نشرت "ميدل إيست آي" حوارا مع راشد الغنوشي تحت عنوان "آراء حول الإسلام الديمقراطي" وقد تضمنت تصريحات الغنوشي العديد من النقاط التي وجب الرد عليها خاصة فيما يتعلق بفهم السياسة في الإسلام وكيف تكون الممارسة السياسية.
إذ يقول الغنوشي في معرض تصريحاته أن "المجال السياسي ليس مقدسًا لكنه مجال قابل للتغيير، إنّه مجال مدني وبشري، خالٍ من الاجتهاد أو التفكير الإنساني المستقل. أكثر من 90 بالمئة من النصوص الإسلامية مفتوحة للتفسير والتدقيق. ونحن نعتبر بعض النصوص القليلة ثابتة أو غير قابلة للتغيير. يخلط الكثير من المسلمين بين نوعين من النصوص ويعتبرون جميع النصوص مقدسة ولا يمكن المساس بها تحمل معنى واحداً فقط". وهنا يلاحظ خلط واضح بين النص الشرعي والتعامل معه، فالنصوص الشرعية كلها مقدسة وغير قابلة للتغيير في أي حال من الأحوال، أما التعامل معها بالاجتهاد في فهم النص في حالة كونه ليس قطعي الدلالة قطعي الثبوت وبذل الوسع في استنباط الحكم الشرعي فهذا واجب المسلمين، وفي هذه الحالة وجب عدم الخروج على النصوص الشرعية حين ممارسة السياسة بل وجب التقيد بأحكام الإسلام، فكون وجود اختلاف في الاجتهادات لا يعني تركها والالتجاء إلى أحكام بشرية لا علاقة لها بالنص الشرعي لممارسة العمل السياسي. وبالتالي فإن هناك ثوابت في ممارسة العمل السياسي كرعاية شؤون الناس على أساس الإسلام وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيره من الأعمال السياسية التي يجب على المسلم وعلى جميع الأحزاب التقيد بها ولا يجوز التنازل عنها قيد أنملة.
أما إجابة الغنوشي عن سؤال: "هل تقول إنَّ الأئمة ينبغي ألّا يتحدثوا في السياسة؟" بقوله: "لا يمكنهم الحديث عن السياسة، ولكن عن المصلحة الوطنية المشتركة. عندما يكون بلد تحت الاحتلال، يحثّ الإمام الناس على المقاومة، مقاومة الفقر، مقاومة أي مرض اجتماعي، وليس الحديث عن الأحزاب السياسية". وقوله في موضع آخر: "نحن لم ننفصل عن الدين. الإسلام هو مرجعيتنا... ولا يقوم برنامجنا على الدين؛ بل يقوم على تقديم خدمات حقيقية للناس، وحلول حقيقية لمشاكلهم اليومية، وتوفير التعليم والرعاية الصحية الجيّدة وخلق فرص عمل"، هذه التصريحات فيها دلالة واضحة على اعتبار الغنوشي أنه يجب فصل الدين عن الدولة سواء على المنابر بعدم الحديث في السياسة أو حين وضع البرامج والأنظمة، في حين إنه تناسى أن واقع الحال هو الدين الإسلامي، ويقول الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، وأن رسول الله eأقام دولة لم يحكم فيها بغير الإسلام بل خاطبه الله - والخطاب عام - بقوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ ففي الإسلام لا يوجد قضية فصل الدين عن السياسة أو الحياة.
أما بخصوص حديثه عن الإسلام السياسي بقوله: "في تونس، نحن لسنا بحاجة إلى مواصلة الإسلام السياسي، لأنَّ هذا رد فعل على الدكتاتورية والتعلمن الشديد". وقوله أيضا إن "الإسلام السياسي هو مصطلح غربي استُخدم لأول مرة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، عندما شعر المسلمون أنّه كان هناك فراغ وأنهم مجبرون لإعادة بناء الأمة الإسلامية. قبل ذلك كان هناك فصل بين الدولة والمجتمع، وكان لكل عنصر دوره من العلماء والحكام إلى القضاة. ولكن عندما بدأت الدولة باعتقال العلماء (هيئة علماء المسلمين) ظهرت فكرة أنَّ الإسلام كان تحت التهديد. في تونس، الإسلام ليس تحت التهديد، لذلك نحن لسنا بحاجة إلى الإسلام السياسي" هذا الكلام فيه لبس كبير، فمن الناحية التاريخية ومنذ أن أقام الرسول eالدولة الإسلامية في المدينة إلى أواخر العهد العثماني كانت الدولة تقوم على أساس العقيدة الإسلامية والخليفة يسن التشريعات والقوانين من الكتاب والسنة باعتبارها أحكاما تشريعية. كما أن ممارسة السياسة على أساس الإسلام ليس ردة فعل على الدكتاتورية وعلى العلمانية المتشددة، وإنما هو حكم شرعي وجب التقيد به.
وفي الختام، نقول إن الحزب السياسي من وجهة نظر الإسلام هو ذلك الحزب الذي يقوم بالأعمال السياسية، أي بأعمال رعاية الشؤون وفق أحكام الإسلام، ويحاسب الحكام على أي تقصير في رعايتهم لشؤون الأمة أو حيدهم عن مبدأ الإسلام في تلك الرعاية، ويعمل في حال غياب الحكم الإسلامي إلى إيجاد الإسلام في واقع الحياة عن طريق إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة...
رأيك في الموضوع