جعل الله تبارك وتعالى شهر رمضان، موسماً للطاعات والتقرب إليه سبحانه وتعالى، وفضله على سائر الشهور، فهو شهر الرحمة والمغفرة، والعتق من النار، وهو شهر الصبر، أيامه معدودات ولياليه مقصورات، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه الشياطين، يقبل فيه الناس على الصيام والقيام طاعةً لله عز وجل، فيمسكون عن شهوتي البطن والفرج في النهار، وتصوم كذلك الجوارح عن المعاصي والآثام، فيمسك الصائمون عن الكذب والنميمة وقول الزور، يغضون أبصارهم عن محارم الله، راجين رحمة الله ومغفرته وعتقه لهم من النار، وتمتلئ بيوت الله بالزوار؛ مصلين، وتالين لكتاب الله العظيم، يعمرون مساجد الله امتثالاً: لقوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾.
ولكن في مقابل كل هذه الطاعات، نغفل عن طاعات أخرى فنهملها، وهي الطاعات المتعلقة برعاية الشؤون، ومحاسبة الحكام، وتغيير الواقع الفاسد الذي تعيشه الأمة اليوم، والعمل لاستئناف الحياة الإسلامية التي انقطعت منذ تسعة عقود وتزيد، بسقوط دولة الإسلام الخلافة، وذلك بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فهل نطيع الله تعالى حق الطاعة، حين تقتصر طاعتنا لله بالتزام العبادات من صلاة وصوم وصدقة وتلاوة للقرآن، في مقابل عدم العيش في ظل أحكام رب العالمين، وجعل حياتنا تقوم على أساس مرضاته، وإنما العيش تحت هجير الرأسمالية الجشعة، التي فصلت الدين عن الحياة، فضلت وأضلت، فعاش الناس في ظلامها الدامس يتخبطون فيه كما الذي يتخبطه الشيطان من المس، وأصبحنا في ضنك العيش، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾.
إن الأمة اليوم تتطلع لغد مشرق تعيش فيه في ظل الإسلام الوارف، ولكن السبيل إلى ذلك لا يكون فقط بالقيام بالطاعات الفردية من صلاة وصوم وتلاوة للقرآن، فإنه لا بد من العمل الجاد من أجل استئناف الحياة الإسلامية، فالله سبحانه وتعالى تكفل بنصر من ينصره، ونصره لا يكون بالصوم والصدقة والدعاء وحسب، وإن كان كل ذلك مطلوباً، وإنما يكون ببذل الجهد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فالنبي e كان أكثر الناس صياماً وصلاة وقياما، وكان أجود من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان، كما جاء في الحديث، وكذلك كان أصحابه رضوان الله عليهم يهتمون بالصلاة والصيام والصدقة وغيرها من الطاعات، إلا أنهم لم يقتصروا على ذلك، بل كان همهم أن يكون الإسلام هو الذي يحكم حياة الناس، سياسة واقتصادا وعبادة ومعاملات وأخلاقاً وعقوبات، وقد كان شهر رمضان بالنسبة لهم هو شهر العمل لإعزاز هذا الدين، ورفع راياته، حتى لا يكون دين في الأرض سواه، جاعلين قوله سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، نبراساً يضيء لهم الطريق، فكانت غزوة بدر في رمضان، انتصر فيها المسلمون وهم صائمون، في قلة من العدد والعدة والعتاد، فكان النصر حليفهم لأنهم نصروا الله القائل سبحانه: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، وكان فتح مكة، هذا الفتح العظيم الذي كان سبباً في دخول الناس في دين الله أفواجاً أيضاً في شهر رمضان، وغير ذلك من الأعمال العظيمة التي قام بها المسلمون الأولون في شهر رمضان، وهم صائمون قائمون تالون لكتاب الله متصدقون، رافعون أكف الضراعة ليتقبل الله كل هذه الطاعات.
فما أحرانا اليوم أن نسير سيرهم، ونتبع خطاهم، ونحن نعيش حالة شبيهة بحالة المسلمين قبل قيام دولتهم في المدينة المنورة، فكانوا قلة مستضعفين، ولكنهم كانوا أقوى بإيمانهم، لا يقعدهم عن العمل خوف التعذيب أو التنكيل، أو حتى القتل، باعوا أنفسهم وأموالهم لله، فنصرهم الله نصراً مؤزرا، وأقام لهم دولتهم على يد أعظم الخلق، وسيد ولد آدم، محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه، الذي بين أن الأمر من بعده خلافة، وهكذا كانت خلافة راشدة من بعده على منهاجه، وظل المسلمون في خير ما داموا في ظل دولته؛ دولة الخلافة، يفتحون البلدان، وينشرون الخير، والهدى، ويخرجون الناس من الظلمات إلى النور، حتى تقاعس المتأخرون من المسلمين، فأخذ الكفار المستعمرون ما بأيديهم، بل غزوهم في عقر دارهم، وهدموا دولتهم، وأقاموا أنظمة الكفر مكان الإسلام العظيم، وأصبح واجباً على الأمة أن تنهض من كبوتها وتعود خير أمة، تُحكم إسلامها وتحمله للعالمين. ولا يكون ذلك إلا بالعمل الجاد مع شباب حزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فتكتمل بذلك طاعتنا لله عز وجل.
وهنا لا بد من كلمة نخاطب بها أهل القوة والمنعة من ضباط وجنود المسلمين في كل مكان، أن هيا في شهر الفتوحات والانتصارات، انصروا دينكم، وأعزوا أمتكم، وأعطوا النصرة لحزب التحرير ليقيمها خلافة راشدة على منهاج النبوة، فتنالوا أجر الأنصار الذين نصروا رسول الله r فمدحهم الله في كتابه العزيز، حيث قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم﴾.
رأيك في الموضوع