تعهد الرئيس السوداني عمر البشير بتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني باعتبارها أوامر الشعب، جاء ذلك خلال مخاطبته حشداً جماهيريًا بالعاصمة الخرطوم يوم الثلاثاء 11/10/2016م دعت إليه منظمات المجتمع المدني مدعومة من الحكومة لتسليم البشير توصيات مؤتمر "الحوار المجتمعي"، ونفى أن تكون مبادرته إلى عملية الحوار الوطني، ناتجة عن ضعف أو إملاءات، بل هي إيمان راسخ بأن الحوار هو السبيل لمعالجة أزمات البلاد، وفق قوله. وأضاف: "نقول لكل دول العالم والدول الاستعمارية بما فيها الولايات المتحدة إن السودانيين أحرار". والحوار الذي استمر لأكثر من عامين قاطعته قوى المعارضة بينها حزب الأمة والحزب الشيوعي والحركة الشعبية قطاع الشمال.
فما هي حقيقة هذا الحوار ومن خلفه؟ ومن المستفيد منه؟ وما أثره على السودان؟ وكيف يتم الوعي عليه؟
بتاريخ 13 آب/أغسطس 2013م كتب كل من المبعوث الرئاسي الأمريكي السابق للسودان (برنستون ليمان)، والدبلوماسي الأمريكي؛ جون تيمن، ورقة بعنوان: (الطريق إلى الحوار الوطني في السودان)، أصدرها معهد السلام الأمريكي بالرقم (موجز سلام رقم 155)، ومما جاء في هذه الورقة: (لقد حان الوقت لأن يشرع السودان في حوار داخلي حقيقي، وعملية إصلاحية تؤدي إلى حكومة ممثلة لقاعدة واسعة، وديمقراطية...) ثم جاء الرئيس الأمريكي الأسبق (كارتر)، ليلتقي بالبشير يوم الثلاثاء 21/01/2014م حيث صرح كارتر عقب اللقاء قائلاً: "ناقشنا آفاق حوار وطني شامل وديمقراطي وانتخابات 2015 وصياغة دستور جديد". ولتنفيذ هذه التوجيهات كان خطاب الوثبة في 27/01/2014م الذي كان بمثابة بداية التبشير بما يسمى بالحوار وطني. ولا يخفى على أحد الدور القذر الذي تلعبه أمريكا في الحرب على الإسلام، والعمل على القضاء عليه وعلى أفكاره في الحكم والسياسة، والحيلولة دون تطبيقها، تحت مسمى الحرب على (الإرهاب)، وبحسب اعترافات السفير السوداني لأمريكا معاوية عثمان في صحيفة الواشنطن تايمز الأربعاء 18/5/2016م التي جاء فيها (أن السودان يُعتبر شريكا وثيقا لأمريكا في مكافحة (الإرهاب) على نطاق العالم). لذلك ترغب أمريكا في بقاء النظام في السودان ومن ثم إشراك القوى الأخرى في السودان لتحقيق المشروع الأمريكي الداعي إلى علمنة السودان، وتمزيقه باسم الفيدرالية أو الحكم الذاتي، فقد قال ليمان، في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 03/11/2011م: "بصراحة لا نريد إسقاط النظام، ولا تغيير النظام، نريد إصلاح النظام بإجراءات دستورية ديمقراطية"، السبـت كانون الأول/ديسمبر 2011 العدد 12058.
من كل ذلك يتضح جلياً أن الحوار ليس وطنياً ولا علاقة لأهل السودان به، بل هو توجيهات أمريكية بامتياز، ولم يُخفِ الأمين العام للحوار الوطني ما ذهبنا إليه حيث كشف خلال مخاطبته المؤتمر الصحفي لتدشين ما يسمى بالنفرة الشبابية لدعم الحوار الأربعاء 5 تشرين الأول/أكتوبر 2016م، كشف عن زيارة لمبعوث أمريكي إلى الخرطوم يوم الخميس، للوقوف على مجريات الحوار الوطني والتوصيات المقرر إجازتها. كما تقدم بالشكر إلى أمريكا على دعمها المباشر للحوار بالزيارات المتكررة للمسؤولين لمقره، بجانب الضغوط التي مارستها على الحركة الشعبية وحركات دارفور للتوقيع على خارطة الطريق..) الموقع الرسمي للحوار الوطني.
