كان سبب انعقاد القمة الأوروبية الاستثنائية الطارئة هو لرسم استراتيجية بعيدة المدى لمواجهة تدفق اللاجئين، إضافة إلى دعوة جميع الدول التي تباينت مواقفها تجاه اللاجئين أن يتحملوا المسئولية المشتركة تجاه هذه المسألة. وهو ما عبرت عنه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بقولها: (على الدول الأوروبية الأخرى تحمل المسؤولية المشتركة للتعامل مع أكبر أزمة لجوء في القارة منذ الحرب العالمية الثانية).
أما الاجتماع الثاني الذي سبق القمة الاستثنائية فقد كان يوم الثلاثاء لوزراء داخلية الاتحاد الأوروبي الذي كان تمهيدا للقاء القادة يوم الأربعاء في محاولة لتسوية الخلافات بينهم حول توزيع اللاجئين في ظل رفض دول لهذا المبدأ. وقد قدمت المفوضية الأوروبية هذا الاقتراح لتخفيف العبء على كل من اليونان والمجر وإيطاليا،كما يبحث الاجتماع إجراءات خفض أعداد اللاجئين وثنيهم عن مغادرة مخيماتهم فيالأردن ولبنان وتركيا.
ووسط انقسام عميق بين شرق القارة وغربها، سعت الدول الأوروبية للتفاهم على مبدأ لتوزيع المهاجرين، والاتفاق على مساعدة مالية للدول المحاذية لسورياالتي تستقبل نحو أربعة ملايين لاجئ.
وقد وصل الحد في المجر أن تسمح لقوات أمنها باستخدام الرصاص المطاطي من أجل حماية حدود بلادها من دخول اللاجئين، وقد وصلت الحال إلى أوضاع مأساوية يعيشها اللاجئون على الحدود اليونانية والإيطالية حتى باتت الإنسانية وحقوق الإنسان اللتان طالما تشدقت بهما أوروبا تنهاران أمام الانتهاكات غير الإنسانية التي تعرض لها اللاجئون على حدودها، وربما هذا ما عنته وحذرت منه مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريتي من أن (الانقسامات الأوروبية بشأن الأزمة تقوض مصداقية أوروبا).
ثم جاءت القمة يوم الأربعاء الماضي وكان من نتائجها أن تعهدت دول الاتحاد الأوروبي في ختام قمتهم الطارئة بتقديم مليار يورو لمساعدة وكالة الأمم المتحدة العاملة في مجال إغاثة لاجئي سوريا الذين ما زالوا في الشرق الأوسط من أجل الحيلولة دون قدوم آخرين إلى اليونان عن طريق تركيا. وناقشت القمة مسألة توزيع اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا على دول القارة، كما اتفق القادة على تشديد المراقبة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي لمواجهة أزمة اللجوء. كما وكانت المفوضية الأوروبية قد وجهت انتقادا إلى دول في الاتحاد، وبينهاألمانيا وفرنسا لعدم احترامهما حق اللجوء.
كما أعلن رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك في ختام القمة أنالقادة الأوروبيين قرروا إقامة مراكز خاصة بتسجيل وإيواء اللاجئين في كل مناليونان وإيطاليا بحلول نهاية تشرين الثاني/نوفمبر القادم.
وقبل الاجتماع الطارئ لرؤساء الاتحاد الأوروبي المتعلق بأزمة اللاجئين كانت المفوضية الأوروبيةلشؤون اللاجئين قد حددت سبعة عوامل رئيسية تدفع اللاجئين - ومعظمهم سوريون - إلى التدفق باتجاه أوروبا، وهي كالتالي:
أولا: اليأس وخاصة بالنسبة لأهل سوريا مع دخول ثورتهم المباركة عامها الخامس دون أي مؤشر على وجود حل في الأفق.
ثانيا: ارتفاع تكاليف المعيشة وتعميق الفقر، حيث يحدد غلاء المعيشة بقاء أو رحيل اللاجئين، خاصة في لبنان.
ثالثا: محدودية فرص كسب الرزق، ويتضح هذا العامل في لبنان ومصر والأردن وإقليمكردستان العراق.
رابعا: العقبات القانونية التي تعترض تجديد الإقامة في بعض الدول، وخاصة في لبنان.
خامسا: محدودية فرص التعليم في الأردن ومصر ولبنان والعراق.
سادسا: الشعور بفقد الأمن، ويتمثل هذا العامل في العراق حيث ذكر غالبية النازحين أنهم يشعرون بعدم الأمان في البلاد.
سابعا: نقص التمويل حيث تعاني برامج المساعدات للاجئين والمجتمعات المضيفة في المنطقة من نقص حاد في التمويل، والذي يعني تخفيضات في المساعدات الغذائية لآلاف اللاجئين، مما يشكل سببا رئيسيا لمغادرة العديد منهم الأردن.
وهنا يلاحظ أن المفوضية الأوروبية بنقاطها السبع هذه قد تجاهلت السبب الرئيسي لهروب اللاجئين إلى أوروبا سواء الآن أو منذ مئة عام، فالسبب الحقيقي هو ظلم الأنظمة التي أوجدها الغرب في بلادنا. نعم فلا أحد يريد مغادرة بلاده والهجرة للغرب لولا أولئك الحكام المستبدون الذين نصبهم الإنجليز والفرنسيون ثم أمريكا على رقاب المسلمين بعد هدم دولتهم. فأذاقوهم الأمرين حتى بات المسلمون يفرون من دولة إلى أخرى سعيا وراء لقمة العيش.
لقد بدا الحديث واضحا بين السياسيين في أوروبا في الفترة التي سبقت الاجتماع أن السبب الحقيقي الذي جعل بعض دول أوروبا تتعامل مع قضية اللاجئين بصورة أكثر إنسانية من غيرها، كميركل التي وصفت نفسها خداعا بنجاشي هذا العصر لاحتضانها المسلمين حال هجرتهم، هو أن الشعب الألماني قد عاف عن الإنجاب وأن ألمانيا كحال العديد من دول أوروبا تفتقد لعامل الشباب وهي بحاجة ماسة إلى قوى عاملة تحافظ بها على إنتاجها السنوي لسيارات المرسيدس والفوكس والآودي وغيرها.
أما المليار يورو التي تعهدت أوروبا بها لمساعدة اللاجئين الذين ما زالوا في الشرق الأوسط فهو من أجل الحيلولة دون وصول اللاجئين إلى اليونان عبر تركيا من أجل إبقائهم في الشرق الأوسط. وقد طالبت المجر في القمة برفع المبلغ إلى ثلاثة مليارات ليس حبا في اللاجئين وهي التي كانت ترشقهم بالرصاص المطاطي، بل من أجل الحيلولة دون وصولهم إلى أوروبا من الشرق الأوسط.
بكل بساطة ستقوم دول أوروبا بدفع المليار لتركيا والأردن ولبنان ومصر لخنق لاجئي سوريا للحيلولة دون وصول المزيد منهم إلى أوروبا، أما بالنسبة لمن قد وصل إلى أوروبا فسيتم تقسيمهم بين دول أوروبا والقسم الذي سيرفض منهم سيتم إرجاعه وفق صفقة مع الدول التي كانوا قد خرجوا منها. وهذا ما جرى في مكالمة هاتفية بين كاميرون وهولاند عن إيجاد مراكز لإرجاع اللاجئين الذين يتم رفضهم إلى المناطق التي قد جاؤوا منها.
رأيك في الموضوع