إن مما سيسطره التاريخ في صفحاته السوداء القاتمة ما يُمارس في حق أهل الشام من إجرام، فما يمارسه النظام المجرم قلّ نظيره في تاريخ البشرية، فإضافة للإجرام الذي يقوم به النظام المجرم يوميا عبر إلقائه البراميل المتفجرة والصواريخ فإن ما خفي هو أعظم، فسجون النظام تغص بالمعتقلين الذين يتعرضون لشتى أنواع التعذيب وغالبا ما يلقون حتفهم في غياهب السجون وفي أقبية المخابرات، وقد أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في 16 كانون أول الحالي تقريرا حول تسريب آلاف الصور لضحايا التعذيب في سجون النظام السوري، وخلصت إلى أن هذه الصور تشكل "أدلة دامغة" على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأكدت المنظمة الحقوقية في تقرير بعنوان: "لو تكلم الموتى: الوفيات الجماعية والتعذيب في المعتقلات السورية"، أنها "وجدت أدلة على تفشي التعذيب والتجويع والضرب والأمراض في مراكز الاعتقال الحكومية السورية"، ويستند التقرير الذي أصدرته المنظمة بعد تحقيق استمر تسعة أشهر، إلى 28 ألف صورة لضحايا في معتقلات النظام، سربها مصور سابق في الشرطة العسكرية السورية يعرف باسم "قيصر" وهو اسم مستعار لإخفاء هويته.
وإن ما تم تسريبه هو غيض من فيض إجرام النظام فقد بلغ عدد ضحايا إجرام النظام ما يفوق الربع مليون حسب الإحصائيات المتداولة، ويتوقع الكثير أن الرقم يفوق ذلك بكثير نظرا لصعوبة الإحصاء وقلة الوسائل الإعلامية.
إن الناظر إلى هذا الحجم من الإجرام لا يمكن له أن يتصور أنه يحدث بعيدا عن أعين المجتمع الدولي الذي يتغنى بحقوق الإنسان، بل إن ما أثبته الواقع أن الغرب وعلى رأسه أمريكا كان شريكا في الإجرام؛ فكثير من المجازر التي ارتكبها النظام المجرم كانت تحت أعين المبعوثين الدوليين إلى سوريا؛ فعلى سبيل المثال وقعت مجزرة الغوطة يوم 21 آب/أغسطس 2013م وقد تم هذا الهجوم باستخدام الأسلحة الكيماوية، حيث راح ضحيته المئات من سكان المنطقة نتيجة استنشاقهم لغاز الأعصاب القاتل، والجدير بالذكر أن المجزرة تم ارتكابها بعد مرور 3 أيام فقط على وصول بعثة المفتشين الدوليين إلى العاصمة دمشق للتحقيق في المجازر المرتكبة ورفع تقرير عن الواقع.
وكل هذه الجرائم كانت بحق أهل الشام لا لشيء سوى أنهم خرجوا يطالبون بإسقاط هذا النظام المجرم فأصبحت هذه المطالب جريمة يستحقون عليها الإبادة، إبادة على يد النظام العالمي الرأسمالي الذي لن يقبل أن ينعتق المسلمون من نير عبوديته، فكان موقف أمريكا هو قمع هذه الثورة عبر عميلها المجرم بشار ومحاولة احتوائها والالتفاف عليها عبر باقي عملائها من حكام المسلمين، فكل هذه الجرائم لم تكن كافية لأن يرى المجتمع الدولي أن بشار مجرم وقاتل، بل على العكس فقد جاء البيان الذي أقرّه مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه الخمسة عشر، ليلة الجمعة 18/12/2015، في نيويورك، بشأن حل الأزمة في سوريا، والذي حمل الرقم 2254، لينص على سيادة النظام السوري على سوريا، ويبرئ النظام من كل جرائمه ويؤكد على محاربة المعارضة تحت مسمى الإرهاب، وليس غريبا أن يكون الموقف الدولي داعما للمجرم بشار وداعيا له للحفاظ على شعبه متناسيا جرائمه بحقهم، لأن هذه الجرائم ما كانت لترتكب لولا الأوامر الأمريكية بذلك، وأضف لذلك فإن أمريكا شكلت تحالفا دوليا لمحاربة الإرهاب، وتحت اسم هذا التحالف حاربت كل من يقاتل النظام السوري، كما أن أمريكا هي من أمدت النظام المجرم بعناصر حزب إيران في لبنان ومن ثم إيران وأخيرا روسيا التي تدخلت لتقاتل إلى جانب النظام وتتبادل أدوار القصف على أهل الشام بينها وبين التحالف الدولي بقيادة أمريكا.
إن هذه الجرائم تكشف الشرعية الدولية المخادعة؛ فهي تقوم على الكذب والتضليل وقلب الحقائق وتشرعن مطامع المستعمرين وتبرر جرائمهم وجرائم عملائهم من الحكام، شرعية لا يصدقها إلا جاهل ولا يسير في ركابها إلا عميل خائن.. ثم بعد هذا الإجرام كله يقوم بعض من يزعمون أنهم ممثلون للثورة بالاجتماع في الرياض وتأكيد الاحتكام إلى العملية السياسية تحت رعاية المجتمع الدولي المجرم وتحت عباءة ما يسمى الأمم المتحدة تلك الأداة التي أوجدتها الدول الكبرى لفرض هيمنتها وتكريس استعمارها على المسرح الدولي!!
وإن هذه الجرائم بحق المسلمين لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة ما دام المسلمون ليس لهم كيان يمثلهم وإمام يحكمهم بكتاب الله وسنة رسوله e، خليفة يرعاهم بالإسلام ويحميهم ويدافع عنهم ويحرك الجيوش نصرة للمستضعفين منهم، وإن أهل الشام اليوم - وقد قدموا كل هذه التضحيات - أمام مفترق طرق خطير؛ فإما أن تذهب هذه التضحيات سدى إذا ما قبلوا بقرارات أمريكا ومؤتمراتها سواء جنيف أو فينا أو الرياض أو غيرها، وإما أن تكون هذه التضحيات ثمناً غالياً يقدمونه ليُحكَموا بشرع الله ويقيموا دولة الخلافة على منهاج النبوة وهذا ما نسأل الله أن يكون ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
رأيك في الموضوع