أعاد مؤتمر الرياض بالأسلوب الذي انعقد به وبالكيفية التي صدر بها بيانه الختامي إثارة النقاش في مسألة العلاقة بين الفصائل المسلحة وما يسمى الدول الداعمة!، وإشكالية العلاقة بين الفصائل المسلحة والدول الداعمة وإن كانت موجودة مسبقا قبل ثورة الشام أصلا، إلا أن طبيعة ثورة الشام المختلفة من حيث حقيقتها عما سبقها، ساهم في جعل هذه العلاقة تحت المجهر، مما حدا بكثيرين للبحث عن مسوغات تضفي الشرعية على تلقي الدعم من الدول القائمة في العالم الإسلامي.
والبحث عن المسوغات الشرعية فرضته حقيقة أن ثورة الشام اتخذت من الإسلام مطلبا، والانحراف عن الإسلام يتناقض مع الثورة، ولذلك فمجرد حصر البحث في كون هذا العمل حراما أو حلالا ميزة حسنة بالرغم من محاولات الالتفاف على النصوص وتحوير الوقائع.
ولعل ما حدث في مؤتمر الرياض وما وقع بعده يستدعي من الإخوة في الفصائل المسلحة أن يقفوا وقفة مراجعة وينظروا لأنفسهم ويلحظوا خطواتهم والمواقف التي انتزعت منهم، والبيانات التي وقعت رغما عنهم، والتصدع الذي أصابهم، ثم ليسألوا أنفسهم إلى أين جرهم مقدمو الدعم؟ وإلى أين سينتهي بهم المطاف بعد أن بدأ "الداعم" بمحو الثوابت إن بقي هناك شيء اسمه ثوابت!.
وأصل الخطأ الذي وقع فيه الباحثون عن المسوغات والذي نتج عنه انجرار الفصائل لتلقي الدعم هو جعلهم المسألة من فروع مسألة الاستعانة بالكفار وما يلحق بها من الاستعانة بأهل الظلم وغيرهم، وإيرادها على أنها من مسائل الخلاف بين العلماء والتي لا يحق فيها للمخالف أن ينكر على من حمل خلاف رأيه، وقيل إن "الدعم غير المشروط" جائز مطلقا، وهكذا حتى ادعى من ادعى بأن تلقي الدعم ليس جائزا فحسب بل هو واجب.
والواقع أن حقيقة "الدعم" المقدم من قبل الأنظمة العميلة القائمة في العالم الإسلامي ينطبق عليه حكم الركون إلى الظالمين لا حكم الاستعانة بهم وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [هود: 113] يقول القرطبي رحمه الله تعالى: (قوله تعالى: (ولا تركنوا (الركون حقيقة الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به)، فالنهي عن الركون نهي صريح عن الاستناد والاعتماد على الظالمين، فكيف إذا كان الظالمون يتربصون بالمسلمين الدوائر، ويعلنون العداء ليل نهار للغاية التي يسعى لها متلقو الدعم المتمثلة بتطبيق الشريعة عندما كانت الشريعة ثابتا من ثوابتهم يوما؟!
ولعل أحدا من هذه الفصائل لا يماري في أنهم أصبحوا يستندون في وجودهم وبقائهم وديمومة عملهم على "الدعم غير المشروط" الذي تقدمه هذه الدول فأصبح "الدعم غير المشروط" سيفا مصلتا على رقاب هذه الفصائل، حتى ظهرت في مؤتمر الرياض كالجمل الأُنُف تقاد حيث تريد دول "الدعم غير المشروط"، ووضح أن هذه الدول لم تكن أصلا بحاجة لتضع شروطا مسبقة، لأن الفصائل ارتهنت لها "بالدعم غير المشروط".
ومما يزيد في عظم جريمة الركون إلى دول الكفر أو الدول التابعة لها أن ارتهان الفصائل لما تريد هذه الدول يجعل دماء الشهداء الطاهرة تسخر لخدمة مخططات الغرب الكافر، فتضيع الدماء التي سالت على صيحات "الأمة تريد خلافة إسلامية"، بل ها هم يسعون لجعل تلك الدماء الزكية مدادا يكتب به دستور كفر لدولة علمانية!
إن النبي e قال: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين»، وما زال جحر "الدعم غير المشروط" أو "دعم تقاطع المصالح" مصدرا للدغات قاتلة متكررة، فحركات الجهاد الأفغاني، وفصائل فلسطين، والصومال وكشمير وغيرها شاهدة، كلما نبت للأمة أمل وأدته الدول الداعمة، والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من كان عظة لغيره.
ولو تدبر الواقعون في حبائل الكفار وعملائهم قوله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ لعلموا أن العاصم من الانزلاق في مخططات الكفار وعملائهم، والمنجي من حبائل المتآمرين وإجرامهم هو فقط الاستقامة على الطريق الذي خطه الله سبحانه لنبيه الكريم e من غير زيادة ولا نقصان لأنها وحدها الطريق المؤدي للنصر والتمكين، ومهما تلقى المتهوكون من دعم وتمويل فلن يكون عاقبته إلا ما حكم به رب العالمين عليهم ﴿ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾.
رأيك في الموضوع