تقوم أمريكا بتحريك عملائها على وجهٍ يُحقّق لها مصالحها على المدى البعيد في العراق والمنطقة، فتستغلّ معركة استرجاع الموصل من تنظيم الدولة لِتُحْكِمَ قبضتها في العراق، ولِتُمِسك بمُجمل الخيوط التي تؤثّر في صياغة المشهد السياسي العراقي، فتُجبر حكومة العبادي على التعامل مع قوات البشمركة الكردية في عملية استرجاع الموصل، وتُحَدّد لكل طرفٍ من القوى العميلة لها دوره في المعركة، فقبيل وصول رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني إلى بغداد الأسبوع الماضي، وفي أول زيارةٍ له للعاصمة العراقية منذ أربع سنوات، مهّدت أمريكا لتلك الزيارة من خلال تصريح قائد القيادة الوسطى للقوات الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد الذي قال فيه: "إنّ خطط تحرير الموصل لن تكون ناجحة من دون مشاركة البارزاني وقوات البشمركة"، وكذلك من خلال تأكيدنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن على أهمية زيارة بارزاني والوفد المرافق له إلى بغداد، وقوله باستعداد واشنطن لدعم تلك الزيارة، وذلك عبر اتصالٍ تليفوني له مع بارزاني بهذا الخصوص، وقامت أمريكا بذلك كله على الرغم من وجود خلافات مريرة بين بارزاني وحكومة بغداد حول مسائل جوهرية عدّة، مثل قانون النفط والغاز، ورواتب قوات البشمركة، وحصة إقليم كردستان من الموازنة العامة، والمناطق المتنازع عليها.
وبعد لقائهما ذكر بيان الحكومة العراقية أنّ "العبادي والبارزاني عقدا اجتماعا مغلقا"، وقال العبادي عقب الاجتماع إنّ "معركة الموصل حاسمة ومهمة وبهمّة المقاتلين من الجيش العراقي والشرطة والحشد الشعبي والعشائري والبشمركة سنحقّق النصر كما حققناه في الشرقاط والقيارة والفلوجة"، وهذا يعني أنّ أمريكا تُريد استخدام كل عملائها في العراق بهذه المعركة بمن فيهم مجموعة إيران في العراق (الحشد الشعبي).
أمّا رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني فقال: "إن خطة تحرير مدينة الموصل من قبضة داعش والتي وضعتها القوات العراقية والبيشمركة بدعم من التحالف الدولي ستكون مُحكمة"، وأشار إلى أنّ الوفد الكردي اتفق مع الجانب العراقي على حل كافة المشاكل بين الطرفين.
وبموازاة ذلك الاجتماع قالت الإدارة الأمريكية إنّها ستعمل على تدريب وتسليح 15 ألفا من أبناء (العشائر السنية) لتسلم مهام المدينة بعد (تطهيرها) من التنظيم، بينما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية على لسان جون دوريان المتحدث باسم التحالف الدولي ضد ما يُسمّى بـ(الإرهاب) أنّها نشرت خلال الأسبوع الماضي في إطار عمليات التحضير لتحرير الموصل، أكثر من 400 عسكري إضافي في العراق، ليصل بذلك عدد القوات الأمريكية هناك إلى 4460 عسكرياً.
وكان العبادي أعلن في وقت سابق أنّه طلب من الرئيس الأمريكي باراك أوباما "زيادة عدد المستشارين الأمريكيين في إطار الاستعداد لمعركة تحرير الموصل، ولكي يساهم المدربون والمستشارون الأمريكيون في الإسراع بحسم المعركة" حسب قوله.
