استضافت العاصمة الأوزبيكية طشقند، يومي 23 و24 حزيران/يونيو الجاري اجتماعَ قمةٍ لرؤساء الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، وجاء في البيان الذي وقّع عليه زعماء روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبيكستان: "تؤكد الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها، كما أنها تؤكد أن التسوية السياسية للأزمة لا بديل عنها، ومن شأنها أن تسمح للشعب السوري بتقرير مستقبله بنفسه".
وجدّدت الدول الست تمسكها "بتعزيز الدور التنسيقي المحوري للأمم المتحدة في العلاقات الدولية، وتعزيز دور مجلس الأمن الدولي في إحلال السلام الدولي"، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأعرب زعماء الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي في بيانهم عن قناعتهم بـ "استحالة محاربة الإرهاب بصورة فعالة إلاّ بتضافر الجهود الدولية"، وأكّدوا "على أهمية وضع مقاربات سياسية مشتركة في محاربة الإرهاب، وإقامة التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية والدول التي تتمتع بصفة المراقب أو الشريك في الحوار مع منظمة شنغهاي، ومع الدول الأخرى، من أجل توفير الظروف الملائمة لتوسيع التعاون في محاربة الإرهاب"، وبالنسبة لمشكلة أوكرانيا فقد جاء في البيان الختامي للقمّة أنّ "الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي أكّدت على أهمية تسوية الأزمة في أوكرانيا بالوسائل السياسية وعلى أساس تنفيذ اتفاقات مينسك التي تعود إلى 12 شباط/فبراير عام 2015 بنزاهة".
وبالنسبة للقضية الأفغانية فقد أكّد البيان على "أهمية إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان في أقرب وقت، باعتبار أن ذلك سيمثل عاملاً مهما لتعزيز الأمن في المنطقة"، وشدّد على دعمه "لتسوية النزاع الأفغاني الداخلي عبر مواصلة عملية المصالحة الوطنية الشاملة"، وجدّدت الدول الست مطالبتها في البيان على ضرورة "حظر نشر الأسلحة في الفضاء" في إشارة إلى نشر منظومات الصواريخ الأمريكية في دول أوروبا الشرقية.
هذه هي أهم النقاط التي وردت في بيان منظمة شنغهاي للتعاون في قمتها الأخيرة التي عُقدت في العاصمة الأوزبيكية طشقند، والمدقّق في هذه النقاط يجدها نقاطاً عامّة فضفاضة، صيغت بعبارات إعلامية القصد منها تأكيد وجهتي نظر روسيا والصين في المسائل السياسية.
فالتركيز على (وحدة سوريا وسيادتها، واعتماد التسوية السياسية التي يُقرّرها الشعب السوري) فهذه ديباجة روسية تُردّدها باستمرار وسائل الإعلام الروسية لتغطية العدوان الروسي ضد سوريا، وأمّا المطالبة(بتعزيز الدور التنسيقي المحوري للأمم المتحدة في العلاقات الدولية، وتعزيز دور مجلس الأمن الدولي في إحلال السلام) في دول الشرق الأوسط، فهذه ديباجة صينية تستخدمها الصين عادةً في وسائل إعلامها للتأكيد على عدم حل المشاكل الدولية خارج دوائر الأمم المتحدة، وبالتالي عدم إشراكها بالحل، فهي تُريد أن تكون آلية حل المشاكل الدولية تمر دوماً عبر مجلس الأمن ليكون لها دور فيها.
وأمّا نقطة مكافحة (الإرهاب) فهي مطلب روسي صيني دولي مشترك، وهو كلام عام تؤيده روسيا والصين كلتاهما، وفيه مزايدة واضحة على أمريكا صاحبة الفكرة الأصلية، فهم يتبارزون في معاداة الإسلام، ويتنافسون في محاربة المسلمين في كل مكان.
وأمّا النقطة المتعلقة بأوكرانيا فواضح أنّها صياغة روسية بامتياز، فهي تشرح وجهة النظر الروسية من المشكلة الأوكرانية.
وأمّا النقطة المتعلقة بأفغانستان فهي عديمة القيمة، لأنّ مفاتيح حل القضية الأفغانية بيد أمريكا وليس بيد روسيا أو الصين.
وأمّا نقطة حظر نشر الأسلحة في الفضاء فجاءت بمثابة شكوى روسية صينية مقدمة لأمريكا، تناشدانها فيها بالحد من نشر منظومات الصواريخ الأمريكية المتطورة المضادة للصواريخ الباليستية في الأراضي الأوروبية المحاذية لروسيا.
هذا هو البيان الذي خرجت به القمّة، وواضح فيه سيطرة روسيا والصين على منظمة شنغهاي للتعاون، وواضح فيه أيضاً محدودية دورها الإقليمي، وقلة تأثيرها العالمي.
إنّ منظمة شنغهاي للتعاون هي منظمة إقليمية آسيوية تُسيطر عليها روسيا والصين، واللغتان الرسميتان المعتمدتان فيها هما: الروسية والصينية فقط.
وتضم المنظمة ست دول آسيوية متجاورة وهي: روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبيكستان، وكانت هذه الدول باستثناء أوزبيكستان قد أسّست المنظمة تحت اسم (خماسي شنغهاي) في العام 1996، وقد سُميت هذه الاتفاقية باسم «شنغهاي» نسبة إلى مدينة شنغهاي الصينية التي تمّ فيها اجتماع الدول الخمس المؤسّسة، وتوقيع الاتفاقية الأولى، وقد ضمّ الاجتماع آنذاك كلاً من: روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، وبعد دخول أوزبيكستان فيها سنة 2001 أصبحت تُسمّى منظمة شنغهاي للتعاون.
وأمّا الدول غير الأعضاء فيها والتي تُشارك في أعمال المنظمة، فهي منغوليا والهند وإيران وباكستان وأفغانستان بصفة مراقب، وبيلاروس (روسيا البيضاء) وتركيا بصفة الشريك في الحوار.
وقد تقرّر قبول انضمام الهند وباكستان للمنظمة في العام المقبل 2017، كما تقرّر تحويل بيلاروس (روسيا البيضاء) من شريك في الحوار إلى عضو مراقب في المنظمة، أمّا إيران فلم تُقبل كعضو دائم فيها، وقيل بأنّ المنظّمة سوف تستمر في النظر في طلبها الانضمام للمنظمة، وقالت الصين بأنّ الأولوية لعمل المنظمة في الفترة المقبلة هي لاستيعاب الهند والباكستان أولاً وليس إيران، وأما تركيا فتمّ تجاهلها تماماً بسبب تردي علاقاتها مع روسيا، ولم تحضر الاجتماع الأخير الذي انعقد في العاصمة الأوزبيكية طشقند.
والراجح أنّ توسيع المنظمة وإدخال أعضاء جُدد إليها سيؤدي على الأغلب إلى إضعافها، خاصة إذا كان هؤلاء الأعضاء يتبعون لدول كبرى استعمارية كالهند وباكستان المواليتين لأمريكا.
وأمّا أهم الأهداف المعلنة للمنظمة فهي مواجهة (الإرهاب) و(التطرّف الديني)، ومحاربة تجارة المخدرات وتهريبها عبر حدود دولها، وحسن الجوار ما بين الدول الأعضاء، وتطوير التعاون بينها في السياسة والتجارة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والثقافة، وفي شؤون التربية والطاقة والنقل والسياحة وحماية البيئة، والعمل على توفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، والعمل على تطوير وتقدّم الأفكار للوصول إلى نظام سياسي واقتصادي عالمي ديمقراطي، عادل وعقلاني متوازن.
إنّ هذه الأهداف المسطرة للمنظمة هي أهداف تقليدية، تتبناها منظمة إقليمية تُشبه منظمات إقليمية كثيرة منتشرة في العالم، تُعالج المشاكل الروتينية لدول الإقليم الحدودية والتجارية والسياسية والأمنية.
وبما أنّ روسيا والصين هما دولتان كبريان فمن الطبيعي أنْ تتشاطرا السيطرة على دول المنظمة، وتُحاولا استغلال قيادتهما لمنطقة وسط آسيا لبسط أكبر قدر من السيادة، وللحيلولة دون تغلغل النفوذ الأمريكي إليها، خاصة في دول آسيا الوسطى الأربع وهي: أوزبيكستان وطاجيكستان وقرغيزستان وكازاخستان.
تُحاول روسيا الاستفادة من قوة الصين الاقتصادية الضخمة لتمويل المشاريع الكبرى التي تعجز هي عن القيام بها في منطقة آسيا الوسطى، كمشاريع النقل والمجمعات الصناعية المشتركة، وتُحاول الصين الاستفادة من الموارد والثروات الكامنة في دول المنطقة، وتأمين مواد الطاقة، والتي هي في أمسّ الحاجة لها بأفضل الأسعار، فتعاونهما محصور في تلك المنطقة ولا يتعدّاها، لأنّ مصالحهما في مناطق أخرى في العالم لا تتشابك كمصالحهما فيها، فالصين لا تتشارك مع روسيا مثلاً في منطقة بحر الصين الجنوبي، وروسيا لا تتشارك مع الصين في منطقة أوروبا الشرقية، ومسائل الاقتصاد والتجارة تشترك فيها الصين مع أمريكا أكثر منها مع روسيا، وهكذا نجد أنّ منظمة شنغهاي للتعاون هي في واقعها منظمة إقليمية تُعالج مشاكل آسيا الوسطى ولا تتعداها، ومن غير الوارد أن تتحوّل هذه المنظمة إلى منظمة دولية، أو أنْ تُشكّل حلفاً دولياً مشتركاً يُقابل حلف الناتو مثلاً، وبالتالي فهي منظمة محدودة التأثير في المسرح العالمي، ومسقوفة بحدود المنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها أعضاؤها.
وأمّا دول آسيا الوسطى الأعضاء فيها فهي دول هشّة، تقودها حكومات لا دينية معادية للإسلام، وممقوتة من شعوبها، وهي تبحث عن الأمان والاستقرار، وتتطلّع للحفاظ على استمرار عروش حكامها أطول مدة زمنية، وترنو إلى العيش في ظل دول كبرى تمنحها الحماية والأمن بشكل دائم خوفاً من موجات التمدد الإسلامي العنيفة التي تجتاح تلك المنطقة وتُهدّد وجودها.
رأيك في الموضوع