فشل السودان في أن يبقى موحداً، وكان السبب الرئيس في هذا الفشل، هم الساسة والحكام، عندما سارعوا لإرضاء أمريكا، فحققوا لها رغبتها في فصل جنوب السودان عن شماله، بتكوين دويلة ذات صبغة نصرانية فيه. فهل كان الفصل حلاً لمشكلة جنوب السودان؟!
إن الواقع ينبئ بعكس ذلك، فبعد خمس سنوات من الفصل، لا يزال الجنوب رهين الحرب، والعنف، في دويلة لم تولد بصورة طبيعية، وإنما ولدت بعملية قيصرية، وسجلت حالة وفاتها في اليوم الأول لإعلان ميلادها، وتحول البترول؛ الثروة الوحيدة التي اعتمد عليها الساسة في الجنوب، ومن قبلهم ساسة الشمال، وتركوا بقية الثروات نهباً للمستعمرين، فأصبح البترول نقمة على أهل الجنوب، وصار سلاحاً ينخر جسدها المريض، حيث انزلق الجنوب في دوامة صراع دولي وقوده، أكبر قبيلتين فيه، حرب استمرت سنتين، وما زالت تداعياتها وإفرازاتها حتى اليوم، حيث اندلعت الحرب بين الرئيس (سلفا كير)، ومعه قبيلته الدينكا، ونائبه السابق الحالي (رياك مشار) مستنداً على قبيلته النوير، حيث قضت هذه الحرب على الأخضر واليابس، وارتكبت فيها فظائع تنأى عنها وحوش الغاب، فقتل عشرات الآلاف من المدنيين العزل، مما اضطر الملايين إلى الهرب من جحيم الحرب، فنزح مئات الآلاف إلى شمال السودان.
وفي بداية الأمر أعلنت حكومة الخرطوم عدم اعتبار أهل الجنوب الفارين من الحرب، والملتجئين إلى الشمال أجانب، وإنما رعايا لهم كل حقوق التابعية، وذلك عملاً باتفاق الحريات الأربع الموقع بين الدولتين، ولكن الحكومة نقضت غزلها، ونكصت على عقبيها، وأعلنت في نهاية آذار/ مارس الماضي أنها تعتبر من لجأوا إليها أجانب على أراضيها، وذلك رداً على اتهام جنوب السودان بدعم المتمردين الذين يقاتلون الجيش السوداني في الولايات الحدودية، فصارت حال اللاجئين والنازحين كالمستجير من الرمضاء بالنار، يعيشون ظروفاً صعبة تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة، فقد أكد مسؤول في المفوضية الأوروبية أن أكثر من خمسة ملايين سوداني يحتاجون إلى مساعدات عاجلة في السودان بعد حركة نزوح للسكان. وقال مدير الشؤون الإنسانية والحماية المدنية في المفوضية (جان لوي دو بروير) في بيان نشره برنامج الأغذية العالمي يوم الخميس الماضي، إن "الوضع الإنساني في الكثير من مناطق السودان بلغ مستوى حرجاً مع حركات نزوح جديدة في منطقة دارفور، وارتفاع أعداد الواصلين من جنوب السودان"، وأضاف: "أن أكثر من خمسة ملايين إنسان يحتاجون إلى مساعدات عاجلة"، وتأتي هذه التصريحات بعدما منحت المفوضية الأوروبية برنامج الأغذية العالمي 12.5 مليون يورو لعمليات الإغاثة في السودان.
هذا الوضع البائس والواقع المرير في شطري السودان، كان ثمرة مُرّة لفصل جنوب السودان عن شماله، مما يؤكد بلا شك أن فصل جنوب السودان، لم يكن حلاً لمشكلة الجنوب، بل فاقم من مشاكله، كما انعكس كل ذلك سلباً على شمال السودان؛ الذي يتحمل ساسته وحكامه الوزر الأكبر في كارثة الفصل. هذا السوء الذي نراه في السودان، في شماله وجنوبه، ما كان ليحدث لو أحسن الساسة في السودان رعاية شؤون أهلهم، في ظل الثروات الضخمة التي حبا بها الله سبحانه هذا البلد، وإن المرء ليعجب أن تحدث مجاعة في السودان أو نقص في إشباع الحاجات، سواء في جنوب السودان أو شماله، فأراضي السودان الخصبة السهلية المنبسطة، ومياهه العذبة في الأنهار، والأمطار، كفيلة بإطعام عشرات الأضعاف من مثل سكان السودان. فبسياسة هؤلاء الحكام والسياسيين، أصبحنا نتسول الغذاء عند منظمات الكفر العالمية، والتي يعلم القاصي والداني أنها لا تريد للمسلمين خيراً وإن أظهرت ذلك! فهو نوع من التضليل، فهي التي تعمل على تأجيج الصراع، وإطالة أمده حتى تُحكِم بلادهم سيطرتها على بلادنا وثرواتنا، ويعطونا الفتات لنبقى على قيد الحياة، يقول المولى سبحانه: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
لقد أوضح حزب التحرير فصول المؤامرة على السودان؛ بفصل جنوبه عن شماله، فبين حقيقة الصراع، وكشف أدواته من كل الأطراف في الداخل والخارج، كما بين المخاطر التي تقع على السودان جنوبه وشماله حال الفصل، وهو ما أثبتته الأيام، لم يكن ما قام به حزب التحرير مجرد كلام في الصالات المغلقة، وإنما قام بأعمال ضخمة قبل الفصل؛ فسير المسيرات والمؤتمرات الرافضة لتفتيت السودان عبر فصل جنوبه عن شماله، واعتصم شبابه والمؤيدون أمام البرلمان، وجمع عشرات الآلاف من التوقيعات الرافضة للفصل وقدمها لرئيس الجمهورية، إضافة إلى إصداره عشرات البيانات، والنشرات، والكتيبات، علها تجد آذاناً صاغية، ولكن لا حياة لمن تنادي، فسار المخطط للأسف كما أرادت له أمريكا أن يسير ووقع السودان في ماكينة التمزيق الأمريكية.
لم يكتف حزب التحرير بإيراد المخاطر والكوارث التي ستحل بالبلاد جراء الفصل، بل أعطى الحزب العلاج الجذري لمشكلة جنوب السودان؛ بإحسان رعاية أهل الجنوب، وتوفير الحاجات الأساسية لهم، ولكل أهل السودان، دون تمييز بين عرق أو لون أو جهة أو دين، وتسخر الدولة وتسعى بكل طاقاتها، وثرواتها، لتمكين الناس من إشباع حاجاتهم الكمالية، وأن ذلك لا يكون إلا بتوحيد السودان مع غيره، في ظل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وليس في تفتيت السودان نفسه، الذي يجري على قدم وساق.
رأيك في الموضوع