إن المراد من هذا الحوار كما هو واضح هو علمنة السودان وتمزيقه، وتغيير هوية أهله الإسلامية، وربطهم بالهويات الدنيئة المنحطة مثل الوطنية وما شاكلها، وإقصاء الإسلام عن الحكم، عبر تغيير الأحكام والحدود ذات الصبغة الإسلامية كما أكد ذلك الرئيس البشير في 28 أيلول/سبتمبر 2016 أمام البرلمان قائلاً: "إن استيعاب مخرجات الحوار الوطني يتطلب تعديلات دستورية وقانونية محدودة سيتم عرضها على البرلمان خلال دورته المقبلة لإجازتها". وأكد ذلك الحاج آدم - نائب رئيس الجمهورية ورئيس قطاع الفكر والثقافة بالحزب الحاكم في حوار مع صحيفة الصيحة الأربعاء، 10/8/2016م بقوله: "الحوار بحث كيف يحكم السودان ووصل لوضع مناهج لحكم السودان". وفي السياق ذاته أجاز مجلس الوزراء في أيلول/سبتمبر الماضي إلغاء حكم الرجم من القانون الجنائي، وقبله في آب/أغسطس كان قرار وزير الإرشاد بمنع الحديث الديني في الأسواق، بل ومضوا أكثر من ذلك فانتزعت الحكومة أئمةً من منابرهم في أطراف الخرطوم.
أما أمر التمزيق فيتضح فيما يسمى بالفدرالية والحكم الذاتي لتمهيد بقية الأقاليم للانفصال، ومن ذلك مطالبة الحركة الشعبية قطاع الشمال بالحكم الذاتي لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، عقب اجتماعها في دار السلام - عاصمة تنزانيا - في الفترة من 7- 12/10/2015م (سودان تربيون 15/10/2015). من كل ذلك يظهر ما يراد من الحوار الوطني التي تبشر به الدولة. وإنَّه لمن المحزن والمؤسف أن القائمين على أمر الحكم في السودان لا يتعظون من اتباع سياسة أمريكا الرعناء برغم النتائج الكارثية التي ساقتهم إليها سابقاً، كما في فصل الجنوب الذي دفع أهل السودان شماله وجنوبه ثمن انفصاله فقراً ومرضاً وحروباً ومعاناة وشقاء وانهياراً للاقتصاد، حتى وصل الجنيه في شمال السودان إلى حافة العشرين وما زال يعاني من السقوط، ووصل الجنيه في (دويلة) جنوب السودان إلى الثمانين جنيهاً مقابل الدولار. إنَّ أعداء الله لا يمكن أن يأتوا بالحلول لمشاكل المسلمين، بل لا يستوي ذلك مع نفسيتهم قال تعالى ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾. كما إن الإسلام غني بثروته الفكرية والثقافية والحضارية في الحكم والسياسة والاقتصاد وغيرها فلا يحتاج إلى أية توجيهات من أحد لا بالحوار ولا غيره، لو طبق عبر دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
وهذا الحوار دليل على فشل الوسط السياسي في السودان، في تقديم فكرة سياسية، تعالج مشاكل البلاد، لذا ارتضى من جلسوا في هذا الحوار بالحل الأمريكي كأنه مقدس، وما دروا أنه السم القاتل. لذا تتضح أهمية الوعي السياسي لدى الأمة الإسلامية، لأنه هو الضمان للحفاظ على الأمة من مؤامرات الأعداء ومكرهم، والوعي السياسي هو النظر إلى الأمور بمنظار العقيدة الإسلامية، في كل حدث وكل قضية. وبذلك يتقي المسلمون مخططات الكفار ويسرعون الخُطى ليقيموا دولة تحميهم وتطبق فيهم شرع ربهم لينالوا سعادة الدنيا والآخرة.
بقلم: محمد جامع (أبو أيمن)
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع