حظي الملف الاقتصادي في تونس - في الآونة الأخيرة - باهتمام كبير في الأوساط الإعلامية والسياسية، نظرا للأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد، وتزامن هذا مع المصادقة على قانون الاستثمار وعرض الحكومة لقانون المالية لسنة 2017 على مجلس الشعب وتفاقم حجم المديونية، ومن جهة أخرى كثر تداول حجم الثروات الضخم الذي تتمتع بها البلاد.
إذ توجد في تونس كميات لا بأس بها من الموارد البترولية، فهي تنتج ما معدله 97600 برميل يوميا من النفط، وتبلغ احتياطات تونس من الغاز الطبيعي حوالي 65 بليون متر مكعب، بينما يبلغ المخزون الاحتياطي للنفط 450 مليون برميل، حسب بيانات وكالة الاستخبارات الأمريكية.
كما تتوفر في تونس أيضا ثروة مائية مهمة تعادل 5% من مساحتها الإجمالية، الشيء الذي يساهم في ازدهار النشاط الفلاحي، وتلبية حاجات أهل تونس من المياه، علاوة على أن لديها %17,35 من مساحتها الإجمالية، صالحة للزراعة. وتطل تونس على واجهتين بحريتين أمام البحر الأبيض المتوسط، ما قد يوفر لها اكتفاءً ذاتيا في الثروة السمكية.
ويرى العديد من الخبراء أن هذه الموارد تغنيها عن القروض وسياسة التقشف التي تريد أن تنتهجها الدولة نظرا لما تعيشه البلاد من غلاء للمعيشة وتعثر الدورة الاقتصادية.
فقد أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية، إياد الدهماني، أنّ المؤشرات المالية للبلاد خطيرة، مضيفاً أن "العجز فاق المتوقع بنسبة الضعف". كما أبرز الدهماني أن "كتلة الأجور تمثل 75 بالمائة من مداخيل الدولة ولا "يبقى شيء للتنمية". فقد ارتفعت نسبة التضخم خلال شهر أيلول/سبتمبر 2016 إلى 4.2 % مسجلة زيادة بـ0.4 نقطة مقارنة بشهر آب/أغسطس 2016 (مستوى 3.8 بالمائة) مؤكدة بذلك نسقها التصاعدي منذ مطلع 2016 والذي لم يتراجع إلا خلال شهر تموز/يوليو، حسب بيانات نشرها المعهد الوطني للإحصاء.
وكانت قد أشارت وزارة الشؤون الاجتماعية في تقريرها إلى أنّ نسبة الفقر في تونس تجاوزت في سنة 2014 نسبة 24% منتقدة معايير احتساب معدلات الفقر من قبل المعهد الوطني والتي تغفل الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع التضخّم وانهيار سعر صرف الدينار وزيادات الأسعار المتواصلة وارتفاع نفقات العلاج والسكن والدراسة والضرائب وغيرها من المصاريف اليوميّة لأهل تونس. وتتضاعف نسبة الفقر عن المعدّل الوطني خصوصا في المناطق الداخليّة من البلاد.
ورغم هذه الحالة السيئة التي تعيشها البلاد، والتي وجب في الأصل الوقوف على أسبابها وجذورها لإيجاد حلول حقيقية وغير ترقيعية، إلا أن المسؤولين المتعاقبين بعد الثورة واصلوا نفس السياسة المعتمدة سابقا: البحث عن مساعدات دولية في حقيقتها فتح الباب لنهب ثرواتنا وتعميق الارتهان لصندوق النقد الدولي والبنك المركزي وإلى جانب الإقبال على الاقتراض لتغطية تراجع أداء الاقتصاد المحليّ وتقديم التعهدّات بتطبيق البرامج والإملاءات الخارجيّة دون الرجوع إلى الأسباب الهيكليّة والخيارات الكبرى التي كانت السبب الحقيقيّ لما آلت إليه الأمور اليوم على المستوى الاقتصاديّ.
فقد أعلن وزير التنمية والتعاون الدولي والاستثمار فاضل عبد الكافي أن الوفد التونسي الذي تحول إلى الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، أعلن أنه تم التفاوض مع مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد ورئيس البنك العالمي حول مدى استعدادهما لتقديم المزيد من التمويلات لتونس حتى تتمكن من تجاوز الحالة الصعبة التي تمر بها حاليا وبالتالي استكمال مرحلتها الانتقالية بنجاح.
وبين وزير التنمية والتعاون الدولي والاستثمار أن ارتفاع ميزانية الدولة من 18 مليار دينار إلى 30 مليار دينار في ظرف 5 سنوات، وتضاعف المديونية من 25 مليار دينار إلى أكثر من 50 مليار دينار في الفترة نفسها علاوة على تدهور قطاعي الفوسفات والسياحة بالخصوص، تعد من بين أهم العوامل المسبّبة للوضعية الصعبة التي تشهدها البلاد. وفي سياق متصل، أفاد المسؤول التونسي أن تونس ستسعى للحصول على ضمانات أمريكية جديدة.
والغريب أنه رغم التصريح بتضاعف حجم المديونية فإن الحكومة مواصلة في سياسة المديونية فقد وافق مجلس إدارة البنك العالمي، بداية أيلول/سبتمبر 2016، على "تمويل إضافي بقيمة 18 مليون دولار (ما يعادل 39،7 مليون دينار)، يوجه لاستكمال نظام تصريف المياه المستعملة المطابق للمعايير البيئية والذي يعتبر إرساؤه أساسيا من أجل حماية النظم البيئية البحرية الهشة للساحل التونسي". كما وقعت المصادقة على قرض من البنك الأفريقي للتنمية، سيتم تخصيصه لتمويل ميزانية الدولة ونفقاتها بعنوان السنة الحالية. وناهزت قيمة القرض 268 مليون يورو بفترة سداد تقدر بـ 25 سنة مع 7 سنوات إمهال. ويتمتع التمويل بنسبة فائدة ضعيفة 0.36 بالمائة.
إن هذه السياسة الاقتصادية أدت بالفعل إلى رهن البلاد للكافر المستعمر وسمحت لصندوق النقد الدولي التدخل في دقائق الأمور وفرض أجندته، فقد تم الكشف خلال أشهر مضت عن رسالة نوايا موجهة لـرئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد وقّعها محافظ البنك المركزي، الشاذلي العياري ووزير المالية حينها إلياس فخفاخ.
استعرضت الوثيقة المذكورة أهم الشروط الواجب تنفيذها من قبل الحكومات التونسيّة للحصول على قرض. وتتلخّص هذه "الإصلاحات" كما قدّمها كلّ من محافظ البنك المركزي ووزير الماليّة في:
• رسملة البنوك العمومية
• تدعيم استقلالية البنك المركزي
• الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص
• مراجعة منظومة الدعم
• التحكم في كتلة الأجور ونفقات التسيير والتصرّف العموميّة
• المصادقة على مشروع مجلّة الاستثمار الجديدة
• إصلاح القطاع البنكي والمؤسسات المالية
• المصادقة على مشروع الإصلاح الجبائي
والحاصل أن الطاعة العمياء للدول الاستعمارية أدت بالبلاد إلى حافة الإفلاس، ولن نستطيع تدارك الأمر إلا إذا ما تغير النظام الاقتصادي في البلاد ومنه السياسة الاقتصادية.
رأيك في الموضوع