من علامات الصحة والعافيةِ في حالِ أمةٍ من الأمم أنه لا يحصل بين أبنائها اقتتالٌ إلا استثناءً. وهو مُعالَجٌ إن حدثَ - في حالة الأمةِ الإسلامية - بالأحكام ذات الصلة من شريعتها بقوة سلطان الأمةِ وبحضور الدولة في حياتها، إذ حالةُ الصحة في هذه الأمة تحديداً تفترض وجودَ دولة الخلافة عزيزةً منيعةً بعز الإسلام وقوته. أما الحالة المرَضية، وهو ما نراه اليوم من حال المسلمين بسبب غياب هذه الدولة، فهو ما يجعل الأمةَ فاقدةً للمناعة وبالتالي عرضةً لجميع المخاطر والمصائب والنكبات. فلا تكاد هذه الأيام تخلو منطقة أو ساحةٌ في أرجاء البلاد الإسلامية إلا وفيها تنازعٌ أو اقتتال على أساس عرقي أو مذهبي أو طائفي بحسب مآرب أعداءِ الأمة في الغرب! إلا أن ساسةَ الغرب - كما هو شأن السياسيين عموماً - لا ينطلقون من فراغ ولا يشتغلون في أوساط أعدائهم (وهم أمتنا) إلا بما هو موجود في البلاد الإسلامية من ثغرات وفجواتٍ قابلةٍ للتوسيع بين أبناء الأمةِ ومكوناتِها على اختلافها وتنوعها بسبب ابتعاد الأمةِ عن مبدئها! هذه الفجوات التي ما فتئت الدول الغربيةُ والقوى المعاديةُ تعمل على توسيعها وتوظيفها، مستغلةً ما هو موجود من خلافاتٍ بين هذه الكيانات (الوطنية) القائمةِ بمختلف أشكالها وارتباطاتها بحكم عمالتها، فضلاً عن الأحزاب والحركات والتكتلات غير المبدئيةِ بمختلف أسمائها ومسمياتها بحكم واقعيتها!
ومن ذلك أن عقدةَ بعض الحركات الإسلاميةِ تتمثل في كون جل أتباعها يرون مثلاً أنهم يمثلون "الحركة الإسلامية" معرَّفة بالألف واللام، أو عند بعضهم الأمةَ الإسلامية جميعَها!!! كما أن عقدةَ بعضها الآخر وهم من يُطلق عليهم "السلفية" (الوهابية) أنهم يرون أنهم يمثلون "أهل السنة والجماعة" أي أهلَ الصفاء والنقاء المتمثل في الجيل الأول من الصحابة والتابعين من أهل الإسلام! وهذا واضح أيضاً في تسمية حركاتهم ونسبتها إلى السلف الصالح، بغض النظر عمن اختار لهم هذا الاسمَ أو كيف جرت تسميتُهم به. ومَن ليس منهم، أي مَن يقول من الأفراد أو الجماعات مثلاً: "أنا لست سلفياً"، فكأنما يُقرُّ - بحسب التسمية - بأنه ليس على منهج السلف الصالح الذين هم خيرُ الأمةِ في شيء!! ولذلك سهُل عليهم أي على أتباع "الحركة السلفية" - على الأقل بسذاجة بعضهم - تكفيرُ غيرهم، خصوصاً كل مَن يسمون بالشيعة بجميع أصنافهم، وذلك بتصنيفهم عقدياً خارجَ الملة أو توصيفهم باسم الرافضة (من خلال توظيف مصطلحاتِ التاريخ فضلاً عن النصوص)!! ولنا أن نتخيل ما يترتب على ذلك من سلوكياتٍ تجاههم. وكفى بذلك مطباًّ وغلواًّ يُوظفه الكفارُ وعملاؤهم في بلاد المسلمين في ضرب وحدةِ الأمة الإسلامية! فليس ذلك في الحقيقة إلا بتدبير من الأعداء الغربيين حتى في أسماء هذه الحركات عند نشأتها! وكذلك مَن يقول من المسلمين مثلاً: "أنا لست من الإخوان المسلمين"، فكأنه يقول أنا لست من الإخوان ولا من المسلمين، أي أنه من الأعداء أو من الكافرين (بحسب التسمية أيضاً، وإن كان لا يقصده)!! ولذلك كبر أو عظُم على الإخوان أن يتحرك متحرك على أرض الواقعِ لإصلاح أو تصحيح أو تغييرِ أوضاع الأمةِ خارج إطارهم!! وهذا مشاهد معروف منذ عقود. فكأنهم منذ نشأتهم هم "الحركة الإسلامية" (معرَّفة بالألف واللام)!! فترى هؤلاء وأولئك يجري تسخيرُهم من هذه الزاوية الحزبية من قِبل الأنظمة العميلة للغرب فكرياً وسياسياً، كما يجري تسخيُر غيرهم واستخدامُهم على أساس العرقية أو المذهبية أو الطائفية المقيتةِ منذ عقود في الصراعات الإقليمية والدولية في هذا البلد أو ذاك بحسب المرحلة وطبيعة الصراع والظرف. أي يجري توظيفُهم سياسياً وفق ما تشتهي الأنظمةُ العميلة، دائماً لصالح الأعداء في الغرب، ودائماً بهدف تحقيق أغراضِ الكفار المستعمِرين في الغرب!! فمـُفتي السعودية مثلاً قال منذ أيام ما معناه: "إن الإيرانيين ليسوا مسلمين، وإنما هم من الفارسيين المجوس". وغير هذا كثير من أقوال هذا الطرف أو ذاك (ولا نريد سرد كل ما قيل). ولنا مثال آخر فيما سمعناه في مؤتمر غروزني عاصمةِ الشيشان الذي انعقد قبل أيام تحت عنوان "مَن هم أهلُ السنة؟"، حيث جرى توظيف بعضِ المسلمين من أبناء الأمة - وهم الصوفية - ضد بعضٍ فكرياً وسياسياً بتدبير أمريكي-روسي خدمةً لأغراض الأعداء الكفار في الغرب، بحضور وبمباركة شيخ الأزهر!!
وكذلك ما سمي حزب الله، أي حزب إيران وذراعها العسكري - السياسي في لبنان، فإنه يجري توظيفُ أتباعه فكرياً وسياسياً وعسكرياً منذ نشأته بالصفة الطائفية المذهبية أو بغيرها إقليمياً ودولياً. ونحن وإن كنا نسأل: هل هو حزب سياسي أم عسكري؟ وكذلك نسأل: ما الهدف من إيجاده أصلاً في بلاد الشام وفي لبنان تحديداً (؟)، فإننا نجزم بأنه وقع دون شك - من حيث الاسم فضلاً عن المسمى - في شرَك أنَّ مَن يقول إنه ليس من "حزب الله" فكأنه يُقرُّ بأنه ليس من الله في شيء (أيضاً بحسب التسمية من مفهوم المخالفة)، إذ غيرُ حزب الله هو حزب أعداء الله أي حزب الشيطان! وكفى بذلك زلةً وخنجرَ تقسيمٍ وتسميمٍ وفرقةٍ وتشتيت وتمزيقٍ في الأمة!! فصار كل هؤلاء وأولئك بأسمائهم فضلاً عن مسمياتهم (من حيث التوظيف فكرياً وسياسياً بانتماءاتهم، أو إقليمياً ودولياً بارتباطاتهم) صاروا عقدةً جديدةً تضاف إلى العقد السابقةِ في مجتمعات المسلمين، أي في جميع أقطار البلاد الإسلاميةِ ولو بشكل من الأشكال! وذلك من حيث إن أسماءَهم أو تسمياتِ حركاتِـهم تحمل ما يُشعر أتباعَهم بأن غيَرهم ليسوا من الأمة، أو تُشعرهم هم بانفصالهم عن بقية الأمة. فكأنَّ بواقع هذه التسميات وما يشبهها - وهي كثيرة - تصبح سهامُ بعض الأمةِ تحمل في ذاتها استعدادَ أو قابليةَ أن تكون موجَّهةً إلى البعض الآخر داخل الأمةِ نفسها في أية لحظةٍ أو محطةٍ من محطات الصراع مع العدو الحقيقي وهو الغرب! خصوصاً عند من يكون الأكثر قابليةً وجاهزيةً للتوظيف الفكري - السياسي بالمال والسلاح، ليصبح الصراع دموياً من خلال الشحن الحزبي أو المذهبي (أو الطائفي تحديداً) من طرف عدو الأمة المتربصِ وهو الغرب الكافرُ المستعمر!!! وهو ما حصل بالفعل ويحصل الآن مثلاً في أجلى صوره في ثورة الشام الأخيرة حيث بان اصطفافُ حزبِ إيران ووقوفُه في صف الأعداء المتربصين وهم نظامُ الأسد وزمرتُه المجرمة ومَن وراءهم أي أمريكا وكيانُ الصهاينة وروسيا ونظامُ إيران وجميعُ مَن له مآرب في وأد الثورة في الشام وبقاءِ نظام الأسد ولو بغير الأسد!! وهو - أي ذراعُ إيران في لبنان - الحزبُ الذي كان بالأمس القريب - بحسب ما كنا نشاهد - في مواجهة كيانِ يهود عدو الأمة في جنوب لبنان، وهو ما زاد حينها من رصيده في الأمة بشكل غيرِ محدود، ولكن بكل تأكيد لغرضٍ مقصود!! وظل يفتخر مُذاك بدحر العدو وانتصاره على جيش كيانِ الصهاينة المجرمين!! وهذا هو عينه ما يجري الآن أيضاً في اليمن والعراق وفي كل مكان من قِبل الأعداء على صعيد مواجهة الكفار الغربيين مع الأمة الإسلاميةِ، وحتى في صراعهم فيما بينهم بتوظيف بعضِ الأمة الإسلاميةِ ضد بعضٍ بأي شكل من الأشكال. وهم بوصفهم كفاراً يضحكون ملء أفواههم من حال الأمة هذه، إذ هم أعداء جميع المسلمين من كل الأطياف (حتى لا نقولَ سنةً وشيعةً أو عرباً وأكراداً أو غير ذلك من التوصيفات!!). فكيف سيكون عند الله حسابُ كل هؤلاء المسلمين المتقاتلين والمتناحرين على أساس طائفي أو غيره مما يحرمهُ الإسلامُ تحريماً قاطعاً، خصوصاً وأنه في سبيل تحقيق أغراضِ ومصالح الكفار المستعمِرين؟!
ولكن هل كل ما يجري من صراع واقتتال خاصةً في بلاد الشام هو بسبب الانشقاق الطائفي والاصطفاف المذهبي الذي تقوده إيران (وما يسمى محور الممانعة أو قوى المقاومة!) في المنطقة العربية تنفيذاً للأجندة الأمريكية؟؟ الجواب لا. لذلك كان لا بد من بيان خطورةِ الشحن الطائفي والمذهبي والحزبي من جميع الجهات، وبيانِ خطورةِ تداعياته على الأمة الإسلاميةِ في العاجل والآجل.
وعلى سبيل المثال الذي يتضح به المقالُ، فإننا نجد من أثر الشحن الطائفي الذي يُوجده ويغذيه ويوظفه بدهاءٍ وحنكةٍ أعداءُ الأمة من أجل تحقيق مآربهم، ويؤججه العملاء بغباءٍ وخسةٍ من أجل خدمة أسيادهم، وبسبب ما يجري اليومَ منذ سنواتٍ من صراع في بلاد الشام تحديداً - وهي التي قامت فيها ثورةٌ كشفت المستورَ وفضحت العملاء قبل الأعداء - وما يتطلبه الكفاحُ السياسي ممن يعمل لإنهاض الأمة بالإسلام وإقامةِ الخلافة على منهاج النبوةمِن واجب فضحِ سياسةِ واشنطن المخادِعة والمنافِـقة تجاه أهل الشام في سوريا الجريحة وتجاه المسلمين في البلاد الإسلاميةِ عموماً، ودحر ما يقوم به الأمريكان ومؤيدو نظام الأسد المجرم، أي حلفاؤه من الروس وإيران وأذرعها في البلاد العربية تحديداً... نجد من أثر هذا الشحن الطائفي والمذهبي أن كلَّ مَن يريد كشفَ دور إيران في تنفيذ السياسةِ الأمريكية (ولو) بسرد الحقائق ماضياً وحاضراً في شأن علاقةِ "الجمهورية الإسلامية" منذ نشأتها في 1979م مع "الشيطان الأكبر" (أمريكا)، بات اليومَ يُواجَـه برد فعلٍ عنيف ورغبةٍ قويةٍ منالخصم المؤمن بمحور "الممانعة والمقاومة"! بالقول: يجب كشفُ عمالة السعوديةِ ودويلاتِ الخليج أولاً!! أو على الأقل بالتزامن (!)، وذلك بفضح ما تضطلع به هذه الأطرافُ (العربية) من أدوار في دعم بل تنفيذ مخططاتِ أمريكا والغرب في المنطقة!! بل ويُلحُّ الخصمُ على إقحام السعودية تحديداً في موضوع النقاش، وعلى وجوب فضح علاقةِ كل حكام العرب دون استثناء بكيان يهود وتعريةِ علاقتهم وعمالتهم للغرب قبل الحديث عن إيران وأذرعها في المنطقة، وتحديداً ما يسمى حزب الله!!
