(مترجم)
كانت العلاقات التركية مع كيان يهود قد اضطربت في أعقاب السحب المتبادل لسفيري البلدين في أعقاب حادثة سفينة مرمرة كما هو معلوم في شهر أيار عام 2010 (!) لكن حجم التبادل التجاري في هذه الفترة قد ارتفع إلى الضعف وبلغت في عام 2015 حوالي 6 مليارات دولار. وفي أعقاب اندلاع الثورة في سوريا عام 2011 أصاب القلق كلاًّ من الولايات المتحدة الأمريكية وكيان يهود. وقد اشترطت تركيا لتحسين العلاقات مع كيان يهود وعودتها إلى المستوى السابق تقديم الاعتذار، وتعويض الأضرار ورفع الحصار عن غزة، وقد استجاب كيان يهود وقدم الاعتذار في شهر آذار عام 2013 بضغط أمريكي.
وقد برر نتانياهو اعتذاره الرسمي الذي اتصل بأردوغان حيث كان مع أوباما في طائرة الرئاسة الأمريكية على صفحته الرسمية على الفيسبوك بأن الأزمة التي تنحدر نحو الأسوأ في سوريا عززت الحاجة إلى تحسين العلاقات بين البلدين، وقال: "إن التهديد الأكبر بالنسبة لنا هو انتقال الأسلحة الكيميائية الموجودة في سوريا إلى أيدي المجموعات الإرهابية. يمكن لتركيا وإسرائيل التصدي للمشكلات الإقليمية من خلال الاتصالات فيما بينهما". كما صرح أوباما في الزيارة الأولى التي قام بها إلى كيان يهود بصفته رئيساً بقوله: "إن الولايات المتحدة الأمريكية تولي أهمية كبيرة لعلاقاتها مع تركيا وإسرائيل. وتولي أهمية كبيرة لعودة العلاقات الإيجابية بينهما من أجل الأمن والسلام الإقليميين". من جانبه أدلى وزير الخارجية الأمريكي كيري بهذا التصريح: "نتمنى تطبيق الاتفاقية والتطبيع الكامل للعلاقات بأسرع وقت، وبذلك تستطيع تركيا وإسرائيل العمل معاً على تحقيق التقدم في مصالحهما المشتركة". وقال مستشار وزارة الخارجية لكيان يهود دوري غولد: "إن إسرائيل تتطلع على الدوام إلى علاقات دائمة مستقرة مع تركيا، وتبحث دائماً عن طرق تأمينها". وعبر رئيس الجمهورية أردوغان للصحفيين الذين كانوا معه على الطائرة عند عودته من زيارة تركمانستان عن "حاجة الشرق الأوسط للتقارب بين تركيا وإسرائيل".
وقد تحدثت الأنباء عن استمرار اللقاءات بين مستشار وزارة الخارجية فريدون سينيرلي أوغلو مع كيان يهود في إيطاليا في أعقاب إسقاط تركيا للطائرة الروسية حول استخراج الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية القبرصية. لكن الأوساط الإعلامية حملت أنباء عن استمرار اللقاءات المتبادلة بين تركيا وكيان يهود في سبيل تحسين العلاقات بينهما، وعن التوصل إلى مرحلة مهمة، وحل 95% من المشكلات بينهما. فقال مسؤول رفيع المستوى في كيان يهود لصحيفة يديعوت أحرنوت: "أتممنا 95% من المفاوضات، ولم يبقَ سوى بعض التفصيلات"، وبين بأنه من الممكن إتمام الاتفاق خلال فترة قصيرة. وينتظر التوصل إلى قرار في موضوع الاتفاق في اللقاء المرتقب في 26 حزيران. وقد صرح رئيس الوزراء بن علي يلدريم في مؤتمره الصحفي في 17 حزيران مبيناً سياسة حكومته الخارجية: "يتم التوصل مع إسرائيل إلى نقطة معينة، وهناك اتصالات لم تنته إلى نتيجة بعد، ولا أظن أنها ستطول. والمحدد هنا هو تخليص غزة من عزلتها من أجل المساعدات الإنسانية. دبلوماسيونا يعملون. ولا يمكن أن تكون العداوة دائمة بين إسرائيل وسوريا وروسيا ومصر والدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود".
وعند الأخذ بعين الاعتبار النقاط التي حاولت إيجازها أعلاه في العلاقات بين تركيا وكيان يهود يمكننا إيجاز الأسباب الكامنة وراء الخطوات التي تسعى إلى تحسين العلاقات بينهما في نقطتين:
1- مسألة أمن كيان يهود: وهي المسألة الأهم التي تحتل رأس سلم أولويات الدول الاستعمارية كلها وفي مقدمتها أمريكا. ولهذا السبب سيكون هناك حل مختلف في موضوع الحصار المفروض على قطاع غزة الذي تشترطه تركيا كجزء من المفاوضات، والذي تقيمه دولة يهود على أنها "قضية أمن". لهذا يقول دان أربيل اليهودي: "لا يمكن أن يكون رفع الحصار عن غزة موضوع بحث وفق وجهة النظر الإسرائيلية، ولا يمكن التقدم في التطبيع إن كان متوقفاً على هذا. وعلى تركيا أن تتقدم بحل خلاق لمشكلة غزة. كتخفيف بعض شروط الحصار من قبل إسرائيل".
2- التطورات الجارية في سوريا: وهذه من أهم الأسباب بل ربما كانت سبباً مستقلاً بذاته في تحسين العلاقات بين تركيا وكيان يهود. فأمريكا لم تحصل بعد على النتيجة التي تريدها في سوريا رغم جميع التطورات التي جرت فيها. وتحسن العلاقات بين البلدين بعبارةٍ أخرى يحمل أهميةً كبيرةً في موضوع السياسات المتعلقة بالطاقة في البحر الأبيض المتوسط، وموضوع عدم الاستقرار في سوريا والعراق واليمن وليبيا.
وما من شكٍ بأن القضية السورية بشكلٍ خاص تحولت من وجهة النظر الأمريكية إلى قضية مصيرية. ولا تدخر وسعاً في سبيل حل المسألة بالشكل الذي تريده.ولذلك تحرص أمريكا على تحسين العلاقات بين تركيا وكيان يهود، ومصالحها هي محور هذه المساعي. وعلى الرغم من جميع المحاولات لإظهار المصالح التركية في تحسين هذه العلاقات فإن ذلك ليس صحيحاً على الإطلاق.
وأخيراً، فإن الجهود المبذولة لتحسين العلاقات بين تركيا وكيان يهود هي حرام شرعا. والذي يجب على تركيا أن تفعله هو تحويل فوهات دباباتها ومدافعها وبنادقها تجاه كيان يهود لا مدّ أغصان الزيتون، وينبغي قطع جميع العلاقات الدبلوماسية والسياسية والتجارية والعسكرية وسائر العلاقات معه، تنفيذا لأوامر الله سبحانه وتعالى. وبهذا فقط يمكن لتركيا أن تتحرك في سبيل مصالح تركيا والأمة الإسلامية.
بقلم: محمد حنفي يغمور
رأيك في الموضوع