تمر العلاقات بين باكستان وإيران في توترات كبيرة بصفة عامة، وخاصة خلال تطوير ميناء "شاباهار"، والهجمات من قبل (جماعة جيش العدل) في المنطقة الحدودية بين باكستان وإيران. وحينما يَضعُف بلدان إسلاميان قويان بسبب الانقسام، يعزز أعداء الأمة نفوذهم داخل المنطقة.
في 23 من أيار/مايو 2016م، وقّعت الهند وإيران وأفغانستان على اتفاق ثلاثي لتحويل ميناء "شاباهار" الإيراني إلى نقطة عبور بتجاوز باكستان، التي كانت السبيل الوحيد لأفغانستان المنكوبة بالحرب إلى المحيط الهندي. كما قال رئيس الوزراء الهندي (ناريندرا مودي) بفخر خلال زيارته إلى طهران لتوقيع الاتفاق: "يمكن للاتفاق أن يغير مسار التاريخ في هذه المنطقة". ويقع ميناء "شاباهار" على ساحل "مكران" من محافظة سيستان وبلوشستان، وهو المنفذ الإيراني الوحيد الذي يمكّنها من الوصول مباشرة إلى المحيط الهندي، وهو على مقربة من أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى، وقد وُصف بأنه "البوابة الذهبية" لهذه البلدان غير الساحلية. وهناك غضب في باكستان بشأن الاتفاق الهندي – الإيراني – الأفغاني على الميناء الإيراني "شاباهار"، يرجع ذلك إلى حقيقة أنه جاء على حساب ميناء "جوادر" الباكستاني، الذي هو أيضًا على ساحل "مكران"، ويبعد عن ميناء "شاباهار" 72 كم فقط.
لم تتحالف إيران والهند فقط لعزل باكستان عن الوصول إلى الميناء الذي يربط وسط آسيا بالمياه الدافئة، بل إن الولايات المتحدة أيضًا تشارك إيران بحصة الهند في مستقبل أفغانستان. وقد أكّد الممثل الأمريكي الخاص لأفغانستان وباكستان (ريتشارد أولسون) في 21 حزيران/ يونيو 2016م أن الهند وإيران سوف يتم إدراجهما في التفاوض بشأن الملف الأفغاني الذي يهدف لحماية الجيش الأمريكي في أفغانستان؛ حيث عجز عن حماية نفسه على أرض المعركة. وفي تغريدة لريتشارد أولسون أرسلها بعد أن تحدث في واشنطن أمام المجلس الأطلسي: "باكستان لا تزال ملتزمة بعملية المصالحة وإجراء محادثات في أفغانستان".
إن ما يزيد من عزلة باكستان في المنطقة الاشتباكاتُ الدائرة على الحدود بين باكستان وأفغانستان، والتي تصاعدت في حزيران/يونيو 2016م وأدّت إلى سفك دماء المسلمين بأيدي المسلمين أنفسهم خلال شهر رمضان. وقد رافق هذه الاشتباكات التوترات الجارية بين إيران وباكستان بشأن هجمات اندلعت عبر الحدود من قبل جماعة غامضة تدعى "جماعة جيش العدل"، التي ضربت مؤخرًا في 13 من حزيران/يونيو 2016م في منطقة إيران في مقاطعة "خاش"، وقد أغضبت هذه العمليات طهران لدرجة أنها هددت بنشر قوات إيرانية على الحدود مع باكستان لمواجهة التمرد في تلك المنطقة.
إن التدهور المؤسف في العلاقات بين البلدين الإسلاميين القويين (إيران وباكستان) ناجم عن تحالف كل منهما مع واشنطن، فهذا التحالف مع القوى الاستعمارية الغربية هو الذي سمح لإيران باحتضان الهند وعدم احتضان باكستان، فحكام كل من إيران وباكستان ينفذون السياسة الأمريكية ضاربين عرض الحائط بمصالح المسلمين. إن المستفيدين الوحيدين من الانقسام بين المسلمين هم عدوّا المسلمين اللدودان (الولايات المتحدة، والدولة الهندوسية)، فهو يتيح للولايات المتحدة الحفاظ على هيمنتها في المنطقة ويدعم جهودها، ويقوّي الهند باعتبارها قوة إقليمية مهيمنة. علاوة على ذلك، فإن التحالف مع الولايات المتحدة وتنفيذ إملاءاتها لا يؤدي إلى انقسام المسلمين فحسب، بل وإلى إضعافهم أمام أعدائهم، وهو بلا شك انتحار سياسي وخطأ جسيم، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ﴾، وقال أيضًا سبحانه وتعالى: ﴿إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُون﴾.
إنه بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة سينعكس مسار تقسيم المسلمين وإذلالهم أمام أعدائهم، حيث سيعمل الخليفة الراشد على توحيد بلاد المسلمين على أساس الإسلام، وينبذ الخصومات الطائفية والعرقية الفاسدة، ويجمع الأمة كقوة واحدة ضد أعدائها.
بقلم: مصعب بن عمير
رأيك في الموضوع