بعد أن قدم المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد ما أسماه خارطة طريق لإنقاذ مفاوضات الكويت، الأسبوع الماضي، رد كلا طرفي النزاع في اليمن بالرفض لتلك الخارطة، وتمسك الطرفان بمواقفهما السابقة، وكان ولد الشيخ أحمد قد قال: إن خارطة طريق كان قد أعدها بعد الجلوس مع الطرفين والاستماع لوجهات نظرهما، وأن تلك الخريطة تتضمن إجراء الترتيبات الأمنية التي ينص عليها قرار مجلس الأمن الدولي 2216 وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على تأمين الخدمات الأساسية وإنعاش الاقتصاد اليمني.
إلا أن خالد اليماني سفير اليمن لدى الأمم المتحدة قال إنهم لا يريدون حلولا ترقيعية، تعيد إنتاج الأزمة من جديد، وإن المطلوب هو سلام مستدام يحل الأزمة.
وكان الناطق الرسمي باسم الحوثيين محمد عبد السلام قد أشار إلى رفضه لخارطة طريق ولد الشيخ أحمد لعدم تضمنها اتفاق السلم والشراكة، الذي تعده الجماعة وثيقة أساسية لتقاسم السلطة والشراكة.
وبهذا يتضح جمود محادثات السلام في الكويت، في الوقت الذي بدأت فيه الأعمال القتالية بين الطرفين تتصاعد من جديد، فقد ذكر موقع روسيا اليوم، السبت 20 رمضان 1437ه الموافق 25 حزيران/يونيو 2016م، تجدد المعارك في جبهات القتال في عدة محافظات، وخصوصا في محافظة الجوف واستعادة قوات الحكومة لعدة مواقع فيها.
وتواترت الأنباء عن تعزيزات بقطع عسكرية جديدة قد وصلت إلى "فرضة نهم" تابعة لقوات التحالف العربي، ما يشير إلى تعزيز الجبهة المحيطة بصنعاء، واحتمالية التقدم العسكري إلى العاصمة، فقد أورد موقع مأرب برس ومواقع يمنية أخرى على الإنترنت أن عشرات القطع العسكرية والآليات الثقيلة تصل إلى محافظة مأرب يوميا، وقال الموقع إن نائب قائد القوات العسكرية البرية الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز قد وصل قبل أيام إلى مأرب، حيث التجمع الفعلي لعشرة آلاف مقاتل يمني جاهزين في انتظار الأوامر لمعركة صنعاء.
وعموما فإن الجمود القائم في محادثات الكويت، ينذر بتصاعد وتيرة الأعمال القتالية بين طرفي الحرب في اليمن، وليس مستبعدا لجوء حكومة عبد ربه هادي إلى الخيار العسكري لدخول صنعاء بالشراكة مع قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، فقد كان التدخل العسكري الميداني لقوات حكومة عبد ربه بقيادة التحالف العربي هو الحاسم في استرداد حكومة عبد ربه هادي الكثير من المدن من أيدي تحالف (الحوثي / صالح).
ويبدو أن الحكومة قد سارت في خط مفاوضات الأمم المتحدة مسايرة لرغبة الولايات المتحدة الأمريكية لتوصل الفريقين إلى اتفاق سلم وشراكة جديد يؤسس لوجود (شرعي) للحوثيين داخل السلطة في اليمن، وكذلك لإقناع الرأي العام المحلي والدولي برغبتها في التوصل إلى حل سلمي للأزمة، إلا أن الحكومة اليمنية في الوقت ذاته تغتنم هذه الأشهر الطويلة من المفاوضات في تجهيز جيش قوي قادر على اقتحام صنعاء عند الحاجة، ولو منفردا في حال تلكأت السعودية في المشاركة في الأعمال القتالية البرية، وربما يكون الاعتماد الأساس على القوات الإماراتية وحدها، كما كان الحال في معركة استعادة مدينة عدن أو مدينة المكلا، إذ كان الدور المحوري آنذاك هو للقوات الإماراتية.
وعلى ذلك فإنه للجمود القائم في محادثات الكويت وعدم ظهور أي تقارب في وجهات النظر لطرفي النزاع، ومع التدهور الاقتصادي المتسارع في البلاد، فإنه من المرجح لجوء حكومة عبد ربه هادي مدعومة من التحالف العربي إلى الحسم العسكري في دخول صنعاء، وما يؤكد ذلك هو تواتر الأنباء حول وصول تعزيزات عسكرية نوعية إلى المناطق المحيطة بالعاصمة اليمنية التي يسيطر عليها حتى اليوم تحالف الحوثي / صالح.
إلا أنه من المعلوم أن هذا النوع من الحلول أياً كان سلميا أو عسكريا لن يكون بمعزل عن الدول العظمى المسيطرة في مجلس الأمن وخصوصا الدولتين المعنيتين بالملف اليمني: بريطانيا وأمريكا، فالأولى هي الممسكة بالملف اليمني في مجلس الأمن وهي الأكثر عراقة وتأصلا داخل الحكومة والأحزاب اليمنية وداخل الجيش والقبائل اليمنية، علاوة على تحريكها من خلف الستار لبعض مشيخات الخليج التابعة لها. أما الثانية فهي تسند الحوثيين في مشهد صريح أو عن طريق إيران ذراعها في المنطقة، التي تراجع دورها مؤخراً، مع اكتفاء أمريكا بالدور السعودي هناك، وما مشاركة القوات السعودية إلى جانب الحكومة اليمنية إلا من أجل إبقاء الجار السعودي قريبا من منطقة صنع القرار في اليمن.
إن الصراع في اليمن ليس صراعا محلياً، بل هو صراع دولي على مصادر الطاقة ومناطق النفوذ العالمية بين القوى الرأسمالية الاستعمارية، وسيستمر ذلك الصراع طالما وجدت تلك القوى من يسهل لها ذلك من الطغمة الحاكمة في بلادنا، بل من يقوم بالحروب نيابة عنها. ولن يتخلص أهل اليمن من تلك الأزمات المتكررة عليهم التي أضحى بها اليمن السعيد شقيا، إلا بالخروج من مربع الدول الاستعمارية، وحل قضايا البلاد والعباد وفق شريعة الإسلام، الذي لا يختلف عليه أهل اليمن دينا وعقيدة ومنهجا، بل إن الدول الاستعمارية اليوم تخشى أن تنطلق من اليمن مرة أخرى جحافل نصرة دولة الخلافة على منهاج النبوة التي ستجردها من مصالحها الاستعمارية من المنطقة برمتها.
وخلاصة القول إن الأطراف المتصارعة في اليمن متفقة على خدمة الكافر المستعمر فهي مجتمعة في الكويت تلتمس منه الحل، أو تحشد عساكرها منتظرة أوامره بالقتال، معرضة إعراضا بيناً عن الدمار والخراب الذي آلت إليه البلاد غير معنية بفاتورة الدم النفيس الذي يراق ليل نهار، وغير معنية بغضب الخالق سبحانه وتعالى وغير معنية بشرعه الذي يحرم تحريما غليظا الاقتتال بين المسلمين، قال صلى الله عليه وآله وسلم «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض».
رأيك في الموضوع