كيري لأنها لم تكن طرفا في الاتفاق، وقال وزير خارجيتها عبد الملك المخلافي إن هذا الاتفاق تم بين أمريكا والحوثيين، وهذه المرة الأولى التي تعقد فيها أمريكا مباحثات ثنائية مباشرة ومعلنة مع الجماعة التي ترفع شعار (الموت لأمريكا والموت لليهود!!!).
وفي تطور جديد أعلنت قوات التحالف عن هدنة جديدة لوقف إطلاق النار والعودة إلى اتفاق 10 نيسان/أبريل بتشكيل لجان تهدئة ولقائها في طهران جنوب المملكة السعودية. على أن تبدأ الهدنة يوم السبت 19 تشرين الثاني الجاري، تماهياً مع هدنة كيري، إلا أن المتحدث باسم قوات التحالف أحمد العسيري أعلن الأحد أن مليشيات الحوثي لم تلتزم بالهدنة وتم تسجيل 180 خرقا لها.
إلا أن اللافت للنظر هو ما نشرته جريدة (الشرق الأوسط) يوم السبت 19 تشرين الثاني/نوفمبر ما نصه (قالت البعثة البريطانية لدى الأمم المتحدة، وهي المسؤولة عن الملف في مجلس الأمن، إن «الحل السياسي هو أفضل وسيلة لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل في اليمن وإنهاء الصراع».
وأضافت البعثة، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن بريطانيا ترحب بعمل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لدعم هذا «الحل»، إلا أنها أضافت أن مشروع القرار عندما يتم تعميمه سيكون لدعم عمل المبعوث الخاص للأمم المتحدة في العودة إلى المفاوضات على أساس خريطة الطريق، ولم تشر البعثة إلى توقيت توزيع المشروع إلا أنه قال: «في الوقت المناسب، إلا أن الأمم المتحدة، مثل الحكومة البريطانية، لم تسم تحركات كيري خطة السلام الجديدة، بل المساعي أو الجهود المشكورة.) انتهى.
ويتضح من هذا التصريح البريطاني أن بريطانيا ترغب في تقديم حل الأزمة اليمنية من داخل أروقة الأمم المتحدة، وليس من خارجها - كما هو الحال في مبادرة كيري. وهذا يدل على أن بريطانيا لا توافق على خطة كيري، وهذا فيه إسناد واضح لحكومة عبد ربه هادي، التي تعمل ولو بشكل بطيء لتحقيق تقدم على مستوى السيطرة الميدانية في أكثر الجبهات دون خوض معركة صنعاء التي قال عنها القائد العسكري اللواء خصروف (إنها - معركة صنعاء - ممنوعة دوليا).
وما يدل على أن الحكومة اليمنية بصدد فرض الأمر الواقع على تحالف مليشيات الحوثي وصالح هو ما صرح به وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي بأنه متفائل بخصوص إحراز تقدم للمقاومة في تعز، وقال إن تلك الجبهة ستعزز بإرسال مزيد من القوات إليها، وفي السياق نفسه، وفق وكالة الأناضول: فإن تعزيزات عسكرية كبيرة تتقدم في جبهة باب المندب غرب تعز معززة بدبابات ومصفحات وأسلحة ثقيلة، وأن هذه القوات بقيادة ضباط إماراتيين.
وليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها الإنجليز إلى قوات إماراتية لحسم المعارك عسكريا في جبهات القتال، فقد حدث ذلك في ما سمي معركة تحرير عدن والمكلا.
والخلاصة:
إن أمريكا ترغب في فرض الحل السياسي الذي يمكّن الحوثيين - الذراع الإيراني لأمريكا في اليمن - من الشراكة في السلطة والنفوذ في اليمن، بينما يتمسك الإنجليز بدعمهم لحكومة هادي في المحافل الدولية ومن خلال القوات الإماراتية المشاركة في ما يسمى التحالف العربي، لفرض واقع جديد يهمّش الحوثيين، ويفرض عليهم حليفا جبريا هو قوات المخلوع صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام الذي ما فتئ يفرض نفسه رقما صعبا في المعادلة اليمنية رغم محاولات أمريكا استبعاده نهائيا من الحل السياسي القادم في اليمن.
وفي الختام فإن هذا التنافس المحموم بين القوى الغربية على اليمن يعود إلى أمرين: أولهما كون اليمن يقع في قاع مثلث الثروات الطبيعية الذي يمتد رأسه إلى العراق، فاليمن هو المرشح القادم لاقتعاد موضع متقدم في أكبر احتياطيات النفط والغاز العالمية، وثانيهما خوف الغرب المزمن من عودة الأمة الإسلامية للإمساك بزمام قضاياها واختيار الإسلام نظاما للحكم والحياة بديلا عن الأنظمة الرأسمالية الديمقراطية المفروضة من الغرب، خصوصا مع توجه الأمة الإسلامية اليوم صوب إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، الموعودة قريبا بإذن المولى تعالى.
رأيك في الموضوع