فهل فضحُ نظام إيران وسوريا الأسد وعمالتهما لأمريكا هو تبرئة لحكام السعودية ومصر وتركيا وغيرها؟؟ وهل كشفُ تبعِـية آل سعود للغرب يعني الوقوفَ في صف "جبهة التصدي ومحور الممانعة والمقاومة"؟ لذا فإن الحقيقة التي لا بد من إبرازها في هذا السياق هي أن نظامَ آل سعود منذ نشأته ليس من الإسلام ولا من أهل الجزيرة المسلمين في شيء! فهو لا يمثل المسلمين في الجزيرة العربية فضلاً عن غيرهم. تماماً كما لا يمثل حكامُ دويلات الخليج أهلَ الخليج المسلمين، ولا نظامُ طهران أهلَ إيران!! وإنما مَن يمثل المسلمين حقيقةً بجميع أطيافهم هو دولة الخلافة على منهاج النبوة (الغائبة) لا غير! وذلك لأن الأنظمةَ الحاكمةَ في جميع هذه الأقطار فاقدة للشرعية بحكم التبعية والعمالةِ فضلاً عن البعد عن الإسلام، إذ هي مرتبطة بهذا الطرفِ أو ذاك من أعداء الأمةِ الإسلامية في الغرب!
ولهذا كان لزاماً على الأحزاب والتكتلات السياسية الموجودة أو الناشئةِ في الأمة ألا تقع في هذا الفخ لا من حيث أسماؤها ولا من حيث مسمياتها! فحزب التحرير مثلاً - بمبدئيـته - لا يدخل باسمه ولا بمسماه في أي من هذه التوظيفات المذهبية أو الحزبية فضلاً عن الطائفية، أي لا يقع فيها لا من حيث التسمية ولا من حيث الماهية!! كما أنه لا يقبل أن يُقحمَ في مثل هذه المتاهات والصراعات الضيقة، ولا يقع في أي من هذه المطبات أو المنزلقات. فهو حزب سياسي مِن أحزاب الأمة مبدؤه الإسلام، ويعمل فيها ومعها (وهو منها) لتحريرها من هيمنة غير المسلمين (وهم الكفار المستعمرون) على أهل الإسلام وعلى بلادهم، وذلك بإقامة الخلافة وتوحيدِ الأمة - جميع الأمة - تحت راية الإسلام. فهو لا يحمل في اسمه فضلاً عن ماهيته أو خطابه ما يشتت أو يفرق الأمةَ، بل يوجِّه العداءَ كلَّ العداء والسهامَ كل السهام للكافر المستعمر! وهو أيضاً لا يحمل في اسمه ولا في مسماه قابليةَ التوظيف الفكري ولا السياسي. كما لا ينكر على أي أحد من العاملين - أفراداً أو تكتلاتٍ - عملَه في الأمة فضلاً عن وجودِه فيها بوصفه حركةً أو حزباً أو جماعةً أو تكتلاً يعمل لإنهاض الأمة بالإسلام. فكل المسلمين إخوةٌ وإخوانٌ في الدين بنص القرآن! قال تعالى: ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 11]. بل على العكس من ذلك، فهو يشجع أن يكون في الأمة تكتلاتٌ سياسية قائمةٌ على أساس الإسلام، أي مبدؤها الإسلام. تكتلات متضافرةٌ في مواجهة مخططاتِ الأعداء المستعمرين بوصفهم كفاراً من أجل تحقيق عزةِ الأمة وتجسيد وحدتها السياسيةِ على أرض الواقع بعودتها إلى دينها وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فيها. وهو بذلك حقيقةً يتحرك في الأمة بناءً على قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: 52]. فهو يعمل عكسَ ما يقوم به الاستعمار البغيضُ في بلاد المسلمين، إذ شغلُ الاستعمار في الأمة هو التشتيت والتقسيم وجميعُ أصناف التفرقة والتجزئة والتمزيق، فضلاً عن القهر والتركيع والإذلال والاستغلال. ولهذا كان عملُ حزبِ التحرير في الأمة منذ نشأته في عام 1953م هو توحيدها في كيان سياسي واحدٍ كما كانت من قبل، وهو معنى إقامة الدين واستئنافِ الحياة الإسلامية. إذ كل ذلك فرض من الله تعالى. فإذا قال أحدهم "أنا لست من حزب التحرير" فلا يُفهم - من خلال اسم الحزب في هذا القول - أن الشخص ليس من العاملين على تحرير الأمة من قبضة الكفار المستعمرين، إذ لا يخطر هذا المعنى من مفهوم المخالفة على باله أصلاً! بل لا يترتب على ذلك القول من القائل سوى أنه قد يكون من العاملين في غير حزب التحرير من الحركات الأخرى التي تعمل في الأمة عموماً. أو أنه - في أسوأ الحالات - ليس معنياً بعملية التغيير أصلاً! فلا يحمل حزبُ التحرير في اسمه فضلاً عن ماهيته أي في فكره وثقافته وخطابه ما يفرق أو يقسم الأمةَ ولا بوجه من الوجوه!
