أعلن حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي يوم الجمعة 17/6/2016 عن السيطرة على مدينة الفلوجة وذلك في أعقاب حملة عسكرية شنتها القوات العراقية ومليشيات مسلحة تحت غطاء ودعم عسكري جوي من قوات التحالف بقيادة أمريكا استمرت قرابة الشهر، وعلى الرغم من إعلان العبادي السيطرة التامة على الفلوجة إلا أن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر قال إنّ "القوات العراقية تسيطر على جزء من الفلوجة وليس كل المدينة". (الخليج أون لاين 17/6/2016).
وقال وزير الدفاع خالد العبيدي في اتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية "بدأنا عند الساعة الخامسة من فجر السبت المرحلة الثانية لتحرير نينوى"، وأضاف أن "العملية تهدف إلى تحرير القيارة وجعلها مرتكزا نحو الموصل". (الحرة 18/6/2016)، وقد صرحت مصادر في قوات البشمركة التابعة لإقليم كردستان لـ "سكاي نيوز عربية" إن قوات أمريكية شاركت "للمرة الأولى" مع الجيش العراقي في هجوم جنوبي الموصل، وقال مسؤول الاتحاد الوطني الكردستاني في قضاء مخمور التابع لمحافظة نينوى رشاد كلالي للسومرية نيوز، إن "قوة برية ومدفعية صغيرة تابعة للقوات الأمريكية التي تتمركز في قاعدة مخمور العسكرية قدمت الدعم لقوات الجيش العراقي في تأمين مناطق جنوب وجنوب غربي قضاء مخمور جنوبي نينوى"، مشيرا إلى أن "العملية جاءت لتأمين المنطقة من الهجمات التي يقوم بها تنظيم داعش الإرهابي". (آي 24، 16/6/2016).
وفي سوريا بدأت ما تسمى بقوات سوريا الديمقراطية والتي تتشكل في معظمها من وحدات حماية الشعب الكردية وبغطاء جوي أمريكي تحقيق تقدم شمال حلب في مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة، وقال مصدر بحسب موقع العربية في 18/6/2016 "إن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أمريكا تتقدم نحو كيلومترين من وسط منبج التي يسيطر عليها تنظيم داعش في شمال سوريا". وبحسب موقع الدرر الشامية فقد "سيطرت مليشيات سوريا الديمقراطية، اليوم الخميس، على قرى جديدة بريف مدينة منبج الغربي بعد معارك مع تنظيم "الدولة". وأكد مصدر عسكري لمراسل "الدرر الشامية" أن معارك عنيفة دارت لعدة ساعات بين تنظيم الدولة ومليشيات سوريا الديمقراطية، المدعومة من التحالف الدولي، ولكن سرعان ما تمكن الأخير من حسم المعركة والسيطرة على قرى "القرباطية التي تبعد عن مدينة الباب نحو 24 كم، واليالني شمالي العريمة والقرط والجقل". (الدرر الشامية 16/6/2016)
وقد لخص هذه التطورات بريت ماكغورك، مبعوث الرئيس الأمريكي للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية بقوله في مقابلة مع كريستيان آمانبور لـ "سي أن أن" بقوله إن تنظيم الدولة "يخضع تحت وطأة ضغوط لم يعهدها من قبل وفي كل من سوريا والعراق". وقال: "سنحاول القيام بأمر ما في اليومين المقبلين وخصوصا في المناطق الشمالية لحلب"، وأضاف: "للمرة الأولى خلال الحملة الدولية ضد داعش نشهد توجيه عدة ضربات متزامنة في الوقت ذاته، حيث لدينا عملية كبرى تجري في سوريا في مدينة منبج التي كانت تعتبر الشبكة ومركز التخطيط للتنظيم، ونعتقد أن هجمات باريس وبروكسل مرت عبرها، والآن نحن نحاصر هذه المدينة وخلال الأيام القليلة القادمة سيتم الدخول إلى المدينة". وتابع: "في العراق لدينا عدة عمليات هجومية، في الفلوجة حيث تمكنت القوات العراقية من اختراق قشرة الدفاعات التابعة للتنظيم وتثبيت موضع قدم له في المناطق جنوب المدينة وقد تستغرق هذه العملية أسابيع ولكن في الوقت الحالي تسير بصورة جيدة". (سي أن أن 17/6/2016).
وهذه التطورات العسكرية في كل من سوريا والعراق لافتة للنظر؛ ففي حين كان لا يظهر على أمريكا سابقا أنها على عجلة من أمرها في حربها المعلنة على تنظيم الدولة، من خلال تصريحات مسئوليها السياسيين والعسكريين بأنها حرب طويلة المدى إلا أنها وخلال الأيام القليلة الماضية بدا عليها الجدية في تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، من خلال دعم تقدم القوات العراقية والمليشيات العسكرية في العراق، وكذلك من خلال تكثيف الدعم لمليشيا سوريا الديمقراطية، وهذا كله مرتبط بأمور استجدت وشكلت ضغطا على إدارة أوباما، وأحوجتها للبحث عن انتصارات عاجلة على التنظيم، أولها حادثة أورلاندو في 12/6/2016، فعلى الرغم من نفي أوباما وإدارته أي صلة لمنفذ العمل بتنظيم الدولة فقد صرح بأنه "لا يوجد دليل مباشر على أن المسلح الذي نفذ اعتداء أورلاندو كان يتلقى توجيهات من التنظيم المعروف باسم "الدولة الإسلامية"... ومضى قائلا إن منفذ الاعتداء ربما استوحى فكره "من معلومات متطرفة منتشرة على الإنترنت". لكن لا يوجد دليل على أنه كان ضمن مخطط أكبر حجما، بحسب أوباما. (بي بي سي 14/6/2016) إلا أن تبني التنظيم للعملية وإعلان المنفذ صلته بالتنظيم، شكلا ضغطا على إدارة أوباما، وتعرض للاتهام بالضعف وارتكاب الأخطاء في السياسة الخارجية، مما عرض سمعة إدارته ورئاسته للانتقاد الشديد، وأوباما وإدارته في مرحلة البطة العرجاء، وهو لا يريد أن ينهي رئاسته مع بقاء صورته ملطخة بالضعف. لذلك وبعد اجتماع مع مجلس الأمن القومي في أعقاب حادثة أورلاندو قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما "إن تنظيم الدولة الإسلامية داعش، يفقد سيطرته على أراض في العراق وسوريا، وإن أعداد المقاتلين الأجانب الذين ينضمون إلى التنظيم انخفض بشكل كبير".
وأضاف "لقد خسر تنظيم داعش نحو نصف المناطق المأهولة التي كان يسيطر عليها في العراق، وسيخسر المزيد. ويواصل داعش خسارة الأراضي في سوريا كذلك"، مضيفا "باختصار فإن تحالفنا يواصل حالة الهجوم، بينما داعش في حالة دفاع". وقال أوباما إن "هدفنا هو تدمير تنظيم "داعش"، وقبل شهرين سمحت بخطوات تصعيدية لقتال هذا التنظيم". (الحرة 14/6/2016)، وهذا كله محاولة من أوباما إظهار أن حربه في العراق وسوريا تؤتي ثمارها، وأن سياسته تسير بفاعلية.
يضاف لذلك أن الحزب الديمقراطي على أبواب انتخابات رئاسية قريبة، وقد تأثرت أسهمه بعد الحادثة، فقد (أظهر استطلاع أجرته رويترز بالتعاون مع إبسوس وصدرت نتائجه يوم الجمعة أن دونالد ترامب قلص الفارق الذي تتقدم عليه به غريمته هيلاري كلينتون في سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعدما اختلف المرشحان على كيفية الرد على أعنف واقعة إطلاق نار في تاريخ الولايات المتحدة الحديث. وأظهر الاستطلاع الذي أجري من يوم الاثنين وحتى الجمعة أن كلينتون المرشحة المحتملة للحزب الديمقراطي تتفوق بفارق 10.7 نقطة بين الناخبين المحتملين على غريمها الجمهوري ترامب في الانتخابات العامة المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. ويقل هذا عن 14.3 بالمئة هو الفارق الذي كانت تتفوق به كلينتون حتى يوم الأحد الماضي الذي شهد إطلاق نار من مسلح أمريكي المولد لأبوين أفغانيين على ملهى ليلي للمثليين أودى بحياة 49 شخصا في أورلاندو بولاية فلوريدا.) (رويترز 17/6/2016). لذلك فإن مرور الحادثة دون رد ودون تحقيق انتصارات لافتة سيؤثر بقوة على نتائج الانتخابات الرئاسية، ويعطي الناخب الأمريكي انطباعات سلبية حول إدارة الحزب الديمقراطي.
ولكن هل هذه الانتصارات التي يرمي لها أوباما ستشمل الرقة والموصل؟ يأتي الجواب على لسان مستشارة الأمن القومي الأمريكي في البيت الأبيض، سوزان رايس، حيث قالت خلال مشاركتها في ندوة نظمتها صحيفة واشنطن بوست (يتم تحقيق تقدم مطرد في الحرب على داعش، معربة عن اعتقادها أنه قد لا يكون ممكنا تطهير مدينتي الموصل العراقية، والرقة السورية، من التنظيم الإرهابي، قبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مع نهاية العام الجاري... وأضافت "لا أستطيع أن أقول بشكل مؤكد أنه من الممكن النجاح"، مشيرة أن محاربة داعش ستستغرق وقتا.) (القدس العربي 10/6/2016) وقول جون برينان مدير الاستخبارات الأمريكية ("للأسف، على الرغم من كل التقدم الذي أحرزناه ضد تنظيم الدولة في ساحة القتال وفي تقليص مصادر تمويله، إلا أن جهودنا لم تسفر عن تقليص القدرات الإرهابية للتنظيم، وقدرته على التمدد حول العالم". وأعرب برينان عن قلقه خصوصا بشأن تمدد التنظيم في ليبيا كقاعدة له. وبينما قال المسؤول الأمريكي إن التحالف الذي تقوده بلاده حقق تقدما ضد تنظيم الدولة، لكنه أضاف أن التنظيم لديه "أعداد كبيرة من المقاتلين الغربيين، الذين يمكن أن يستخدموا في تنفيذ هجمات في الغرب". وقال برينان: "لتعويض الخسائر والأراضي التي فقدها التنظيم، فقد يلجأ إلى الاعتماد بشكل أكثر على تكتيكات حرب العصابات، بما في ذلك شن هجمات كبيرة خارج الأراضي التي يسيطر عليها".) (بي بي سي 17/6/2016).
وهذا يعني أن مسألة الحسم العسكري لوجود التنظيم في العراق وسوريا ليست في وارد أمريكا الآن، وأنها تسعى لتحقيق نصر لافت لأهداف تتعلق بالانتخابات الأمريكية فقط، وقد تصل إدارة أوباما لهذا بتحقيق تقدم لافت في مدن يسيطر عليها تنظيم الدولة مرحليا كما هو الحال في مدينة منبج الذي أشار ماكغورك إليها بكونها "تعتبر الشبكة ومركز التخطيط للتنظيم"، أو تقوم إدارة أوباما باغتيال شخصية ذات وزن في التنظيم كعمل لافت يدفع حظوظ الديمقراطيين الانتخابية.
رأيك في الموضوع