قرر مجلس شورى حركة النهضة التونسية فصل العمل السياسي للحزب عن الأنشطة الدعوية، وقال رئيس الحركة راشد الغنوشي على هامش انطلاق فعاليات الدورة الـ "46" لمجلس شورى الحركة، "نحن بصدد التحول إلى حزب سياسي يتفرغ للعمل السياسي، ويتخصص في الإصلاح انطلاقا من الدولة ويترك بقية المجالات للمجتمع المدني، ليعالجها ويتعامل معها من خلال جمعياته ومنظومة الجماعات المستقلة عن الأحزاب بما في ذلك النهضة".
وبين رئيس مجلس شورى الحركة «فتحي العيادي» أن الحركة تريد أن تتقدم بمشروعها الإسلامي نحو تخصص وظيفي كحزب سياسي مدني ديمقراطي متأصل في هويته الإسلامية.
إن هذا القرار المزمع المصادقة عليه خلال المؤتمر الذي ستعقده النهضة آخر هذا الأسبوع، كان نتيجة ضغوطات داخلية وخارجية تشترط عليها هذا الإعلان الرسمي عن فصل الدعوي والسياسي، فرغم ممارسة الحركة لهذا الفصل بشكل واضح بعد الثورة بتمرير دستور علماني وإرجاع أهل الفساد إلى الحكم وترك الأحكام الشرعية وراء ظهرانيها، فرغم كل هذا، يُفرض عليها إصدار قرار رسمي ومعلن بفصل الدعوة عن السياسة. ففي حديث مع بي بي سي عربي، يقول جمال الطاهر، نائب مجلس شورى حركة النهضة، "نحن منذ عام 1981، نطالب بالحصول على ترخيص لحزب سياسي ولكننا منعنا من ذلك، إلى أن جاءت الثورة وفتحت الأبواب أمام الجميع للممارسة السياسية، ومنذ ذلك الحين ونحن نسعى إلى تطوير حركة النهضة بما يتلاءم مع الوضع الجيوسياسي في البلاد". ولهذا وللأسف فإن الحركة جعلت مصدر تفكيرها الواقع كلما أملى عليها الواقع أمرا استجابت له.
ولقد أغفلت أو تغافلت قيادات حركة النهضة على أن السياسة هي رعاية الشؤون، ورعاية الشؤون عندنا لا يجوز أن تكون إلا بالإسلام، ومن جهة أخرى فإن الدعوة هي عمل سياسي، فحثّ الناس على قبول الإسلام، هو أيضا عمل سياسي؛ لأنّه من باب القيام على أمر الناس بما يصلحهم، وهذا سياسة. لذلك لا يتصور أن تحمل الدعوة الإسلامية بغير الطريق السياسي، ولا يتصور أن تكون هناك دعوة منفصلة عن السياسة.
إنَّ التجاذُب بين الدعوة والسياسة، ليس له أصل في الفكر الإسلامي، بل هو دخيل عليه؛ لأن الإسلام لا يعترف بهذا الطرح، فالإسلام مبدأ قائم على جملة من الأفكار والمفاهيم والمقاييس التي تنبثق من مشكاة واحدة هي العقيدة الإسلامية.
ولهذا نذكر إخواننا في حركة النهضة بقول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، أي لتوجدوا أيها المسلمون جماعة منكم، لها وصف الجماعة، تقوم بعملين: عمل الدعوة إلى الإسلام، وعمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذه الجماعة التي أمر الله بإيجادها في هذه الآية، يجب أن تكون سياسية، وذلك آتٍ من أن الآية قد عيّنت عمل هذه الجماعة، وهو الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاء عاماً، فيشمل أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وهذا يعني وجوب محاسبتهم، وهو عمل سياسي بل هو من أهم الأعمال السياسية.
رأيك في الموضوع