فزيارة بارزاني لبغداد أتَت في سياق هذه العملية، وجاءت بُعيْد إعلان الحكومة العراقية عن طلبها من الولايات المتحدة زيادة عدد المستشارين والمدربين الأمريكيين لمساعدة قواتها في استرجاع مدينة الموصل، والتي تحتاج لتنسيق العمليات المشتركة بين القوات العراقية وتوابعها من حشد شعبي وقوات العشائر، بالإضافة إلى قوات البيشمركة التي أنيط بها القيام بالعمليات العسكرية من جهة إقليم كردستان في شرق وشمال الموصل بدعم طيران التحالف الدولي والطيران العراقي، فيما تقوم القوات العراقية بتحرير المناطق التي تقع من جهتي الجنوب والغرب لمدينة الموصل.
أمّا ما هي الاتفاقات والنتائج غير المُعلنة التي ستتمخض عن عملية الموصل بحسب ما تُريد لها أمريكا، فإنّ ما رشح من تصريحات للعبادي نفسه تصبّ في تأكيد فكرة فدْرَلَة العراق، فقال: "إنّ الحكومة الاتحادية تؤيد الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي لإقليم كردستان" وأضاف: "نحن ندعم الحكم اللامركزي بإعطاء هذه الصلاحيات حسب الدستور العراقي والحكومة الاتحادية"، والحكومة الاتحادية هي عينها الحكومة الفدرالية، ولا يُستغرب أنّهم عندما يتحدثون اليوم عما يُشبه إعطاء إقليم كردستان الاستقلال، سيتحدّثون غداً عن إقليم آخر، خاصةً وأنّ أمريكا تقول بأنّها تعمل على تدريب وتسليح 15 ألفاً من أبناء (العشائر السنية) لتسلمّها مدينة الموصل بعد استرجاعها من تنظيم الدولة.
فأمريكا تسعى إذاً ومن خلال تدخّلها في إدارة المعارك لتنويع وتكثير مصادر عملائها في العراق، فلا تكتفي بحصر عملائها داخل الحكومة المركزية وحسب، بل هي تستغلّ تقديم (مساعدتها) المسمومة لما يُطلق عليه عملية تحرير الموصل ثاني أكبر مدينة في العراق، لتُمْسِك بأكبر قدر من النفوذ الطائفي على مستوى جميع الشرائح الموجودة في العراق.
هذه هي أهداف أمريكا السياسية الخبيثة من عملية الموصل، لكنّ أمريكا لن تُفلح أبداً في تمرير مشاريعها المشبوهة في العراق، فأهل العراق أقوى من كل المؤامرات الأمريكية، ولن يستطيع عملاء أمريكا تسويق تلك المؤامرات مهما استخدموا من أكاذيب وضلالات، فالعقيدة الإسلامية التي يعتنقها المسلمون في العراق أكبر من كل الفتن المذهبية، والمكر الطائفي، والعبادي ومن قبله المالكي وأضرابهما من عملاء أمريكا قد انكشفت عمالتهم، وانفضحت خيانتهم، ولم يعُد أهل العراق يثقون بهم، فهؤلاء العملاء المرتزقة، وأمثالهم، لن ينجحوا أبداً في تمكين أمريكا من السيطرة على العراق، لأنّ أهل العراق مسلمون وهم أهل شهامةٍ ورجولةٍ ومروءة، ولن يقبلوا قطعاً بالنفوذ الأمريكي طويلاً في بلادهم، ولن يَرْضَواْ بأنْ يستمرّ في حكمهم مجموعة من الحثالات الذين جاؤوا على ظهر الدبّابات الأمريكية، وعاصمة الرشيد لن تتحوّل بتاتاً إلى منطقة (خضراء) لمدةٍ طويلة، وسوف يُحرّرها رجال لا يخضعون لمنطق الطائفية والمذهبية البغيض، وسيعملون جاهدين لإعادة دولة الخلافة على منهاج النبوة التي ستستأصل حكم عملاء أمريكا من العراق استئصالاً كاملاً، وستُزيل معه كلّ أثر للنفوذ الأمريكي الاستعماري، ليُصبِح بعد ذلك أثراً بعد عين.
رأيك في الموضوع