لم تنتظر تركيا حتى تهدأ نيران أزمة إسقاطها الطائرة الروسية «سوخوي»، حتى أشعلت أزمة أخرى وإن كانت تبدو حتى الآن أنها أخف حرارة من أزمة الطائرة الروسية، وذلك عندما نشرت قوات من الجيش التركي في شمال العراق بالقرب من محافظة الموصل الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، فمع صباح يوم الخميس 3/12/2015 تواترت أنباء حول وصول قوات من الجيش التركي إلى الشمال العراقي بالقرب من محافظة الموصل، وتحديدا عند ناحية بعشيقة التي تسيطر عليها قوات البيشمركة، وهو ما أثار غضب واستنكار حكومة بغداد وبعض الأطراف السياسية التي اعتبرته انتهاكا لسيادة العراق وطالبت بضرورة سحب هذه القوات على الفور، حيث قامت وزارة الخارجية العراقية باستدعاء السفير التركي في بغداد وتسليمه مذكرة احتجاج على دخول قوات بلاده الأراضي العراقية بدون علم الحكومة، كما طالب مجلس الأمن الوطني العراقي تركيا بسحب قواتها خلال 48 ساعة وإلا سيتم اللجوء إلى المجتمع الدولي.
بينما كشف أثيل النجيفي، محافظ الموصل السابق وشقيق نائب رئيس الجمهورية السابق، أسامة النجيفي، الموجود في أنقرة، أن الحكومة العراقية ورئيس الوزراء العبادي على علم مسبق بهذه الخطوة.
وأكد: أن القوات التركية التي جاءت، كانت بطلب من رئيس الوزراء العراقي خلال لقائه مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، وأن العبادي طلب أي مساعدة عسكرية تقدمها تركيا للعراق وعلى إثرها أرسلت أنقرة شحنات عسكرية إلى مطار بغداد، كما أرسلت قوات تركية لتدريب قواتنا في معسكر زليكان منذ أكثر من ثمانية أشهر، وأنها كانت بعلم رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري الذي تحدث عن موضوع المعسكر مع داود أوغلو.
أما الحكومة التركية فقد أشارت إلى أن إرسال قوات عسكرية جاء لاستبدال قوات موجودة أساسا لتدريب قوات البيشمركة المرابطة على أطراف مدينة الموصل، فيما قال بيان حكومة إقليم كردستان أن دخول هذه القوات يأتي في سياق سعي الأتراك لتدريب قوات الحشد الوطني وهي قوات سنية شكلت من أبناء العشائر تمهيداً لتحرير مدينة الموصل.
إن جميع التناقضات في مواقف الحكومة العراقية وعدم المعرفة بحقيقة التدخل هو نوع من النكتة التي اعتاد ساسة العراق على إطلاقها دفاعا عن سيادة وطنية مثلومة منذ سنوات طويلة.
عموماً فإن غضب بغداد من نشر قوات تركية لا يمكن أن يتجاوز الإجراءات الدبلوماسية ضد تركيا، وإن البدائل لدى العبادي محدودة لأن الجيش العراقي والمليشيات الشيعية الحليفة ليس لديها طريق مباشر إلى مدينة الموصل، حيث الوجود التركي، ذلك أن مسلحي تنظيم الدولة يسيطرون على الأجزاء الشمالية من محافظة صلاح الدين المؤدية للموصل، فيما تسيطر البيشمركة الكردية على الطرق الأخرى.
غياث السورجي مسؤول إعلام مركز تنظيمات الاتحاد الوطني في الموصل أكد في تصريح أدلى به لصحيفة الصباح الجديد، أنه لم يشاهد خلال زياراته المتكررة لمعسكرات قوات البيشمركة وقوات الحشد الوطني أي مدربين أتراك يشاركون في تدريب القوات المهيأة، وقال إن القوات التركية المزودة بأحدث الأسلحة الثقيلة يتجاوز تعدادهم 300 جندي واتخذوا من قضاء الشيخان مركزاً لعملياتهم، وأن دخول هذه القوات محاولة من الحكومة التركية بالتنسيق مع شركائها السنة في المنطقة لمنع اقتحام مدينة الموصل من قبل قوات الحشد الشعبي والتي توقع أن تبدأ من قضاء تلعفر ذات الأغلبية التركمانية.
وأشار إلى أن مزاعم الحكومة التركية لا أساس لها وأن هذه القوات استقدمت أسلحة ومعدات ثقيلة (مدفعية ودبابات ومدرعات) وتمركزت قرب قضاء شيخان الهدف منها إسناد الموالين لتركيا في المنطقة ومنع الحشد الشعبي وقوات حزب العمال الكردستاني من أن يكون لها دور في تحرير الموصل.
إن دخول القوات التركية جاء بأمر من الحكومة الأمريكية وبالتنسيق مع الأكراد بقيادة مسعود البارزاني ويؤكد هذا التوجه ما قاله مسؤولون في واشنطن إن الولايات المتحدة على دراية بنشر تركيا مئات من الجنود الأتراك في شمال العراق، ولكن الخطوة ليست جزءا من أنشطة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
فقد ذكرت السومرية نيوز أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن الخميس 10/12/2015 عن قرب عقد اجتماع ثلاثي بين تركيا والولايات المتحدة وسلطات إقليم كردستان. وذكر خلال مؤتمر صحفي إن "اجتماعا ثلاثيا بين تركيا والولايات المتحدة والسلطات الكردية في شمال العراق سيعقد في 21 كانون الأول الجاري".
وربما سيناقش خلال هذا الاجتماع ما طرحه السيناتور الجمهوري رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي جون ماكين، أنه من الضروري تشكيل قوة عسكرية مكونة من 100 ألف جندي معظمهم من السنة بالإضافة لجنود أمريكيين من أجل محاربة تنظيم الدولة.
إن رد فعل الحكومة العراقية لم يتجاوز تقديم طلب إلى مجلس الأمن يستنكر فيه التدخل التركي ولم يطلب عقد جلسة للمجلس أو سحب القوات، كما ذكرت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية رئيسة الدورة الحالية للمجلس مما يدل على أن موقف العراق غير واضح رغم مطالبته إعلامياً بسحب القوات التركية، وهذا يبين ضعف الحكومة العراقية ويعكس حالة الفوضى التي تسود حكام هذا البلد.
إن التدخل العسكري التركي خلق نقطة توتر جديدة في منطقة تعاني أصلاً من سلسلة أزمات وتوترات سياسية واقتصادية وأمنية وهي منطقة الشرق الأوسط وستكون له انعكاساته على المدى القريب والبعيد في حال لم تسحب تركيا قواتها...
بقلم: علي البدري - العراق
رأيك في الموضوع