فشحنُ المسلمين طائفياً أو مذهبياً أو حزبياً أو قومياً أو وطنياً أو عشائرياً، وتجييشهم حتى على أساس اللغة أو العرق (مما يتنافى مع الإسلام)، كما هو جارٍ هذه الآونة في كل من العراق وبلاد الشام واليمن وفي أكثرِ بلاد المسلمين، لتوظيفه سياسياً وعسكرياً في خدمة الأعداء وضربِ الإسلام لهو جريمة كبرى في حق الأمةِ الإسلاميةِ يعاقبُ الله عليها أشد العقاب. إلا أن المفعولَ به (فرداً أو حزباً أو جماعةً أو فصيلاً مسلحاً أو غيرَ ذلك) ليس أقل جرماً أو مسؤوليةً ممن يُسخره من القوى الدوليةِ أو الإقليميةِ في كل ذلك (كالسعودية وإيران) خصوصاً إذا ما تحول إلى صراع دموي بين أبناء هذه الأمة الكريمة!
والحل لهذه المشكلة - ونحن ندرك أن المشكلةَ في الأحزاب والحركات لا تكمن في الاسم وحده - هو ببساطة تحري الوعي السياسي المبدئي الذي يمنع تسخيرَها من قِبل الأنظمة العميلة للاستعمار في خدمة مآرب الأعداء، وأن تتجنب الجماعاتُ والتكتلات الموجودة أو الناشئة أيضاً احتكارَ ما هو للأمة (عامةً) لنفسها خاصةً، خصوصاً في أسمائها فضلاً عن مسمياتها، لئلا يضرب بعضُ الأمة بعضاً أو يقتل بعضها بعضاً على مرأى من الكفار المستعمرين. ومن ذلك التمسكُ في العمل لإحياء الأمة بالخطاب الموجودِ في القرآن والسنة وتـجنبُ تسميات (مغلوطة!) من مثل: حزب الأمة، حزب الله، الحزب الإسلامي، حزب الحق... التي توحي أسماؤها - ولو بشكل غير مقصود - أنَّ من لا ينتمي إليها (أي مَن يكون خارجَها من المسلمين) لا يكون من الأمة ولا من المسلمين ولا من أهل الحق!! فضلاً عن تلك الأسماء التي تحمل صفةً مذهبيةً أو طائفيةً أو صبغةً عرقيةً أو غيرَها مما يتنافى صراحةً مع الإسلام. وذلك لأن جميع المؤمنين (رغم أنف الأنظمة العميلةِ ومَن يقف وراءها) إخوةٌ في الدين كما يرضى رب العالمين، وأن المسلمين - كل المسلمين - أمةٌ من دون الناس. قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: 10].
ولكن أنى لها ذلك وهي لم تكن بالأصل تمتلك وعياً سياسياً مبدئياً منذ نشأتها ابتداءً، وهو شرط عدمِ إمكانية التوظيف في ضرب الإسلامِ من قِبل الأعداء أي من قِبل الدول الغربية تحديداً، لا بالاسم ولا بالمسمى؟ فضلاً عن العملاء في هذه الدول الوطنية الآيلةِ إلى الزوال قريباً بإذن الله عندما تقومُ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي بالتأكيد سوف تُغلق أمام أعداء الإسلام (الغربيين خاصةً) كلَّ هذه الفجوات.
بقلم: صالح عبد الرحيم
رأيك في الموضوع