لا شك أن من يتابع السياسة الأمريكية في سوريا من خلال الأدوات والأساليب التي تستعملها؛ يجد أنها اضطرت لكشف الكثير من عملائها في المنطقة، لأن ثورة الشام المباركة استعصت على حلها السياسي، مما دفع بأمريكا إلى التصريح بأهدافها وكشف خططها، فأعلنت عن تصورها لمستقبل سوريا بنظام علماني ديمقراطي؛ وما ذلك إلا بسبب توجه ثورة الشام الإسلامي ومطالبة أهلها بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فجاء تصريح جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بتاريخ 22/10/2015م مدعوماً بحلفائه وعملائه في المنطقة روسيا وتركيا والسعودية بأن دول الرباعية الدولية اتفقت على سوريا موحدة ذات نظام علماني تعددي ديمقراطي، ومشدداً على «ضرورة محاربة الفصائل الرافضة للحل السلمي في سوريا»، ثم جاء مؤتمر فينا ليرسم خارطة الطريق للحل السياسي الأمريكي؛ حيث اتفق المشاركون في محادثات فينا على تشكيل حكومة انتقالية في سوريا خلال ستة أشهر وإجراء انتخابات خلال 18 شهراً، تحت إشراف الأمم المتحدة. وقررت الدول المشاركة في مؤتمر فينا بدء محادثات فورية مع جماعات معارضة، ووجود مساع لعقد أول لقاء بين نظام الإجرام والمعارضة، وهذا ما سارع نظام آل سعود إلى تنفيذه؛ حيث تم عقد مؤتمر الرياض بتاريخ 9-10/12/2015م الذي ضم مجموعة من الفصائل والهيئات والشخصيات؛ ليخرجوا علينا ببيان ختامي أعربوا من خلاله عن ثوابتهم وأهدافهم؛ وعلى رأسها مدنية الدولة السورية؛ أي أن النظام الذي سيحكم المسلمين في أرض الشام بعد كل هذه التضحيات وكل هذه الدماء سيكون نظاماً علمانياً ديمقراطياً يفصل الإسلام عن الحياة، كما أعربوا عن رفضهم للإرهاب بكافة أشكاله؛ وهذا يعني أنهم سيكونون في خندق واحد مع نظام الإجرام ضد الفصائل الأخرى التي كانوا يقاتلون معها جنباً إلى جنب؛ والتي سيتم وضعها على لائحة الإرهاب؛ بعد أن تولى نظام الأردن إعداد قائمتها تمهيداً لعرضها على مجلس الأمن الدولي المتوقع عقد اجتماع له في 18/12/2015م، وأكد المجتمعون رفضهم لوجود كافة (المقاتلين الأجانب) الذين جاؤوا لنصرة أهل الشام وللدفاع عن أعراض حرائرهم، كما أبدى المجتمعون استعدادهم للدخول في مفاوضات مع ممثلي قاتل النساء والأطفال والشيوخ، وذلك استناداً إلى «بيان جنيف» الصادر بتاريخ 30 حزيران 2012، والقرارات الدولية ذات العلاقة كمرجعية للتفاوض الذي لم يكن للمسلمين في أرض الشام أي دور في مقرراته بل فرضت على الجميع، وبرعاية وضمان الأمم المتحدة، وقد أعرب المشاركون في الاجتماع عن قبولهم ودعمهم لدور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في الإشراف على وقف إطلاق النار... هذه هي بعض ثوابتهم، والناظر فيها يجدها تنسجم تماماً مع ما تريده الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا؛ بل هي عين ما تريده أمريكا؛ فمدنية الدولة قررتها أمريكا مع حلفائها وعملائها، ومحاربة الفصائل الرافضة للحل السلمي في سوريا والتي تسميها إرهابية؛ والتي سارع المجتمعون إلى رفضها حتى قبل معرفة من هي الفصائل التي ستوضع على لائحة الإرهاب؛ ستقررها أمريكا، وتشكيل حكومة انتقالية؛ والدستور؛ والانتخابات؛ كلها ستكون بعد موافقة أمريكا وتحت غطاء الأمم المتحدة، وستخضع للعبة الديمقراطية التي تخيرك بين سيئ وأسوأ، وهكذا نرى أن المجتمعين في الرياض لا يملكون من أمرهم شيئاً، وإنما ذهبوا تحت إرهاب الدول الداعمة لينفذوا ما يطلب منهم دون مراعاة لدماء الشهداء؛ أو لكل هذه التضحيات من قتل وتشريد وحصار وتجويع، وما ذلك إلا أحد نتائج المال السياسي القذر والارتباط بأذناب الغرب الكافر، كما أن الناظر في هذه الثوابت؛ يجدها تخالف شرع الله سبحانه وتعالى، فهي ثوابت غير شرعية ترتكز على عقيدة فصل الدين عن الدولة وما انبثق عنها من أنظمة وضعية؛ تقدم حكم البشر على حكم خالق البشر، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. فالله سبحانه وتعالى قد وضع لنا ثوابت لا تخضع لأهواء البشر؛ وهي أحكام شرعية منبثقة عن عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله e، وعلى رأسها الحكم بما أنزل الله بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ التي نادى بها أهل الشام؛ وبذل من أجلها الشهداء دماءهم، قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. وثانيها التحرر من دول الكفر وإنهاء نفوذها؛ وهذا ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾. وثالثها إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه، قال رسول الله e: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع» رواه مسلم، وعلى هذا نجد أن ثوابت ثورة الشام المباركة هي أحكام شرعية أوجبها الله سبحانه وتعالى على جميع المسلمين، وهي لا تتغير ولا تخضع لأهواء الغرب، فعلى كل من يريد نصراً من الله سبحانه وتعالى أن يلتزم بأمر الله؛ وأن يتراجع عن المشاركة فيما يحاك للأمة الإسلامية من مؤامرات، وأن لا يكون أداة بيد أعداء الإسلام لإجهاض ثورة الشام المباركة؛ وهدر تضحياتها، ونذكره بعذاب الله وغضبه؛ فالمسلمون في أرض الشام لن يقبلوا بعد كل هذه التضحيات إلا أن تتوج ثورتهم بما يرضي الله لا بما يرضي الغرب، وعلى المسلمين في أرض الشام أن ينبذوا كل من يريد أن يتاجر بدماء أبنائهم في سوق الخيانة والعمالة؛ فدماء شهدائنا وتضحيات أهلنا ليست للبيع؛ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
بقلم:أحمد عبد الوهاب*
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع